هل ستنجح حركة التغيير في الوطن العربي؟ وهل ستتحقق آمال وطموحات مئات الملايين من البشر؟ وهل مرحلة ما بعد سقوط الأنظمة الفاسدة, ستشهد الحكم الرشيد والنجاح الاقتصادي والطمأنينة والأمن والاستقرار؟ كل هذا مرتبط بشروط ومستلزمات يجب أن تتوافر حتي يتحقق النجاح; والعملية برمتها بحاجة إلي وقت وضبط للنفس وعمل ومثابرة وأخلاق والتزام, ومواطن مسئول وواع يقوم بدوره في المجتمع علي أحسن وجه, ومشاركة سياسية إيجابية وفصل بين السلطات, ومنظومة إعلامية ملتزمة ومسؤولة, وصحافة مدنية ومجتمع مدني قوي.
تعتبر الصحافة المدنية, أو الصحافة العامة أو صحافة المواطن, أو صحافة المجتمع المحلي التسمية تختلف والمعني واحد ـ نوعا جديدا من الممارسة الصحفية, ظهر في منتصف العقد الأخير من القرن العشرين في الولايات المتحدة, كبديل للصحافة التقليدية المسيطرة في الساحة الإعلامية, والمرتبطة بالنظام القائم وبالنخب والمصالح الاقتصادية والسياسية. وكبديل لصحافة التسطيح والتهميش والاستهلاك والاغتراب, وصحافة تبرير وتشريع الوضع الراهن.
تقوم صحافة المجتمع المدني علي مبدأ الوصول للمواطنين والاستماع إليهم, وإعطائهم الفرصة للاستماع والتحدث لبعضهم ومناقشة همومهم ومشكلاتهم وطرح الحلول والبدائل, وبذلك فهم طرف في العملية الإعلامية ومشاركون فيها, وليسوا مستقبلين فقط, بل فاعلين.
ويري أنصار صحافة المجتمع المدني, أنها صحافة جادة مسئولة وملتزمة, وطريقة جديدة تهدف إلي تحديد القضايا والمشكلات الرئيسية التي تهم الرأي العام والسواد الأعظم من الشعب. وهي بذلك تهدف إلي خلق حوار ونقاش فعال ومثمر حول أهم قضايا المجتمع, والسعي لتشخيص الأسباب وطرح الحلول والبدائل لمعالجتها.
فالهدف ليس تغطية الأحداث والقضايا والجرائم والانسحاب بعد ذلك, بل الذهاب أبعد من ذلك بطرح هذه الأحداث والقضايا للنقاش والحوار والدراسة والتحليل, ومن ثم إيجاد الحلول العملية والناجعة لمعالجتها واستئصالها. فالصحافة المدنية هي نوع من الإعلام المسئول والهادف, الذي يعني بإعادة تنظيم الأولويات وتحديد العلاقة النوعية التي تربط المجتمع المدني بالقوي الفاعلة في المجتمع, وانتهاج طريقة جديدة في طرح المشكلات والأمراض الاجتماعية, كالفساد والرشوة والفقر والجهل والأمية والجريمة ومختلف السلوكيات المنحرفة, بهدف مناقشتها ودراستها وتحليلها من قبل الجميع والتفكير في استئصال أسبابها للقضاء عليها.
وهي مقاربة جديدة لمفهوم جديد للصحف والصحافيين باعتبارهم فاعلين, وليسوا متفرجين علي ما يحدث في المجتمع. وهذا يعني, من جهة أخري, إدماج وإشراك المواطنين في العملية الإعلامية, من خلال اختيار المواضيع وطرحها والمشاركة في مناقشتها, واقتراح الحلول الناجعة لمعالجتها. فصحافة المجتمع المدني هي حلقة وصل بين المواطنين والسلطة, وهي الوسيط الإعلامي للمجتمع المدني الذي يعتبر الفضاء العام للشرائح الاجتماعية والمكونات المختلفة للمجتمع.
هذه المكونات من خلال صحافة المجتمع المدني, تعبر عن همومها ومشاكلها, وتبدي آراءها حول ما يجري في المجتمع, وهذا يعني أن المواطن يتمتع بدرجة عالية من الوعي والمسؤولية الاجتماعية. الأمر الذي يؤدي في النهاية إلي ربط المجتمع المدني بالقوي الفاعلة في المجتمع وصناع القرار والمؤسسات والتنظيمات والهيئات المختلفة, حتي تقوم كل جهة وكل طرف بمسؤوليته ودوره في التكفل ومعالجة القضايا الاجتماعية المختلفة, كل حسب اختصاصاته وصلاحياته. وهكذا يتكفل الفرد في المجتمع بواجبه الاتصالي والإعلامي, لإيصال رأيه وفكرته, وكذلك لاستقبال المعلومة التي تهمه وتساعده في صناعة القرار السليم.
تتكفل الصحافة المدنية وكذلك المجتمع المدني, بنشر الوعي حول القضايا المهمة والمصيرية في المجتمع أولا, وطرحها للنقاش والحوار, ومن ثم إشراك كل الجهات المعنية في المساهمة في اقتراح الحلول وتنفيذها, من خلال القوي الفاعلة في المجتمع والسلطة كذلك.
تهدف الصحافة المدنية من وراء تغطية مشكلات وآفات المجتمع, مثل الفساد, والجريمة والعنف والسرقة والنشل.. الخ, إلي الوعي بهذه المشكلات من قبل المواطنين, وحثهم علي المشاركة في مكافحة هذه الآفات والأمراض الاجتماعية, كل من موقعه وحسب إمكانياته. فطرح المشكلة الاجتماعية غير كاف, وإنما يجب الذهاب إلي ما وراء استعراض المشكلة, وهو البحث عن جذورها وأسبابها, وتوصيف الإجراءات العملية اللازمة لمعالجتها, بالتنسيق مع الجهات المعنية, سواء الرسمية أو غير الرسمية, لحل هذه المشكلات واستئصالها.
وتتطلب الديموقراطية في المجتمع, صحافة ملتزمة وواعية تقوم بمسئوليتها الاجتماعية علي أحسن وجه, وإلي مواطن مسئول وواع ومنخرط في مجتمع مدني, يناقش مشاكله وهمومه وقضاياه بطريقة ديموقراطية صريحة وواعية ومسؤولة, من أجل مشاركة الجميع في الحوار والنقاش واقتراح الحلول والإجراءات العملية لمعالجة المشاكل واحتوائها.
والكلام عن الصحافة المدنية, يقودنا للكلام عن ضرورة وجود مجتمع مدني نشط وديناميكي وفعال, يكون الإطار العام الذي تنشط فيه الصحافة المدنية. التحدي, إذا, كبير جدا في العالم العربي, خاصة في عصر العولمة والثورة المعلوماتية وصناعة المعرفة وانهيار الحدود والحواجز. فالمواطن يجب أن ينتقل ويتحول من مجرد مستقبل ومستهلك, إلي مشارك وفاعل واع ومسئول عن سلوكه الاتصالي والإعلامي.
* البيان الإماراتية