الحوار مع الدكتور وليم ويصا له مذاق خاص فهو بحكم استقراره في المهجر بباريس بعد سنوات من العمل الصحفي في مصر دائما ما يقدم توصيفا دقيقا للحركة القبطية في الخارج ما لها وما عليها خاصة وأن تعدد المنظمات القبطية بالمهجر تسبب في إفساد الجهد الحقوقي الساعي للدفاع عن حقوق المهمشين بمصر وفي مقدمتهم الأقباط.. تنقل الحوار من بداية نشوء الحركة القبطية والحراك بالداخل وما تخلل ذلك من أحداث قبل وبعد ثورة 25 يناير ودور الإعلام المصري في تغيير المفاهيم والثقافات الموروثة ومواجهة الأفكار المستوردة ودعم التعاون بين الأقباط وإخوانهم المسلمين المستنيرين كسبيل أوحد للدولة المدنية الحديثة, فإلي الحوار.
* ما تقييمك للحركات السياسية لأقباط المهجر؟
* * بسبب وجود مشاكل يعاني منها الأقباط في مصر وغياب نخبة علمانية قبطية, نشأت مع بداية الستينيات حركة قبطية في المهجر بدأت مع الراحل شوقي كاراس والدكتور نجيب سليم وغيرهما من أوائل الذين طالبوا بحصول الأقباط علي حقوقهم والمطالبة بها وكانت ذروة هذا العمل في الصدام الذي وقع بين قداسة البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات وتركزت في المطالبة بضرورة عودته إلي ممارسة مهامه كراع وبطريرك وبابا. وبعد ذلك نشأت جمعيات قبطية عديدة في بلاد المهجر كأوربا وأمريكا وأستراليا وكانت الصفة الغالبة علي هذه الحركة أنه لم يكن هناك توحد أو تنسيق بينها في العمل التنظيمي إلا أنها اتفقت جميعها علي المطالبة بأن الأقباط علي قدم المساواة مع أشقائهم المسلمين وهناك العديد من المطالبات في إطار الملف القبطي علي تنوع أبعادها, أما الآن فهناك العديد من الجمعيات القبطية في العالم يغلب عليها الانقسام الشديد وعدم وجود أي كيان تنظيمي يسمح لها بالاتحاد في إطار حركة واحدة أو في إطار منظمة واحدة تكون أكثر تأثيرا في الدول التي تعيش فيها وعلي نظام الحكم في مصر, ومع ذلك هناك بوادر طيبة تتمثل في نشوء منظمة التضامن القبطي في الولايات المتحدة ومنظمة التضامن في فرنسا وهما منظمتان جادتان أتمني أن تكون كل منهما نواة لكيان قبطي في المهجر يجمع كل المنظمات حتي تكون الحركة القبطية مؤثرة وفعالة ومواقفها ليست ردود أفعال ولكن عملا يوميا دائما وذلك بالتعاون مع أشقائهم المسلمين المستنيرين.
* هل نجحت الحركة القبطية في الخارج في حصول الأقباط علي حقوقهم؟
* * الحركة القبطية في الخارج رغم عدم توحدها إلا أنها كانت تمثل صداعا دائما لنظام الحكم في مصر وجعلت من قضايا الأقباط ملفا مفتوحا مطروحا وعنصر ضغط علي النظام في مصر وقد حاول النظام المصري السابق ضرب الحركة القبطية في الخارج بمحاولة استمالة بعض عناصرها وخداعهم بوعود براقة وكانت نتيجة هذه المحاولة الفشل الذريع لمن سقطوا في هذا الفخ, وأعتقد أن الحركة القبطية لن تكون مؤثرة بشكل فعال ما لم يكن لها امتداد داخل الوطن وأنا أشعر بتفاؤل كبير مع ظهور حركة شباب ماسبيرو وهي المرة الأولي التي نري شباب واحدا يتوفر له رؤية سياسية وقدرة علي الحركة تأخذ العمل القبطي بعيدا عن ممارسات قلة في الداخل وقلة في الخارج يعيشون علي القضية القبطية. هؤلاء الشباب لديهم وعي سياسي كبير بقضايا الأقباط وقد استطاعوا من خلال اعتصامهم وتحركاتهم أن يفرضوا علي السلطة الحاكمة في مصر الآن بعض مطالبهم ومنها بناء كنيسة أطفيح في مكانها وأمور أخري, هؤلاء الشباب يجب ألا يسمحوا للذين يرتزقون من مشاكل الأقباط بالتدخل في حركتهم.
* هل يصح للأقباط المهاجرين التدخل في شئون مصر؟
* * أقباط المهجر مواطنون مصريون يهتمون بشئون الوطن الأم ومن حقهم مثلهم مثل الجميع ممارسة العمل السياسي ليس فقط من أجل الأقباط ولكن من أجل المصريين جميعا واعتنائهم بشئون الوطن لا يعد تدخلا ولكن ممارسة لحقوقهم السياسية.
* ما الحدود التي يمكن السماح لهم بالتدخل فيها وما الرؤية لعدم التدخل؟
* * العمل السياسي بطبيعته متعدد الاتجاهات ويمكن للحركات القبطية في الخارج أن تسهم في تدريب المصريين جميعا علي كيفية ممارسة العمل السياسي وتوعيتهم بالممارسات السلمية بحقوق الإنسان ويمكنهم أيضا المساهمة بإقامة مشاريع استثمارية توفر فرص عمل ويمكنهم أيضا وهو ما يحدث المساهمة في الأعمال ذات الطابع الإنساني والخيري والمسألة لا تتعلق بأن تكون العلاقة في اتجاه واحد بين أقباط الخارج والداخل ولكن يمكن أيضا لأقباط الداخل المساهمة في توجيه الحركة القبطية في الخارج بحيث يكون هناك تفاعل ثري بين الجانبين من أجل خدمة مصر بشكل عام ومن أجل خدمة قضايا الحرية وإقرار العدالة الاجتماعية.
* ما رؤيتك للوضع الحالي للأقباط في مصر بعد الثورة؟
* * وضع الأقباط بعد 25 يناير من سئ إلي أسوء, فقد كانت فترة النظام السابق وفترة السادات من أسوأ العهود في التاريخ للأقباط حيث تزايدت الاعتداءات دون رادع وأدي تغلب الفكر الوهابي إلي سلوك متطرف لدي قطاعات عريضة من الشعب فبعد أن كانت الجماعات الإسلامية في الستينيات تتعدي علي الأقباط وممتلكاتهم أصبحت الآن الاعتداءات تمارس بشكل أكبر والوضع الآن يسيطر عليه الفوضي بسبب الانفلات الأمني ومع خروج الجماعات السلفية من جحورها أصبحت وتيرة الاعتداءات متسارعة ولا يدعوني ذلك إلي الترحم علي النظام السابق لأن ما نراه الآن هو الحصاد المر لانقلاب .1952
* ما رأيك في الإعلام المصري الآن وبعد الثورة تحديدا؟
* * الثورة لم تصل بعد إلي الإعلام الرسمي حيث اعتاد الإعلام الرسمي وخاصة التليفزيون علي تلقي التوجيهات والأوامر وعندما وجد أنه تم الاستعانة بأحد القيادات السلفية لتهدئة السلفيين في أطفيح ولتهدئتهم في قنا بعد أن أصر السلفيون علي عدم تعيين محافظ قبطي تصور الإعلام أن ذلك ضوء أخضر من السلطة الحاكمة ففتح الباب علي مصراعيه للسلفيين وأري أنه يفسح المجال لهم بقدر أكبر من حجمهم في المجتمع المصري ومع ذلك هناك بعض الأجهزة الإعلامية تحاول أن تتعامل بقدر من المصداقية مع أحداث الثورة.
* ما رأيك فيما نراه لأول مرة من تطبيق إقامة الحد علي قبطي ومسلم؟
* * هذا الأمر في منتهي الخطورة ويصطدم بطبيعة الإنسان المصري في مواجهة هذا الفكر الديني المستورد وأعتقد أن الكثير من المصريين أقباطا ومسلمين شعروا بالفزع الكبير في مواجهة مثل هذه الأحداث, وأري أن ذلك هو حالة من حالات الانفلات الأمني التي تعيشها مصر الآن.
* ما رأيك في الإضافة المقترحة للمادة الثانية من الدستور, والتي تطالب بأن يطبق علي غير المسلمين شرائعهم فيما يتعلق بالأحوال الشخصية؟
* * أري أن هذه الإضافة هي تقدم نسبي ولكنه غير كاف وذلك أن الجزء الأول من هذه المادة عام يشمل إصدار قوانين تطبق علي الجميع أقباطا ومسلمين وفقا لأحكام الشريعة ما عدا الأحوال الشخصية أي أنه يمكن أن تطبق أحكام الشريعة علي الأقباط في حال صدور قوانين بها في غير الأحوال الشخصية وسأقدم مثلا متطرفا لإيضاح الفكرة: فإذا قام قبطي بالسرقة وجري تطبيق الحدود هل ستقطع يده وهو ما يعني أن إمكانية تطبيق أحكام الشريعة في غير الأحوال الشخصية علي غير المسلمين لا تزال قائمة وهو ما يرفضه غير المسلمين فأنا مثلا أرفض أن تطبق علي أحكام الشريعة الإسلامية ليس فقط في الأحوال الشخصية ولكن في كافة مناحي الحياة.
* ما رأيك فيما آلت إليه الثورة؟
* * لم تتحقق حتي الآن المطالب الرئيسية للثوار ماعدا مطلب أو اثنين منها محاكمة الرئيس السابق وبعض رموزه, ولكن ذلك ليس كافيا وأخشي ما أخشاه أن يتحول الأمر من ثورة إلي محاولة لتجميل صورة النظام القديم, فهناك الآن محاولة من قبل التيارات الدينية لخطف هذه الثورة ومحاولة إظهار أنهم هم الذين قاموا بها وأعجب من قيام أحد الدعاة بتسمية نفسه أمين عام مجلس أمناء الثورة.
د. وليم ويصا في سطور:
* حاصل علي درجة الدكتوراه في الإعلام من جامعة السوربون.
* رئيس تحرير القسم العربي بإذاعة فرنسا الدولية سابقا.
* رئيس تحرير القسم العربي بالتليفزيون الأوربي Euro News سابقا.
* مؤلف كتاب الكشح الحقيقية الغائبة.
* شارك في العديد من المؤتمرات الدولية التي تعني بحقوق الإنسان بشكل عام وأوضاع الأقباط بشكل خاص.