تعاني مصر من أزمة اقتصادية طاحنة نتيجة تعطل آلة العمل في معظم قطاعات الإنتاج, ويتفق خبراء المال والاقتصاد علي أن الخروج من هذه الأزمة ليس بالأمر العسير, ذلك أن مصر تملك من المقومات التي تجعلها تنهض مرة أخري ولكن السؤال الذي يشغل بال هؤلاء الخبراء يكمن في التوجه المستقبلي للاقتصاد المصري, هل سينفصل عن آليات السوق وسياسات العرض والطلب فتعود مصر إلي الوراء سنوات عديدة ملتحفة بالاقتصاد الاشتراكي الذي يجعل الدولة هي المهيمن علي النشاط الاقتصادي.
وطالب بعض الخبراء بإقامة مشروعات قومية عملاقة بمشاركة شعبية ورقابة حكومية وإدارة واعية للقطاع الخاص لامتصاص آلاف من الأيدي العاملة الشابة.
يؤكد إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الأسبق علي أن الاقتصاد الرأسمالي الحر تنتجه أغلب دول العالم, ولا بديل عنه للخروج من الأزمة, مطالبا بتعويض الفترة الماضية التي تعطلت فيها آلة الإنتاج حيث الفرصة سانحة للاستفادة من إقامة كيانات كبيرة يشارك فيها الشعب وتخلق فرص عمل وبذلك تؤدي إلي زيادة الإنتاج مما يعكس في النهاية أمرين: الأول تقليل الاعتماد علي الخارج في الاحتياجات الأساسية والسلع الاستراتيجية والثاني زيادة الإنتاج في ظل الظروف الراهنة في احتياج لإقامة مثل هذه المشروعات للمساهمة فيها لخلق الشعور بالملكية فضلا عن استثمار الفائض.
ومن جانبه قال ماجد شوقي الرئيس الأسبق للبورصة إن فكرة إقامة كيانات كبيرة ويشارك فيها الشعب فكرة جيدة ولكن عند التطبيق سنواجه الصعوبات كثيرة خاصة أن عدد السكان يتعدي 80 مليون نسمة, مطالبا في حالة تنفيذ الفكرة بأن تكون الإدارة للقطاع الخاص والملكية للشعب من خلال الاكتتاب العام ويقتصر دور الحكومة علي المراقبة فقط لأنه خبرات القطاع الخاص في الإدارة جيدة.
واقترح شوقي بأن تكون هناك نسبة مخصصة للحكومة ولو 20% والقطاع الخاص يدير مقابل نسبة, مؤكدا علي علي أن هذا النموذج طبق في دول عديدة ونجح بشكل كبير ولكن في الدول التي لا يتعدي عدد سكانها عن 5 ملايين نسمة ولهذا فإن الأمر يحتاج إلي تنظيم وترتيب لضمان حقوق كافة الأطراف ونجاح المشروعات المستهدف إقامتها.
ويري د. أشرف جمال الدين رئيس مركز المديرين المصري أن العقود التي تم من خلالها بيع الشركات ومن أبرزها عمر أفندي تتضمن بنودا تلزم المستثمرين ببعض الاشتراطات كالحفاظ علي العمالة وتطوير الشركات, وإذا أخل المستثمر بهذه الشروط يتم استرداد هذه الكيانات مرة أخري لصالح الدولة, مؤكدا أن هناك شركات عديدة تم استردادها مرة أخري كما حدث في صفقة عمر أفندي, موضحا أن مسألة طرح الشركات للاكتتاب العام في البورصة تواجه مشكلة ضعف القدرة الشرائية, مما سيخفض السيولة وبالتالي انهيار سعر القيمة الأسمية للأسهم الأخري في البورصة, وطالب جمال الدين بأن يكون الطرح إذا حدث منتظما وفقا لاعتبارات وضوابط, مشيرا إلي أنه عند طرح شركة مملوكة للدولة في البورصة لابد أن يخضع الطرح لظروف السوق وحجمها موضحا أنها مسألة نسبية ذلك أن لكل شركة ظروفها الخاصة علي سبيل المثال فعندما طرحت الشركة المصرية للاتصالات في البورصة كانت نموذجا ناجحا وكانت السوق مناسبة لهذا الطرح, مؤكدا علي أن العديد من دول العالم تأخذ بهذا النموذج مثل بعض دول أوربا الشرقية وألمانيا.
ويقول د. نبيل حشاد مدير المركز العربي للدراسات والاستشارات المالية والمصرفية إن النظام الرأسمالي الحر له عدة أنماط منها رأسمالية ريادة الأعمال وتعني خلق الصناعات المتوسطة والصغيرة لتستوعب عددا كبير من العمالة, ورأسمالية الشركات الكبري, ومطبق في الولايات المتحدة حيث شركات متعددة الجنسيات تتحكم في الاقتصاد كله, ولكن هذا النموذج لا يتناسب والمجتمع المصري وهناك نمط ورأسمالية الدولة والتي تخضع خطط التنمية وتشجع الصناعات مؤكدا أن مصر كانت تعمل بأسوأ نوع والذي يخدم القلة أما أنسب الأنواع التي تلائم المجتمع المصري هو النظام الرأسمالي الذي يعتمد علي تشجيع الأعمال الريادية وتلك القائمة علي الابتكار والمشروعات الصغيرة والمتوسطة لاستيعاب عدد كبير من العمالة وحل مشكلة البطالة.
وأوضح حشاد أن السياسات الاقتصادية تقاس بالنتائج, مشيرا إلي أن النظام الذي يؤدي إلي الاستفادة القصوي من الموارد المتاحة في المجتمع سواء طبيعية أو بشرية هو الذي يجب انتهاجه موضحا أن جميع التشريعات والقرارات التي كانت تخدم الفئة الحاكمة يجب إعادة النظر فيها.
ويقول د. عبدالمطلب عقدة عميد معهد الاستشارات والبحوث الاقتصادية إن الانتقال من الرأسمالية المتوحشة التي كانت تخدم فئة قليلة إلي ما يسمي الرأسمالية الشعبية يحتاج إلي التوسع في الشركات المساهمة للاكتتاب العام, مؤكدا علي أن البورصة تعاني من الشركات المغلقة علي أصحابها, فهي تمثل نسبة 75% من الشركات في البورصة وهي مغلقة علي عدد قليل, مطالبا بالتوسع في الشركات المفتوحة المساهمة للاكتتاب العام ويشارك فيها الآلاف من المواطنين ويكون أي شخص قادرا علي امتلاك أسهم ودور الدولة يجب أن يكون واضحا من خلال ثلاثة أبعاد: منظم ومشارك ومراقب, موكدا أن هذا النظام يضمن سلامة وشفافية المعاملات والقضاء علي الفساد من خلال مراقبة الإدارة ومحاسبتها.