فى كتابه “مستقبل الثقافة فى مصر” الصادر عام 1938 والذى يعد أحد أهم الوثائق والدراسات الفكرية فى القرن العشرين- كتب عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين: “الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال، وهنا نجد الاستقلال السياسى والحرية بداية بناء جديد لمصر الحديثة، ولم يتحقق التقدم الحقيقى بالحرية والاستقلال وحدها. كتب طه حسين يقول: تضيف إليها الحضارة التى تقوم على الثقافة والعلم، القوة التى تنشأ عن الثقافة والعلم، الثروة التى تنتجها الثقافة والعلم، ولولا أن مصر قصرت طائعة أو كارهة فى ذات الثقافة والعلم لما فقدت حريتها ولما أضاعت استقلالها”.
وهنا نتساءل: ما مفهوم الثقافة الذى يتناوله الدكتور طه حسين؟.
إنه مفهوم يتجاوز عنده المعرفة المحددة، والثقافة ليست محصورة فى المدارس والمعاهد، بل مفهوم الثقافة يتسع ليتضمن العلم والفلسفة والأدب والفن والسلوك إلى جانب التعليم ومؤسساته.إذن: الثقافة هى حجر الزاوية الذى يعد بدوره سلاحاً ذا حدين… إما أن تستند إليه الأمم فى صنع حضارتها فيأتى البناء سليماً راسخاً إذا كانت الثقافة راقية هادفة، وإما إنه يسحق كل القيم والمعانى النبيلة إذا ما انحدرت الثقافة بكل دروبها وغاب العقل بفعل ثقافات هدامة مستنكرة.
من هنا يصبح للحوار مع الدكتور عماد أبو غازى وزير الثقافة أهمية خاصة فى هذه اللحظة التاريخية الفارقة التى تمر بها البلاد، وما يشهد الشارع المصرى من أحداث تداعيات متلاحقة وقضايا ساخنة تفرض نفسها فى ظل المرحلة الراهنة.
أفكار… أحداث… سلوكيات… تقف وراؤها جميعاً الثقافة بأشكالها المختلفة
فماذا قال؟
· ماذا يحتاج الشارع المصرى من وزارة الثقافة بعد 25 يناير؟
* * يحتاج الشارع المصرى إلى جهد كبيرفى مجال الثقافة فى المرحلة الحالية، يحتاج لأن تتحرك الوزارة بمؤسساتها للخروج إلى الشارع ولا تنتظر إلى أن يأتى الشارع إلينا، كما حدث فى زيارة أسيوط مؤخراً حيث التقينا بأبناء قرية موشا بمكتبة آل عابدين الثقافية، وشباب أقليم وسط وجنوب الصعيد، وهنا يتضح الفرق بين مفهوم هيئة قصور الثقافة حيث نطلب من الناس أن يأتوا إلينا فى مكاتبنا، وبين أن نتحرك إلى الناس حيث هم فى مواقعهم بالشارع وعلى المقاهى وفى الميادين والتجمعات العمالية، والفلاحين… إلخ.
لقد ظللنا لسنوات طويلة محرومين من الاحتكاك بالناس مثلنا مثل الأحزاب السياسية التى كانت محاصرة داخل مقرها، أيضاً وزارة الثقافة كانت تعمل فى مقرها ولا تتحرك للشارع للميادين… للقرى… للنجوع… وهذا هو الظرف الذى أتاحته الثورة: أن نتحرك بحرية وهو ما نسعى إليه، وهناك جانب أخر: مواقعنا الثقافية تكون مفتوحة لمزاولة المواطنين الأنشطة الثقافية والفنية والإبداعية، ولابد أن نتكامل رسالة وزارة الثقافة مع رسالة التعليم مع الجامعات والمجلس القومى للشباب لنخرج برسالة الثقافة التى تدفع بالمجتمع المصرى إلى الأمام وأضاف: أن التعليم والثقافة والاقتصاد مثلث فى بناء نهضة مصر ولابد من اكتمال أضلاعه الثلاثة، أيضاً التعاون مع الأجهزة الشعبية والتنفيذية والجمعيات الأهلية والمجتمع المدنى. فالمرحلة الراهنة حقيقة تتطلب التعاون الوثيق من أجل بناء فكر الإنسان وعقليته ومراعاة متغيرات العصر.
· توجد حالة من حالات العزلة للمثقفين… لماذا؟
* * حقاً كان هناك عزلة للمثقفين، جزء من هذه العزلة يقع على مسئولية النظام فى المرحلة السابقة، والمثقفين المستقلين كانوا محاصرين أيضاً بل أكثر بكثير من عزلتنا باعتبارها جزء من الدولة، نقوم ببعض النشاط، أما الجماعات الثقافية المستقلة حوصرت بشدة خصوصاً فى العامين الماضيين، ربما جزء من المسئولية كان على المثقف أيضاً، لكن كانت هناك محاولات من المثقفين الوطنين الذين يعلمون بشكل مستقل عن الدولة لكسر حالة الحصار وحالة العزلة… كان المجتمع فى حاجة إلى ثورة ليكون المثقف وسط الناس وأمامنا تجربة “الفن ميدان” ممتدة إلى أربعة أشهر ينظمها أتلاف الثقافة المستقلة، وهى تعد تجربة ملهمة لكل الجماعات المستقلة لتحقيق الالتحام المباشر بين المثقف والجماهير.
· هناك رأى قائل بأن يتم توزيع ميزانية وزارة الثقافة على متطلبات الحياة الضرورية… فلم يعد هناك حاجة للثقافة فى المرحلة الحالية ! فما رأيك؟
* * ميزانية الثقافة فى مصر محدودة للغاية، هزيلة وفاضحة يصل نصيب المواطن ( 2.5: 3 جنيهات) فى السنة من الخدمات الثقافية! أين إذن الأنفاق على الثقافة؟ أن المجتمع المثقف مجتمع تقل فيه نسبة الجريمة، نسبة المرض، نسبة الاحتقان الدينى، يرتفع فيه مستوى التعليم، وبالتالى فإن الأنفاق على الثقافة هو استثمار فى الإنسان، فلا يمكن تحويل ميزانية الثقافة للأنفاق على مطالب الحياة اليومية من مأكل وملبس، ولا يمكن التعامل مع الثقافة ” بهذه السذاجة “.
· ماذا عن تطوير المجلس الأعلى للثقافة؟
* * هناك مناقشات تدور منذ عدة شهور حول تطوير المجلس الأعلى للثقافة، بدأتها مع عدد من المثقفين واستكملها الدكتور عز الدين شكرى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة حالياً، انتهت هذه المناقشات بتصورات معينة وجارى تنفيذها لاتخاذ الخطوات التنفيذية.
· لماذا طرحت فكرة “التصويت الإلكترونى” على جوائز الدولة؟
* * أتفق معى فى طرح هذه الفكرة الدكتور عز الدين شكرى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة على أن يتم تنفيذها فى العام المقبل، ذلك أن التصويت الإلكترونى يعد أسهل وأسرع فى رأيى، ويقلل من الأصوات الباطلة وغير ذلك من الامكانيات، وفى هذا العام تم ولأول مرة إذاعة جلسة التصويت على جوائز الدولة على الهواء مباشرة، حيث كان التصويت يجرى داخل القاعة، وهناك قاعة مجاورة للإعلاميين والصحفيين وتبث منها وقائع الجلسة مباشرة أمام الكاميرات على الهواء مباشرة.
· يعترض البعض على الوثيقة التى صدرت مؤخراً عن الأزهر الشريف… فما رأيك؟
* * يأتى صدور وثيقة الأزهر فى هذه المرحلة كتطور إيجابى ولافت للنظر، ولم أر فى صدور هذه الوثيقة عن مؤسسة الأزهر الشريف أى سيطرة من قبل المؤسسة الدينية، لأن الحوار الآن هام جداً ويعد مكسباً.
· ما أولويات هذه المرحلة؟
* * تتمثل هذه الأولويات فى كسر المركزية الثقافية، وتوزيع النشاط الثقافى بشكل عادل على المجتمع دون اقتصار على بقعة جغرافية أو فئة بعينها، أيضاً يأتى من بين الأولويات أن تساهم رسالة الثقافة فى الأولوية الكبرى فى مجتمعنا ألا وهى: تحقيق التحول الديمقراطى فى هذه المرحلة.
· لمسنا عن قرب حالة التوحد التى كان عليها المصريون فى ميدان التحرير… ثم ما لبت أن تبدل الأمر وظهرت بعض النعرات الطائفية… فما السبب؟ وما هو الحل؟
* * الطبيعى فى مرحلة الأحداث الكبرى أن تتكاتف الناس وتقترب من بعضها البعض، فرغم انسحاب الأمن لم يتعرض مسجد أو كنيسة لعدوان، كنا نرى فى الميدان صلاة الجمعة وصلاة الأحد معاً… المسلم يتوضأ والمسيحى يصب له الماء، فلم يعد هناك اختلاف بين الرجل والمرأة، المسلم والمسيحى كنا جميعاً فى مواجهة نظام يتهاوى تحت مظلة الثورة، دائماً فى أوقات النضال الكبير يحدث هذا، كما رأينا فى حرب أكتوبر لم يكن هناك جريمة، ومن قبل فى ثورة 1919 عندما تلاحم الجميع فى مواجهة المحتل.
والذى حدث أن عادت حالة الاحتقان التى زراعها النظام السابق وغذاها لسنوات طويلة، خلق مناخاً يؤدى إلى التباعد بين الطرفين ويستفيد منه لتثبيت حكمه الفاسد المستبد، لقد خلق جواً للتقوقع لكل مجموعة على حدة، وقد عادت حالة الاحتقان هذه بعد خفوت المرحلة الأولى فى الثورة فهناك عناصر من النظام السابق عادت لتغذى هذه الحالة من جديد، لذلك لا يتصور أن يحرق وطن من أجل رجل أو امرأة قام بتغيير دينه، فلن يتأثر الإسلام أو المسيحية بهذا التحويل، المفترض أو الواجب أن نحافظ على تماسك هذا الوطن فى مواجهة دعاوى الفتن، فأبناء الوطن من مسلمين ومسيحيين كيان واحد لا ينفصلان.
أما عن دور الثقافة لمواجهة هذه النعرات الطائفية فهو دور مهم وأساسى وحتى يؤتى ثماره يحتاج لشئ من الوقت، وفعلاً نعمل حالياً من خلال لجنة المواطنة والمجلس الأعلى للثقافة لإرساء قيم المواطنة، بالإضافة إلى الأنشطة الأخرى لقصور الثقافة… الجامعات، حيث تأتى قضية الوطن والمواطنة كقضية محورية فى كل أنشطة وزارة الثقافة، وتضمن هذه الرسالة الجادة داخل العمل دون أن تكون بشكل توجهى أو إعلامى مباشر.
· بماذا تحلم للثقافة فى مصر؟
* * حلمى أن تكون الخدمات الثقافية بلا تمييز، وأن تتحقق العدالة فى توزيع هذه الخدمات الثقافية للمواطنين، وأن تقدم الثقافة مصر للعالم الخارجى بشكل جديد وتساهم فى بناء الدور المصرى فى المحيط العربى والمحيط الأفريقى، وفى علاقات مصر بالعالم، وأن تكون هناك صناعات ثقافية قوية تسهم فى بناء الثقافة المصرية وفى دعم الاقتصاد القومى.
==
س.س
11 يوليو 2011