إذا تبرع مسلم لبناء كنيسة لا أقول حلالا ولا حراما لأنه ماله وهو حر
هذه حماقة عنصرية بلهاء وتفكير ملتاء.. ردا علي من يستفزه سماع أجراس الكنائس
الأخوة الإنسانية, الاختلاف في العقائد, المساواة الكاملة.. أبرز الحقائق في حياتنا
تقرير: إسحق إبراهيم
يشهد الشارع المصري هذه الأيام جدلا متزايدا حول فتوي تعتبر الكنائس معصية, ومن ثم لا يجوز تبرع المسيحي أو المسلم لبنائها لأنها في حكم التبرع لنوادي القمار.. واحتدمت حدة الجدل مع اختلاف رأي شيخ الأزهر عن رأي دار الإفتاء في هذا الصدد , فبينما أكدت الأخيرة الفتوي, انتقدها الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر وقدم مجموعة من الآراء التنويرية حول العلاقة بين المسيحيين والمسلمين, وجرم شرعا الاعتداءات علي الكنائس حتي لو كانت بيوتا يصلي فيها. وأكد شيخ الأزهر علي ضرورة محاسبة من وقعوا علي الفتوي لأنه ليس من اللائق أو من الشرع وصف المساهمة في بناء كنيسة بأنها معصية. وأنه يجب أن يترك الأمر في بناء الكنائس لأهل الاختصاص وهم المسيحيون, وأنه من الخطأ الخوض في عقائد الآخرين لأن الديانة والعقيدة وما يؤمن به الشخص هو علاقة بينه وبين ربه.
أضاف الدكتور طنطاوي في لقاء مع نجيب جبرائيل المحامي ووفد من منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان التي يترأسها أن المسلم حر في ماله وأن الشرع لا يمنع المسلم من أن يوصي ببناء كنيسة لأنه قد يجد تعاونا ومنفعة من شقيقه المسيحي, بل قد يجد أن هناك من المسيحيين من يتبرعون لبناء المساجد.
وكان موقع أخبار مصر, التابع لاتحاد الإذاعة والتليفزيون ومعظم الصحف المصرية نشرت هذه الفتوي لكن المتشددين والمتربصين بشيخ الأزهر شنوا هجوما عنيفا علي هذا الرأي, وأمام النقد اللاذع الذي تعرض له شيخ الأزهر صدر بيان مقتضب منسوب لمشيخة الأزهر حول لقاء طنطاوي ووفد المنظمة, جاء فيه أن حديث شيخ الأزهر تطرق لتبرع المسيحي فقط دون غيره من أجل بناء الكنائس, دون أن يشير إلي مسألة تبرع المسلم للكنائس. وذكر البيان أن ما قاله شيخ الأزهر في هذا الصدد هو:
يحرم علي الشخص أن يوصي بمعصية, كبناء ملهي أو مكان لصناعة الخمور, أما ما يتعلق ببناء الكنائس من الشخص المسيحي فهذا أمره, ونقول بأن المساجد بنيت بقصد العبادة وكذلك الكنائس. وهذا الأمر ردت عليه منظمة الاتحاد المصري بعرض تسجيل فيديو للقاء علي موقع الأقباط متحدون الإلكتروني.
وصية بناء كنيسة.. معصية!!
بدأت هذه القصة عندما التقط نجيب جبرائيل ما جاء في كتاب مقرر علي طلبة السنة الثالثة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة في علوم الميراث, من تأليف الدكتور محمد نجيب عوضين المغربي جاء فيه: إن بناء مستشفي للفقراء فهو للمسلم وغير المسلم لأنه خير ومن أعمال التقرب لله وهذا باتفاق من جميع الفقهاء, وفي الفصل نفسه يتحدث الدكتور عن أن الوصية لبناء كنيسة تكون باطلة باتفاق الفقهاء لأنها ليست جهة خير, مضيفا بأن الوصية حتي لو من مسيحي لبناء كنيسة تعتبر باطلة لأنها معصية ومن ثم لا تصح وصية غير المسلم لبناء كنيسة أو معبد يهودي.
وأضاف المؤلف: يحرم علي الشخص أن يوصي بما يفضي إلي معصية, وذلك كوصيته ببناء كنيسة أو ملهي أو ناد للقمار, أو لترويج صناعة الخمور وتربية الخنازير أو الكلاب.
الإفتاء تؤيد
تساءل جبرائيل في رسالة لفضيلة مفتي الديار المصرية عن رأي الشرع فيما ورد ذكره, وإذا كان الجواب بالحظر أفليست هذه بيوتا يذكر فيها اسم الله؟ وأليست الديانة المسيحية من الديانات المعترف بها في الدستور المصري؟ كما أن هناك كثيرا من أصحاب الأموال ورجال الأعمال الأقباط يتبرعون لبناء المساجد.
ردت دار الإفتاء برأي غير متوقع, فقالت في فتواها التي تحمل رقم 9081 لسنة 2008 قرر علماء المسلمين وفقهاؤهم عند كلامهم عن أحكام الوصايا والتركات أن شرط صحة الوصية ألا تكون لجهة معصية, وهذا الذي ذكروه وقرروه هو ما يدل عليه قوله تعالي في كتابه العزيز وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان (المائدة2), وعليه فما ورد في الكتاب المذكور من أنه يحرم علي الشخص أن يوصي بما يفضي إلي معصية هو كلام صحيح لا غبار عليه, كما جاء في نص الفتوي (وصية المسلم لبناء كنيسة هي نوع من المعصية كمثل من أوصي لبناء ناد للقمار أو مكان لتربية الخنازير والقطط والكلاب).
ثم عادت دار الإفتاء المصرية, وعلي لسان الدكتور إبراهيم نجم مستشار فضيلة المفتي للرد علي التساؤل السابق الإشارة إليه قائلة: فرقت الفتوي بين الوصية لبناء الملاهي وأماكن المعصية وبين الوصية لبناء الكنائس, حيث جاء في نص الفتوي فيما يتعلق بالوصية للكنائس هو كالتالي: أما بخصوص الوصية ببناء الكنائس, فمن المقرر أن كل دين له عقائده التي استقرت في وجدان المؤمنين به, وذلك للخلاص أمام الله سبحانه وتعالي, فتري الديانة النصرانية علي اختلاف في التفاصيل بين مذاهبها المنتشرة المتعددة أن الخلاص إنما هو في الإيمان بيسوع الرب, وهو ما يختلف معهم فيه المسلمون اختلافا جوهريا, حيث يرون أن سيدنا عيسي عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام عبدالله ورسوله ونبيه وأن الله واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد, فمن رأي منهم أن طائفة ما قد انحرفت عن هذا التوحيد الخالص فإنه لا يجوز له حينئذ وفقا لأحكام دينه أن يهب شيئا لبناء أماكن يعبد فيها غير الله وحده.
لقاء شيخ الأزهر
ذهب جبرائيل وبصحبته وفد من منظمته الي شيخ الأزهر, وبدأ اللقاء بحفاوة شديدة كما ورد في التسجيل وتبادل عبارات الترحيب والإشادة بمنهج شيخ الأزهر الذي يمثل الوسطية والاعتدال.
وقال الدكتور طنطاوي:
نحن نؤمن بالأخوة الإنسانية فالناس سواء كانوا في أقصي الشمال أو الغرب أو الجنوب أو الشرق وسواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهودا أو بوذيين علي أي مذهب هم إخوة في الإنسانية تربطهم رابطة واحدة هي الأخوة وهذه هي الحقيقة الأولي في حياتنا, والحقيقة الثانية أن الاختلاف في العقائد لا يمنع من الشعائر لماذا؟ الجواب لأن كل إنسان له عقيدة والذي يحاسب علي العقائد ليس أنا ولا أنت ولا قداسة البابا شنودة إنما هو الله فكل انسان له عقيدته.
وفي أثناء اللقاء دار حوار بين المستشار نجيب جبرائيل ومرافقيه والدكتور محمد سيد طنطاوي:
جبرائيل: هل يقبل الإمام الأكبر أن يدخل أماكن تعصي دينه وتخالف القرآن؟
شيخ الأزهر: ومن الذي قال ذلك؟
جبرائيل: الفتوي يا فضيلة الشيخ فهل يصح أن تصدر فتوي تشبه الكنائس بأماكن تربية الكلاب والقطط والخنازير وأن بناءها معصية, فماذا يقول من يرانا نتقابل يقصد المسلمين والمسيحيين في شهر رمضان علي موائد الإفطار ونقبل بعضنا بعضا وفي ذات الوقت يري تلك الفتوي؟ ماذا سيقول من يري فتوي تقول إن النصرانية شرك بالله؟
شيخ الأزهر: قلت في كثير من محاضراتي وكذلك منذ قليل إن هناك عدة حقائق أولها الأخوة في الإنسانية, وثانيها اختلاف العقائد لا يمنع من التعارف, وثالثها أننا في مصر مسلمين ومسيحيين رابطنا الأخوة الإنسانية, وكل خير يأتي لمصر يأتي للمسلم والمسيحي, وكل مصيبة تأتي إلي مصر لا قدر الله تأتي للمسلم والمسيحي, والحقيقة الرابعة أن المصريين متساوون في الحقوق والواجبات وأن الذي يحسن يكافأ ومن أخطأ يحاسب علي خطئه, فكلاهما يدفع الضرائب, والمسلم يدخل الجيش في سن معينة, وكذلك المسيحي يدخل الجيش في سن معينة.
جبرائيل: أريد أن أعرف رأي الأزهر فيما ورد بالكتاب بألا يوصي الإنسان بما يوجد معصية كأن يوصي ببناء كنائس مثل الملهي أو أماكن الخمور.. فما رأي الشرع؟
شيخ الأزهر: هذا الجواب الطويل كان يغني عنه أربع أو خمس جمل ولا داعي لهذا الكلام الذي يدخل في عقائد المسيحيين, فهم أدري بها, وهم أحرار في عقيدتهم, كان يكفي أن يقول: يحرم علي الشخص أن يوصي بما يؤدي بمعصية كبناء ملهي أو ناد للقمار أو أماكن لتربية القطط والكلاب والخنازير, أما فيما يتعلق ببناء كنيسة فإذا أوصي مسيحي ببناء كنيسة فهذا لا غبار عليه والسلام عليكم ورحمة الله.
ويواصل الدكتور طنطاوي: أنا أدخل في الكلام ده ليه مش شغلتي وغلط غلط أنا أقول لكم أهو غلط غلط غلط غلط من وقع تحت أمانة الفتوي, هؤلاء الخمسة يقصد الخمسة شيوخ الموقعين عليها.
هؤلاء لا أحترمهم ومن الواجب أن تكون الفتوي موقعا عليها من المفتي, لقد أمضيت عشر سنوات في الإفتاء ومستحيل مستحيل أن يوقع علي الفتوي غير المفتي وأنا قلت لهم هذا الكلام, وعندما تأتيني كمفتي وتقول لي إن الوصاية بمعصية معصية فإنه محل اتفاقنا جميعا أما ما يتعلق ببناء كنيسة وتبرع مسيحي لكنيسة فهذا أمر لا غبار عليه, لأنه أدري بأمور دينه ولا أتدخل في هذه الأمور كمفت أو قاض.
أريد في كل شارع مسجدا وكنيسة
جبرائيل: لماذا لم يصدر قانون بناء دور العبادة حتي الآن؟
شيخ الأزهر: أقول لسيادتك أنا والله لو طلب مني وقالوا ما رأيك؟ أقول أنا أريد أن يكون في كل شارع مسجد وكنيسة هذا أمر لا شيء فيه, بعد ذلك لا أضع أي قيود علي بناء المساجد أو الكنائس, لكن أقول إن المسجد وظيفته العبادة والكنيسة وظيفتها العبادة وماذا سيحدث إن قام سكان شارع يسكنه 40 أو50 أسرة مسلمة ببناء مسجد صغير ليصلوا فيه وكذلك إن قام 30 أو 40 أسرة مسيحية بالاجتماع في جانب من منزل تملكه عائلة في هذا الشارع للصلاة والعبادة كل يوم أحد أو للمعاني الإنسانية؟ فيها إيه؟
جبرائيل : حتي لو يصلوا في بيت؟
شيخ الأزهر: هم يجتمعون للصلاة ولا يعقدون مؤامرة ولو ثبت أنهم ينظمون مؤامرة أبقوا حاكموهم, كأن يقال لهم أنتم شتمتم أو مثبت عليكم سب لشخص, هل تستطيع أن تدافع عنهم؟
جبرائيل: بالطبع لا فأنا ضدهم.
شيخ الأزهر: وكذلك أنا لا أدافع عن مسجد ينظمون فيه مؤامرات ويسبون فيه الدولة, ميبقاش مسجد ده لأن المساجد والكنائس وأماكن العبادة بنيت للإصلاح وتطهير النفوس وجمع الناس علي الكلمة الطيبة والمحبة والخير والتعاون.
أحد الحضور: وما رأي الشرع إذا أوصي مسلم ببناء كنيسة؟
شيخ الأزهر: إذا أوصي هو حبا, أنا لا أتدخل, هو حر.
جبرائيل: أمواله وهو حر فيها.
شيخ الأزهر: ماله أنا مليش دعوة أنا لا أتدخل.
أحد الحضور: نريد رأي الشرع
شيخ الأزهر: رأي الشرع هو ما نعبر عنه ولا أقول حلالا ولا حراما, لأنه ماله وهو حر فيه يتصرف فيه كما يحب, وهو يري أن هناك مصلحة معينة تجمع قلوبا مثلا, وافرض أن شخصا مسيحيا ساعد لبناء مسجد ثم قام مسلم وتبرع لبناء كنيسة فالكنيسة تبني لخدمة أناس هم أتباع دين معين يمارسون عبادتهم. وأنا لا أستطيع أن أتدخل فيها, وقلت لكم إن ما يتعلق بالعبادات والعقائد الذي أعلم بها هو الله والذي يحاسب عليها هو الله, وهذا لا يمنع المسلم من أن يبين ما في دينه من محاسن ولا يمنع المسيحي من أن يبين ما في دينه من محاسن, ولكن بأسلوب حكيم ليس فيه إساءة لأحد هذا ما نقوله علانية وسرا وفي مجالسنا الخاصة والعامة.
الموقعون علي الفتوي مخطئون.
أحد الحضور: موقف الأزهر من الشيوخ الذين وقعوا علي الفتوي.
شيخ الأزهر: لا يصح أن يمضي علي الفتوي إلا المفتي وسنطلب الدكتور علي جمعة (مفتي الديار المصرية) ونقول له هذا الكلام وسنبين له بكل صدق وأمانة أن الموقعين مخطئون, لأنه كان في الإمكان أن يكون الرد كما قلت في أربعة سطور.. شخص يسأل عن كذا أنه في هذه الحالة الجواب يكون نعم يحرم علي الشخص أن يوصي بما يؤدي إلي معصية كأن يوصي ببناء ملهي أو بناء مكان لبيع الخمور أو تربية الكلاب أو القطط أو الخنازير أما فيما يتعلق ببناء الكنائس فمرجعه إخواننا المسيحيون.
أحد الحضور: وموقف الأزهر من الكتاب؟
شيخ الأزهر: نحن لسنا جهة مصادرة لكننا نجيب علي السائل لو أن هيئة قضائية أو النيابة أو وزارة الداخلية أو غيرها أرسلت لي الكتاب وسألتنا هل ما ورد في هذا الكتاب حرام حينها أقول له الجواب فأنا ملزم أن أجيب علي كل سؤال. كأن يسألني شخص عن شيء فكل الرذائل مرفوضة في كل الأديان والعقول الإنسانية تحرمها وقبل الرسل كان الناس متفقين علي أن العدل فضيلة وأن إعطاء كل إنسان حقه فضيلة.
حماقة وعنصرية
أحد الحضور: وماذا تقول لمن يشعر بالاستفزاز لو سمع أجراس الكنائس؟.. وماذا تقول لمن يتعدون علي المصلين في البيوت أو علي الكنائس؟
شيخ الأزهر: هذه حماقة وهذه عنصرية بلهاء وتفكير ملتاء
أحد الحضور: ما رأي الشرع في التعدي علي الكنائس؟
شيخ الأزهر: التعدي بكل صوره أشكاله وألوانه تحرمه جميع الأديان السماوية وعلي رأسها الإسلام وتحرمه أيضا جميع العقول الإنسانية, التعدي هو ظلم يقع علي آخر لا يقبله تجاوز الحدود المشروعة دينيا وقانونيا وعقليا.. هذا تعد حرام.