سؤال: عندما يختار كاهن أو أسقف شخصا ما للكهنوت, أحيانا يقال إنها دعوة إلهية واختيار إلهي, هل هذه التعبيرات صحيحة؟
الجواب:
من جهة المبدأ, يجب أن يكون هناك دعوة إلهية, لأنه يقول: لا يأخذ أحد هذه الكرامة لنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضا. لكن طرائق الدعوة: أولا: يفحص الإنسان نفسه, قد يأتي له صوت من آخرين, فقد يكون هذا الأسقف رآه وأراد أن يختاره للكهنوت, وقد يكون أصوات آخرين من البشر أو أصدقاء, أو مخدومين منه فيرشحونه. هذه الدعوة لا أقدر أن أعتمد عليها وأعتبرها دعوة إلهية. الدعوة من الأسقف أو دعوة من الشعب هي علامة طيبة, لكن هي ليست حاسمة علي اعتبار أنها دعوة من الله, إنما هي تعني أنه لم يقحم نفسه, الدعوة الإلهية لابد أن تكون واضحة فعلا وتشير إلي أنها إلهية, مثل صوت واضح من السماء كما يحدث لبعض الأشخاص في التاريخ, كما حدث مع البابا ديمتريوس الثاني عشر من البطاركة, فالبابا يوليانوس الذي كان قبله قد رأي رؤية وصوتا يقول له: غدا سيحضر لك واحد معه عنقود من العنب, فهذا هو الشخص المناسب الذي يكون بعدك, فحضر فعلا في اليوم الثاني ومعه عنقود العنب في غير وقت العنب وهذه معجزة, كيف يحضر عنقود عنب في غير وقت العنب, ومن تقواه لم يقبل أن يأكله فقال أقدمه لله وهو لا يعلم بالرؤيا التي رآها البابا يوليانوس, وكانت هذه علامة ودعوة إلهية. لكن ليس في كل الأحوال تكون علامات من هذا القبيل, في تاريخ الكنيسة بعض الآباء الروحانيين الكبار جاءت له الدعوة لكي يرسموه أسقفا فهرب, فرسموه غيابيا, وبعدها سمع صوت الملاك يقول له: ارجع لأنك أنت رسمت, وهذه حالات خاصة وفيها يكون الصوت واضحا وفعلا من السماء لاختيار هذا الشخص, إنما إذا كانت هذه الأصوات من البشر مثل صوت الرئيس الديني يدعوه, أو صوت من الشعب فهذه علامة طيبة لأن رضي الناس علي هذا الإنسان علامة حسنة, الأمر الثاني أنه لم يقحم نفسه وهذه مهمة جدا, فهو لم يختار أحد القديسين قال: إن من تجاسر وصار كاهنا من غير أن يدعوه الله يهلك. لذلك يجب علي الإنسان أن يتأكد من هذه الدعوة, أولا ألا يكون هو الذي دعي نفسه, وعندنا قصة اختيار موسي النبي عندما ظهر له الله وقال له أن يذهب ويخرج بني إسرائيل من أرض مصر, موسي أراد أن يهرب وقال لا.. أنا ألدغ ولا أقدر أن أنطق, حاول موسي أن يتملص ولكن الله ألزمه, لذلك موسي النبي كانت له دالة أمام الله لأنه لم يقحم نفسه, عندما كان يتعب مع بني إسرائيل كان يناجي الله, وكان الله يحل له المشاكل لأنه لم يقحم نفسه, ثانيا يجب علي الشخص أن يتريث ويصلي ويري علامات أخري تقنع ضميره فهنا نري عدة خطوات: أولا: أنه لا يفرض نفسه ولا يقحم نفسه, ثانيا: رأي الناس أن يكونوا مستريحين له, ثالثا: الله يرسل له علامات معينة تقنع ضميره, وبعد ذلك يتقدم, هذه النقاط الثلاث مهمة جدا. ولذلك كثير من الأشخاص علي الرغم من الدعوة يتعذرون. والسؤال هل هذا الاعتذار خطيئة؟, أقول لا.. يحدث عند بعض الأشخاص أن يدعوه المطران أو الشعب, ولكن هو لا يستجيب, هذا لا يعتبر رفضا, هذا اعتذار والاعتذار ليس خطيئة, بالعكس الاعتذار دليل علي خوف الإنسان ورهبته من هذه المسئولية. فإذا أرجأ الموضوع قد تأتي فعلا علامات معينة, وبضميره يقدر أن يعرف أنه لا يفتعلها وإنما فعلا يحس بها, يحس أن يد الله تقدم له الدعوة بعلامات معينة, وبذلك يمكن أن يتقدم.
وفي بعض الأحيان بعد الرسامة, الله يعطيه علامات أخري تقنعه أنها كانت فعلا دعوة من الله, كأن يري رؤيا أو يري علامات معينة تقنعه أن الله له يد في هذا, فلابد للإنسان أن يتريث لكي يقدر أن يميز بين صوته, وصوت الناس, وصوت الله. القديس يوحنا ذهبي الفم والقديس باسيليوس الكبير لهما تجارب في هذا الموضوع وكانا يهربان فهذا الهرب لا يعد أبدا رفضا لصوت الله. أحد الرهبان أراد أن يرسموه بطريركا أو أسقفا فقال أنا ابن المرأة الثانية لكي يهرب, واحد آخر قطع لسانه لكي يكون عاجزا, هؤلاء كانوا من الروحانيين وكانوا يهربون من هذه المسئولية, ويوجد آخرون يتولاهم نوع من الحزن الشديد, أنا رأيت صورة للبابا كيرلس السادس وهو أبونا مينا المتوحد, وقت ظهور النتيجة أنه سيكون البطريرك, الصورة رأسه منحنية وهو يبكي وأنا قدرت هذا البكاء أو هذه الحالة, لأنه يحس أن دخل في موضوع كبير ومسئولية لا يعرف هل سيقدر عليها أم لا.. توجد كلمة رهيبة جدا في وقت رسامة البطريرك, ففي يوم رسامة الأسقف البطريرك يسلمه العصا لكي يرعي بها لكن يوم رسامة البطريرك أو تنصيبه يضعون له العصا علي المذبح, وكبير المطارنة يقول له: ادخل إلي المذبح وتسلم عصا الرعاية من يد السيد المسيح لترعي النفوس التي اقتناها بدمه, والتي سيطلب دمها منك. لترعي النفوس التي اقتناها بدمه وسيطلب دمها منك. كلمة رهيبة ومرعبة جدا, في سفر الرؤيا يقول للأسف: أنت كذا وكذا ولكن لي عليك قليل أنك تركت محبتك الأولي فتب, علي الرغم من أنه يمدحه, يقول له: صبرت واحتملت إلي آخره ولكن لي عليك قليل, ومرة أخري يقول له: عندك قوم متمسكين.. أي أنك مسئول عن الشعب الذي ترعاه, لأن الأسقف باعتباره مسئولا, فكونه لا ينذر هؤلاء الناس أو يسعي لتصحيح أفكارهم تعد هذه محسوبة علي الأسقف نفسه, يقول له: فتب وإلا فإني آتيك وأزحزح منارتك من مكانها, علي الرغم من أنه مدحه في أمور كثيرة شخصية, لكن وجود أحد في إيبارشيته يرتكب خطيئة فهو مسئول عنها. وما حدث بالنسبة للكنائس التي في آسيا الصغري أن مناراتها تزحزحت وتحولت إلي تركيا وطبعا اختفت منها المسيحية وضعفت جدا. ومن هنا فاعتذار الإنسان عن المسئولية الكهنوتية, لا يعد خطأ, إنما الإحساس بثقل المسئولية مهم, والإنسان قد يضطر للقبول كما حدث ليوحنا ذهبي الفم والقديس باسيليوس, هناك أمور ألزمتهما فاضطرا أن يقبلا, لذلك كان لديهما دالة أمام الله.
=================
قطع العلاقات أحيانا مفيدة
سؤال من ن.ج.ح.
ردا علي خطابكم بخصوص قطع العلاقة بينكم وبين الفتاة قريبتكم التي علي قولكم أساءت إليكم بسفاهات واتهامات.
نفيد بأنه من جهة المبدأ يمكن للمسيحي أحيانا أن يقطع علاقته بشخص ما إذا رأي أن علاقته بهذا الشخص ستكون سبب عثرة وهلاكا له. ولهذا قال رب المجد: فإن جعلتك يدك تخطئ فاقطعها لأنه خير لك أن تدخل الحياة مقطوع اليد, من أن تكون لك يدان وتمضي إلي جهنم إلي النار التي لا تنطفئ أبدا. حيث دودهم لا يموت والنار لا تنطفئ, وإن جعلتك قدمك تخطئ فاقطعها, لأنه خير لك أن تدخل الحياة أعرج من أن تكون لك قدمان وتطرح في جهنم, في النار التي لا تنطفئ أبدا, حيث دودهم لا يموت والنار لا تنطفئ. وإن جعلتك عينك تخطئ فاقعلها لأنه خير لك أن تدخل ملكوت الله بعين واحدة من أن تكون لك عينان وتطرح في نار جهنم, حيث دودهم لا يموت والنار لا تنطفئ (مرقس 9: 43 – 48), (متي 18: 8, 9).
وليس المعني من قطع اليد والرجل أو القدم وقلع العين -إحداث عاهة بالجسم فإن مركز الخطيئة هو القلب, وليس اليد أو الرجل أو العين لأن من القلب تخرج الأفكار الشريرة يخرج القتل والزنا والفجور والسرقة وشهادة الزور والتجديف علي الله فهذه هي التي تنجس الإنسان (متي 15: 19, 20), (مرقس7: 21- 23), إنما المعني المقصود إذا كان للإنسان قريب أو صديق هو له بمثابة العين في الإرشاد أو بمثابة اليد في المساعدة والعون أو بمثابة الرجل في الاعتماد عليه لكنه يعثره ويتسبب في هلاكه الأبدي, فينبغي من أجل خلاص نفسه ومن أجل حياته الأبدية أن يقطع صلته بهذا القريب أو الصديق, لأنه سيكون له بمثابة الشيطان الذي يقوده لهلاكه. ولقد قال السيد المسيح لبطرس الرسول تلميذه حينما أراد بطرس أن يقنع معلمه بالعدول عن مهمة خلاصه للعالم: اغرب عني يا شيطان. إنك معثرة لي, لأنك لا تفكر فيما لله بل فيما للناس (متي 16: 23).
وهكذا صنع أبو الآباء إبراهيم الخليل عندما حدث نزاع بين رعاة مواشيه ورعاة مواشي لوط ابن أخيه قال للوط: لا تكن خصومة بيني وبينك ولا بين رعاتي ورعاتك, إنما نحن أخوان. أليست الأرض كلها بين يديك. اعتزل عني: إن ذهبت شمالا فأنا يمينا, وإن يمينا فأنا شمالا.. وارتحل لوط شرقا, فاعتزل الواحد عن الآخر (التكوين 13: 8- 11).
وقد أفادت هذه السياسة, سياسة الاعتزال, فحفظت للواحد منهما محبته للآخر حتي إنه لما تعرض لوط للسبي, قام إبراهيم وجر غلمانه واسترجع لوطا وأملاكه (التكوين 14: 12- 16).
إن سياسة الاعتزال وقطع العلاقات مع كل شخص يجعل الإنسان يخطئ أو يعثره, أو يتسبب في هلاكه الأبدي ويهدد بهذه العلاقة حياته الأبدية, سياسة سليمة تنصحنا بها الكتب المقدسة. بل إن المسيحي الحقيقي ينبغي أن يكون حريصا علي خلاصه الأبدي, ويهرب من كل شخص يضر خلاصه, ويهدد سلامه, ويكون عثرة له..
إن هذا القرار قرار شجاع وكل مسيحي ينبغي أن يكون له من الشجاعة بحيث يصدر علي نفسه قرارا أن يبتعد عن كل من وما يضر خلاصه الأبدي.
علي أنه ينبغ أيضا أن يكون هذا القرار ليس قرارا للنزاع والخصومة واستمرار العداوة والتحفز للانتقام والغدر, بل هو قرار لمنع النزاع واستمرار الخصومة. فقطع العلاقات يعطي فرصة لتهدئة المشاعر الثائرة والانفعالات الصاخبة, ويعطي فرصة لمراجعة الإنسان نفسه في هدوء.. وكثيرا ما تكون هذه الفرصة سببا في إزالة الخصومات, وإعادة العلاقات علي أساس نظيف طاهر, وتجديد الروابط علي منهج سليم فيه نفع لجميع الأطراف.
فنحن ننصح في مثل هذه الأحوال بقطع العلاقات من أجل نزع الخصومات, ولكي يتوافر للطرفين هدوء يسمح بتسكين الانفعالات وتهدئة المشاعر الثائرة.
ومع هذا فالمسيحي الحقيقي لا يغدر بأحد, ولا يكره أحدا ولا يتمني لأحد شرا, ولا يسعي للإضرار بأحد, إنه يقطع العلاقة لأنها أمست ضارة, ولكنه يعمل الخير ما أمكنه لذاك الذي قطع علاقته به, كلما رأي أنه في حاجة إلي خدمة ما يمكنه أن يسديها له, قال الكتاب المقدس: لا تجازوا أحدا عن شر بشر.. إن كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم.. اتركوا مكانا للغضب لأنه مكتوب: لي الانتقام أنا أجازي, يقول الرب. فإن جاع عدوك فاطعمه وإن عطش فاسقه, فإنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار علي رأسه, لا يغلبنك الشر, بل اغلب الشر بالخير (رومية 12: 17- 21).
افعل هذا فتحيا.
ونعمة الرب تشملك..