نهر النيل…أكثر الموارد الطبيعية في مصر استحقاقا للحماية,وكثيرا ما دعا الخبير البيئي العالمي د.رشدي سعيد لتحويله لمحمية طبيعية خاصة أن مصر تعتمد عليه كمصدر رئيسي لمياه الشرب,لكننا قلما نجد الحماية المناسبة,أو الدراسة اللازمة لكل المعاملات التي تجري علي ضفتيه أو مع مياهه.أول ما يقفز إلي الأذهان بخصوص نهر النيل في الآونة الأخيرة ما نفذته وزارة النقل إذ أعدت أول خريطة ملاحية لنهر النيل من القاهرة وحتي أسوان,بلغ طولها 15كيلو مترا وتكلفتها 8.6مليون يورو,وتتكون من 218خريطة توضح مجري النيل ومساره الملاحي..مما أثار جدلا واسعا في الأوساط المهمومة بقضايا البيئة.فالبعض يري أنها خطوة إيجابية لتأمين الملاحة النهرية والبعض الآخر يري أنها ستجلب المزيد من التلوث في ظل تدني تفعيل القوانين.
في هذا التحقيق سنتعرف علي الآراء المختلفة ومبرراتها للوصول للحقيقة.
للتعرف علي فوائد رسم الخرائط الملاحية لنهر النيل قال اللواء كريم أبو الخير رئيس قطاع النقل النهري إن أهم الفوائد يتمثل في توفير ملاحة آمنة ليلا ونهارا من خلال التعريف بالأعماق المختلفة للمجري الملاحي والتي تختلف باختلاف المناطق,أيضا ستعمل الخريطة علي إمكانية التتبع عن طريق غرفة تحكم مركزية وتوجيهها خلال عملية الملاحة,بالإضافة إلي الإسراع في تقديم النجدة في حالات الخطر والكوارث.
أما د.ضياء القوصي مستشار وزير الري فأوضح أن المرور الآمن للعبارات في مجري النيل (التي يتزايد عددها في الموسم السياحي) يلزمه مياه كافية حتي يتساوي منسوب المياه بكافة المناطق فتفاوت عمق المياه من مكان لآخر بالنهر يؤدي إلي عرقلة سير العبارات إذ ستسير بيسر إذا كان العمق كبيرا وتتباطأ كلما قل وربما يحدث لها جنوح يتطلب ضخ مياه من السد العالي تلك المياه نحن في أشد الاحتياج لها ونستطيع توفيرها إذا ما تعرفنا علي الأماكن ذات الأعماق الضحلة فلا تسير العبارات فيها وتتجنبها تماما.
أما عن زيادة تلويث مجري النيل قال القوصي:توجد اشتراطات بيئية تتبعها العبارات,كما توجد قوانين تنظم سيرها ولكن المشكلة أصحاب العبارات الذين يخالفون القوانين ولا يلتزمون بالاشتراطات الواجبة.
الأثر البيئي
للتعرف علي دور وزارة البيئة في الحد من تلوث نهر النيل التقينا أحد المسئولين الذي رفض ذكر اسمه وقال:إن عملية النقل النهري موقوفة بالنسبة للعائمات السياحية لأنه حتي يتم النقل بأمان لابد من وجود علامات إرشادية لمجري النهر,ومراسي كافية لاستقبال ملاحة العائمات.وهذا لا يتوفر الآن لذا تم إيقاف رحلات العائمات السياحية ولن يسمح باستئنافها إلا بعد أن تنتهي وزارة النقل من إعادة تأهيل المجري من خلال الخرائط الملاحية.كما أن هناك شروطا خصصتها وزارة البيئة تلتزم بها كافة العبارات وهي أحمال المواد الملتهبة أو المواد الخطيرة أو الكيميائية أو المبيدات خشية سقوطها في النيل.كذلك يؤخذ في الاعتبار قدرة المحركات ونوع الوقود المستخدم وغيرهما.ولا يصرح لأي شركة نقل مباشرة نشاطها النهري إلا بموجب تصريح وبمراعاة الشروط التي تضعها الوزارة.
أيضا هناك حملات مستمرة يقوم بها جهاز شئون البيئة للتأكد من وجود وحدة لمعالجة مخلفات الصرف بالنسبة للعائمات ومدي استخدامها بالشكل الأمثل وتتولي شرطة المسطحات المائية ضبط أداء العائمات.وفي حالة اكتشاف أي خلل توقف عمل العبارة لحين توفيق أوضاعها بيئيا.
ويشمل القانون عقوبات للعائمات المخالفة تبدأ من غرامة 200جنيه وتصل إلي 120ألف جنيه,وتم إضافة بند الحبس إلي جانب الغرامة مؤخرا.
لذلك لا داع للتخوف من ازدياد الملاحة بعد عمل الخرائط الملاحية النهرية فأي مشروع يتعلق بالموارد الطبيعية لابد أن يتقدم بدراسة لوزارة البيئة لتقييم الأثر البيئي.لذلك سوف يتم تقييم الأثر البيئي للخرائط ولن يتم تنفيذها إلا إذا كان أثرها إيجابيا.
بحثا عن المزيد من الاطمئنان علي سلامة بيئة نهر النيل توجهنا للدكتورة فاطمة أبو شوك مديرة إدارة تقييم الأثر البيئي وبسؤالها عن نتائج تقييم الأثر البيئي لمشروع خرائط نهر النيل الملاحية ففاجئتنا بقولها ”لم تتقدم أي جهة مطلقا لتقييم الأثر البيئي لهذا المشروع!!”
للخبراء رأي
بعد التأكد من عدم تقدم أي جهة لتقييم الأثر البيئي للمشروع كان لابد لنا من التوجه للدكتور رشدي سعيد الخبير البيئي الذي أكد علي أن عمل خرائط النيل الملاحية خطوة إيجابية تقدم عليها أي دولة متقدمة لتوفير المياه لأن تحديد مسار العبارات يقلل الفاقد منها,حيث يتم تزويد النهر بالمياه المطلوبة في أماكن محددة وبالقدر الذي يسمح بسير المراكب بدلا من تزويد النهر كله بالمياه.وشدد علي ضرورة تغيير الخريطة الملاحية من عام لآخر لأن النيل يغير مجراه نتيجة لتغير الأماكن التي يترسب بها الطمي من وقت لآخر بالإضافة إلي عمليات النحر.لذلك يجب وضع علامات إرشادية للعبارات وتغييرها طبقا للخرائط الجديدة.
أما بالنسبة لزيادة نسبة التلوث التي تحدث نتيجة لزيادة العبارات فلا يمكن التحكم فيها فالمشكلة في الرقابة علي تطبيق القوانين والتنسيق بين الوزارات المسئولة.
الخرائط تدمر النيل
علي النقيض تماما جاء رأي د.مجدي توفيق أستاذ البيئة المائية بكلية العلوم جامعة عين شمس.حيث قال إنه بالرغم من خفض ملوثات نهر النيل إلي ما يقرب من 50%,لكن الخرائط الملاحية سترفع النسبة فالأعداد المتزايدة للعبارات التي تسير في النهر وتمر بجوار مآخذ مياه الشرب في معظم الأحيان لا تلتزم بالقوانين فتتسبب في تلويث النهر بمخلفاتها كالسولار والمخلفات الآدمية.فلا يوجد مكان في العالم يجعل من المياه التي يعتمد عليها كمصدر للشرب مجري ملاحيا.ثم تساءل د.توفيق:ما الحل إذا سقطت معادن ثقيلة من بين تلك التي تحملها السفن مع الأخذ في الاعتبار أن المياه في هذه الحالة لا يمكن أن يتم تكريرها أو معالجتها أو تنقيتها؟ وسبق وشهدنا غرق سفن حاملة للأسمنت والكبريت في النيل وأدي ذلك إلي تلويث المياه ونفوق أطنان من الأسماك,هذا فضلا عن الأمراض التي سببتها المياه الملوثة للإنسان مثل الفشل الكلوي والتليف الكبدي والسرطان.
طالب د.توفيق -في ظل عدم وجود تقييم للأثر البيئي للخرائط- بالاكتفاء بالوضع الحالي نظرا للعائد الاقتصادي الناتج عن مرور العبارات خاصة السياحية.
في النهاية علي الجهات المعنية إعادة النظر في الأمر فمياه الشرب لا تحتمل المزيد من التلوث.وأدني حقوق الإنسان الحصول علي كوب مياه نظيف.