اندلعت ثورة 25 يناير مطالبة بقيام دولة مدنية يحيا فيها الجميع علي حد سواء في الحقوق والواجبات لا يتميز مسلم فيها عن مسيحي, وجاءت أحداث إمبابة تعكس الواقع المزري الذي كان يعيشه المجتمع المصري خلال عهد النظام البائد, ودقت ناقوس الخطر لقيام الدولة الدينية.. فهل مازال حلم قيام دولة مدنية يمكن تحقيقه أم أصبح حلما بعيد المنال.
تيارات متشرذمة
قال صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة: فكرة الدولة المدنية تتراجع بقوة وتحقيقها يزداد صعوبة ويحتاج إلي وقت ليعود التأكيد عليها مرة أخري, ذلك لأن التيار الإسلامي الراعي لقيام دولة إسلامية سياسية أصبح هو أقوي التيارات السياسية الموجودة علي الساحة الآن وهو الأكثر احتمالا ليحوز علي أغلبية ساحقة في الانتخابات البرلمانية المقبلة وكتابة الدستور, وبالتالي أصبح حلم التوصل إلي دستور يؤكد مدنية الدولة أمر بعيد المنال فالبيئة السياسية الآن هي بيئة تجعل الحفاظ علي القدر الذي كان موجودا من مدنية الدولة أمر صعب.
فضلا عن سيطرة هذا التيار الديني علي الشارع وكذلك عدد كبير من مؤسسات الدولة سواء الدينية الرسمية أو غير الرسمية فأصبح له ركائز قوية في الوقت الذي أصبحت فيه التيارات التي تنادي بمدنية الدولة متشرذمة ولا تمارس حياة سياسية حقيقية قوية.
أشار عيسي: هناك جرم يرتكب من قبل أجهزة الإعلام الرسمي وغير الرسمي يتضح جليا في انتهازية ومداعبة هذا التيار سواء لمحاولة الاستفادة منه في الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية أو حتي لتجنب بطشه, مما يؤدي في النهاية إلي إجهاض أهم ثمار الثورة وأهدافها وهو تطور مصر علي أساس ديموقراطي سليم.
نظريا..
وعن احتمال قيام دولة مدنية ذات مرجعية دينية إسلامية قال د. عمرو حمزاوي أستاذ العلوم السياسية: هذه كلها مصطلحات ملتوية فهي حق يراد به باطل فما يطرح أمامنا الآن هو لغط بمدونه الفقيه التقليدي ويسفر عن قيام دولة دينية بالفعل فنحن وجدنا أنفسنا أمام تطبيق الحدود وليس التحاذير والتي أنشأت منذ قيام الدولة المدنية في مصر, وتطبيق الجزية وحرمان النساء وغير المسلمين من تولي القضاء واستحداث هيئة دينية مما يسمونه كبار العلماء وعرض أحكام القضاء عليها وهي صورة أخري لتولي الفقيه الخلافة كذلك نجد أن هناك اتهامات بالخروج عن الملة لكل من يجتهد في تيسير أمور الوطن, ولا يتبع نوعا معينا من رعاياها.
أشار د. حمزاوي: قد نري الدولة المدنية نظريا فقط بمعني أن يكون غير المسلمين لهم ما لنا وعليهم ما علينا, أما فعليا وعلي أرض الواقع فنري أننا لنا الحق في قيام دور عبادة ويحرم منها المسيحيون, وحق لغير المسلم أن يغير دينه وهذا الحق غير مكفول للمسلم فهذه كلها مؤشرات تدل علي قيام الدولة الدينية ذات غلالة دينية وليست دولة مدنية.
وأضاف: الدولة المدنية لا تعني الديموقراطية فقط أو إجراء انتخابات حرة نزيهة بل تعني الحرية والمساواة أمام القانون, كذلك ليست هي حكم الأغلبية فقط بل إنها حكم الأغلبية مع الحفاظ علي حكم الأقلية.
وأعرد د. حمزاوي عن مدي استيائه مما يحدث الآن علي الساحة السياسية وانفراد التيار الديني بالصورة فهذا يضر بوحدة مصر ويحولها للطائفية السياسية ويؤخر تقدمها ويضر بالإسلام ويؤدي إلي تعزيله بسبب احتكار بعض التيارات للتحدث باسمه دون غيرهم.
الحرية هي العلاج
قال د. ضياء رشوان الباحث بمركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام: مفهوم الدولة المدنية ومدلولها يعني في اللغة الحقيقية للسياسة الدولة الحديثة, ونجد المجتمع المصري بعد ما عاناه علي مدار ثلاثين عاما من قهر وظلم وتراجع فكري اختلق لنفسه هذا المصطلح الدولة المدنية حتي يفر من خلاله لمفهوم الدولة الحديثة التي تضع معايير ومقومات تفرق بينها وبين الدولة التقليدية أهمها عدم قيام الدولة علي عرق أو دين أو طائفة واحدة وبالعودة للتاريخ نجد أن حتي الدولة الإسلامية قامت علي أسس وقواعد الدولة الحديثة بمفهومها السابق, فمن مصلحة مصر قيام دولة حديثة أساسها الديموقراطية الحقيقية والفعلية وتكافؤ الفرص وحرية الرأي.
وعن التيارات الدينية قال د. رشوان: التوجهات الدينية طول عمرها موجودة وكثيرة ومتعددة في المجتمع المصري والحرية هي العلاج الوحيد لأي تطرف أو تشدد وهذا العبء يقع علي عاتق النظام المقبل ومدي قدرته علي استيعاب واحتواء هذه التيارات الدينية المتعددة حتي لا تهدد مبادئ الدولة الحديثة التي نتطلع إليها جميعا ونسعي لوضع حجر الأساس لها.
والخطورة تكمن في اتحاد كل هذه التيارات الدينية تحت مظلة واحدة وطالبت جميعا بقيام دولة دينية تخلو من المبادئ السابق ذكرها لتتحكم فيها النزاعات الدينية دون أدني اعتبار لكيان الدولة.
مدنية بمرجعية دينية
علي الجانب الآخر قال د. عصام العريان القيادي بجماعة الإخوان المسلمين: الدول المدنية في مصر كانت دولة مريضة تشتكي من الديكتاتورية والفساد, ومصر الآن تسعي لتحقيق عدالة اجتماعية في دولة يلعب فيها الدين دورا مهما ولكن لا نستطيع أن نقول إنه علي هذا الأساس تقوم الدولة الدينية ذلك لأن الدولة الدينية هي التي حكمها الكهنة ولا يوجد في الإسلام دولة حكمها الشيوخ, ولكن هناك أناس متطرفون وهم قلة قليلة ينادون بقيام الدولة الدينية ولكن إرادة المجتمع هي وحدها ما يجعلهم يتراجعون إلي الوراء.
وأضاف العريان بقوله: إنه من غير الجائز أيضا أن ننادي بقيام دولة مدنية يغيب فيها دور الدين ويلغي فهذا أمر لا نقبله لذا فنحن الآن بصدد قيام دولة مدنية ذات مرجعية دينية.