في إطار الحوار الوطني حول أولويات المرحلة الانتقالية التي تمر بها البلاد, لا تزال إشكالية إعداد دستور جديد للبلاد أولا أو إرجاء وضع الدستور لما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة هي الأبرز في المرحلة الراهنة, حيث يطالب العديد من الأحزاب والقوي السياسية ومنظمات حقوقية بضرورة وضع دستور جديد أولا, وهناك قوي أخري لا تزال مصرة علي تأجيل وضع الدستور الجديد لحين الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب المقبلة ثم تشكيل جمعية تأسيسية من البرلمان المقبل تقوم بوضع الدستور, وفي محاولة لإنهاء هذا الجدل اقترح عدد من الأحزاب والقوي السياسية الاحتكام إلي مجلس الدولة لحسم هذا الجدل.
وقدم ممثلون عن 55 حزبا وحركة سياسية رسالة إلي الدكتور عصام شرف يطالبون فيها بإحالة الخلاف القانوني حول ما إذا كانت شرعية الإعلان الدستوري الصادر في 31 مارس الماضي هو الاستفتاء الشعبي أم المجلس الأعلي للقوات المسلحة, ومن ثم جواز أن يصدر المجلس إعلانا تكميليا بتعديل المادة 60, بما يسمح بتشكيل لجنة لوضع دستور جديد تجري علي أساسه الانتخابات, وذلك إلي قسم الفتوي والتشريع بمجلس الدولة, استنادا إلي نص المادة 66 من قانون مجلس الدولة فقرة أ, التي تنص علي اختصاص القسم بإبداء الرأي في المسائل الدولية والدستورية والتشريعية التي تحال إليه بسبب أهميتها من رئيس الجمهورية أو رئيس الهيئة التشريعية أو رئيس مجلس الوزراء أو أحد الوزراء.
وفي هذا الإطار دعت 24 منظمة حقوقية المجلس الأعلي للقوات المسلحة للتجاوب مع مطالب قوي الثورة بإعادة النظر في ترتيب أولويات المرحلة الانتقالية, بما يضمن إعطاء الأولوية لإعداد دستور جديد للبلاد, تنتظم في ظل قواعده مؤسسات نظام حكم ديموقراطي بديل, وتجري بعده الانتخابات الرئاسية والنيابية وفقا لهذه القواعد, وأكدت هذه المنظمات أن الاستجابة لمطلب الدستور أولا يشكل خطوة منطقية يقتضيها الانحياز المعلن من جانب القوات المسلحة لمشروعية الثورة, وسقوط نظام حكم وتقويض دعائمه الدستورية,ويتعين أن يحل محله نظام جديد, ودستور جديد, يجري إعداده أولا وليس العكس.
أوضحت هذه المنظمات أن الانحياز لمطلب وضع الدستور أولا من شأنه أن يعيد المسار السياسي لعملية الانتقال الديموقراطي إلي طريقه المنطقي والطبيعي, الذي يفترض أن الدساتير هي التي تشيد قواعد بناء المؤسسات الدستورية ونظم انتخابها وطريقة إدارة العلاقات فيما بينها, وليس العكس, وتذكر المنظمات أن الثورة التونسية تبنت عمليا ذلك المسار.
وفي هذا الإطار قدم الدكتور محمد البرادعي مسودة أولية لوثيقة حقوق الإنسان و طرحها للنقاش علي مستوي القوي السياسية ومرشحي الرئاسة ومنظمات حقوق الإنسان,وتتضمن الوثيقة 17 مادة حول المبادئ والحقوق الأساسية للمواطن المصري, وتنص مواد الوثيقة علي أن يكون نظام الدولة جمهوريا وديموقراطيا, والإسلام دين الدولة, واللغة العربية لغتها الرسمية, ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع, ويقوم النظام السياسي علي تعدد الأحزاب السياسية, وحق المواطنين في إنشاء الأحزاب ومباشرة العمل السياسي, وأن جميع المصريين أحرار متساوون في الحقوق والواجبات والحريات أمام القانون والدستور دون تمييز,والتأكيد علي أن هذه الوثيقة جزء لا يتجزأ من الدستور, والحقوق الواردة فيها غير قابلة للإلغاء أو التنازل أو التعديل أو التقييد, ويحق لكل مصري التمتع بها دون أي تمييز أو تفرقة, ويشكل انتهاك أي من هذه الحقوق أو التحريض علي انتهاك أي من هذه الحقوق جريمة ضد الدستور, سواء تم هذا الانتهاك بخرق القانون أوالدستور أو بتغيير أو محاولة تغيير أي منهما, ويحق لكل مصري دون تمييز اللجوء إلي القضاء لوقف مثل هذا الانتهاك أو التحريض علي مثل هذا الانتهاك ومعاقبة مرتكبيه##.