عجوز يقف في الطرقات كل مساء. يبدو للناظرين كفيف البصر لكنه يري. يمد يديه طالبا الإحسان إلي أن ساقت إليه الأقدار قوة من الشرطة مكلفة بالقبض علي المتسولين فافتضح أمره. إذ أنه موظف كبير في الحكومة. دفعه ضيق ذات اليد للتسول, وحينما وقف أما القاضي ليجازي عن فعلته قال له: ماكانش قدامي غير حلين علشان أعلم أولادي وأجوز بناتي إما أسرق أو أشحت وفضلت الثانية هذا مضمون ما جاء في قصة الموظفون في الأرض للكاتب بهجت قمر التي تم إنتاجها كفيلم سينمائي منذ ما يقرب من ربع قرن أي في نهاية الثمانينيات, والمأخوذة عن رائعة عميد الأدب العربي طه حسين المعذبون في الأرض – الذي عالج فيها تداعيات الفقر وتدني الأجور في فترة ما قبل الثورة – الأربعينيات – محملا الدولة المسئولية متعاطفا مع المواطن إذ قال: الموظف ذو الدخل المحدود عاجز أن يجد في مرتبه الضئيل ما يرضي أيسر ما تحتاج الأسرة لتعيش فيستدين حتي لا يجد إلي الاستدانة سبيلا, ويلتمس الإحسان فلا يظفر بما يلتمس منه الإحسان فليس أمامه إذا إلا أن يقترف الإثم ليعيش القانون له بالمرصاد إذا عليه بالصبر الذي لا يطعم الجائع ولا يكسو العاري ولا يداوي المريض.
إذا فمسلسل تدني الأجور مقارنة بارتفاع الأسعار المعيشية متصل منذ أكثر من نصف قرن إلي أن وصل الآن ذروته والأمر في طور الانفجار بعدما ظهرت أزمة رغيف العيش وارتفاع أسعار الحبوب وتفاقمت أزمة الأسمنت وتلاها جنون الحديد, وما صاحب ذلك من ارتفاع في قيمة العقارات بما كان له أسوأ الأثر علي الأوضاع الاجتماعية فخلف شعورا بين الناس بأن الفقراء يزدادون فقرا في ظل الأوضاع الراهنة.
ومع تصاعد حدة الغلاء.. وانفلات الأسعار في الفترة الأخيرة, وما صاحبها من مطالب, من أغلب الفئات الاجتماعية لزيادة الأجور لتتناسب مع تلك الزيادات المهولة في الأسعار قرر صالون المواطنة – الذي تعقده جريدة وطني بالتعاون مع لجنة الحريات بنقابة الصحفيين برئاسة الكاتب محمد عبدالقدوس – فتح هذا الملف مستضيفا الخبير الاقتصادي أحمد سيد النجار – الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية – وكان له باع في كشف الانحرافات والفساد في هذا المجال لمناقشة أسباب الأزمة, وكيفية الوصول إلي حلول يشعر معها المواطن البسيط برفع الغبن الواقع عليه منذ عقود.
يوسف سيدهم: الأمور الاقتصادية من الأشياء المتخصصة التي دائما ما تحتاج إزاحة النقاب عنها في ظل ما يدور من تضارب في المعلومات حول الأزمات المتعددة التي أصابت المجتمع المصري.. تري ما أسباب تلك الأزمات, وتاريخها؟
أحمد النجار: دائما ما تحدد الطبقة العليا مستوي الأداء الاقتصادي في المجتمعات, وهو ما يدعونا لتحليل تلك الطبقة عبر تاريخ مصر في الخمسين سنة الأخيرة. ففي الستينيات قضت الطبقة الحاكمة العليا علي الرأسمالية ثم تضاءلت الثقافة الاستثمارية للتعامل مع البورصة المصرية حتي انتهت فوصل الأمر إلي أن من يقوم بالمشروعات من لديهم تراكم مالي ومعظمهم ممن عملوا في المجالات غير المشروعة السلاح – المخدرات, وبالتالي جاء الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات. القادم من رحم الاقتصاد الأسود ومحمل بثقافة الخبطة.
جاء ذلك بعد أن كان الوضع في أيام عبدالناصر عكس ذلك تماما, فرغم تحفظاتي علي شخص عبدالناصر إلا أنه كان رجلا قادما من عالم الأساطير في مسألة محاربة الفساد, لكنه حاربه بشخصه فلم يبن نظاما لمواجهة هذا الفساد لأن المؤسسات كانت تابعة للسلطة التنفيذية أي له شخصيا, وعندما غاب الرجل غابت المواجهة, وتغولت السلطة التنفيذية علي السلطة التشريعية إلي أن انتهي الأمر بانفجار الفساد.
كانت أهم نتائج رأسمالية الدولة في الستينيات دورها العظيم في بناء السد العالي – أعظم مشاريع القرن العشرين – باعتباره غير مصير شعب كامل لأنه مشروع بنية أساسية.. إذا كانت الرأسمالية تعمل لصالح الأمة وليس لصالح أفراد, أما ما يحدث حاليا فهو قيام الدولة بإدارة الأصول العامة لمصلحة مجموعة من الأشخاص حتي لو كان إهدار المال العام هو السبيل الوحيد لتحقيق تلك المصالح, وهذا ما حدث تحديدا في برنامج الخصخصة الأخير وهو الفساد الأعظم في تاريخ مصر, وبذلك لا يمكن أن نتوقع عدالة في توزيع الأجور أو نموا في الاقتصاد, فما يحدث هو التراجع مقارنة بمعدلات النمو في الدول الأخري, ففي عام 1965 كان الناتج المحلي 5.1 مليار دولار مقابل 3 مليارات في كوريا, أما في عام 2006 كان الناتج المحلي 101 مليار دولار مقابل 888 مليار دولار لكوريا.
لم يقف الأمر عند هذا الحد بل أصبح اقتصادنا معتمدا علي صناعات التجميع القائمة علي كون المصري وكيلا لشريك أجنبي, ووصل الاستيراد من الخارج إلي 40 مليار دولار في السنة الأخيرة, كما وصل العجز في الميزان التجاري إلي 20.1 مليار دولار وفقا للبيانات الرسمية التي لا تعبر عن الحقيقة في معظمها.
عيال الدولة!
بذلك نصل إلي أن الطبقة الحاكمة هي القوة المؤثرة في الاقتصاد المصري, وتلك الطبقة لها روافد هي الرافد البيروقراطي والفساد جزء أساسي من تكوينه, ورافد قادم من عالم الاقتصاد الأسود ورافد آخر يسمي عيال الدولة. إذ أصبح البعض رجال أعمال بعد أن أقطعتهم الدولة مساحات شاسعة من أراضيها بأسعار زهيدة فتحولوا بين عشية وضحاها لمالكي ثروات هائلة, أو من تركتهم الدولة لينهبوا مصر من خلال أسعار احتكارية لسلع بعينها دون فرض ضرائب أو حماية للمستهلك وهكذا أصبحوا أثرياء من خلال علاقاتهم بالنخبة الحاكمة البيروقراطية.
هذا التكوين المشوه والمثير للإحباط لا يدفعنا لليأس لأننا مع كل ذلك لا ننكر وجود طبقة متوسطة يمكنها عمل ثروات من خلال اقتصاد نظيف.
تدني الأجور
هذا ينقلنا إلي الوضع الراهن لنبدأ من حيث تنشغل مصر كلها الآن بموضوع الأسعار خاصة أسعار الغذاء والتي زادت بنسبة 70% خلال العام الماضي في حين ظلت الأجور كمال هي, ورغم أن الدولة هي المسئولة عن تحديد الأسعار والأجور وحماية المستهلك نجدها لا تفعل شيئا مطلقا وتنسحب تماما, وذلك علامة رئيسية علي فساد النظام, الذي يعلم تماما أن الأجر النقدي الذي يتلقاه الشخص أجرا اسميا بينما الأجر الحقيقي هو ما يمكن أن يشتريه الأجر النقدي من سلع.
بالقياس علي عام 1952 كان أجر عامل التراحيل 12 قرشا في اليوم أي يستطيع شراء 37 كيلو لحم شهريا أما الآن فأجر الخريج الجديد 200 جنيه شهريا لا تشتري سوي 6 كيلو لحم دون الوضع في الاعتبار إعالة الأسرة أو الرغبة في الزواج. إذا هناك انهيار في الأجور الحقيقية في مصر فينتشر الفقر, يدعم ذلك ضعف سياسات الدعم, البيانات الرسمية المسلمة للبنك الدولي تشير إلي أن نسبة الدعم والتحويلات في مصر 4.1% من الناتج المحلي بينما تصل في أمريكا إلي 12.9% وفي بريطانيا إلي 23% وتونس 10% مما يتضح معه أن مصر أقل دولة تمنح شعبها دعما.
وموضوع الدعم إجمالا يحتاج إصلاحا, ولنا في أزمة الخبز أكبر مثال.. فالدولة تدعم حصص المخابز والمفترض أنها تدعم المواطن وليس التاجر الذي يجور علي حق المواطن ويتاجر في السوق السوداء, في هذا الصدد أصدر حزب التجمع كتابا حول فصل الإنتاج عن التوزيع بحيث يتم تصنيع الخبز وبيعه للمنافذ الحكومية بسعره الحقيقي دون دعم, ثم تقوم المنافذ بعيدا عن المخابز ببيعه مدعوما للشعب. المسألة تحتاج فقط لتنظيم غير فاسد.
في ظل الأجواء السائدة أصبح البعض يسعي بشكل أو بآخر لتوفير احتياجاته مما خلق الفساد الصغير الذي يخلق عادة التسامح مع الفساد الكبير, أما البعض الآخر وجد ضالته المنشودة في السفر إلي الخارج, وهو من أخطر الأمور التي حدثت في مصر لأن فتح باب الهجرة فكك المجتمع المصري. وبدلا من مواجهة التغيرات من خلال إيجاد مصالح مشتركة تربط الناس أصبح كل شئ يبحث كيف ينجو بنفسه, وسادت الفردية. ثم تشبعت السوق الخارجية بالعمالة المصرية فلفظتها, وظهرت رحلات الموت للراغبين في العمل بالخارج مما أعاد – لحسن الحظ – التفكير بشكل اجتماعي يتصاعد حاليا في موجات متتالية لمواجهة ما يحدث.
أسباب الغلاء
فيما يتعلق بالأسباب المؤدية لتهور الأسعار فيمكن تلخيصها في اعتماد مصر علي الخارج في استيراد الحبوب وبالتالي أية زيادة خارجية في الأسعار تؤثر علينا, كذلك انخفاض وارتباط مصر بأسعار السلع المستوردة من بلدان خارج المنطقة الدولارية رغم ارتباط الجنيه بالدولار. وبالتالي فالواردات من دول اليورو والين والتي تمثل 40% من وارداتنا تأتي بأسعار مرتفعة وعلي مصر أن تربط الجنيه بسلة عملات أساسية وليس الدولار فقط لتحقق نوعا من الرشد الاقتصادي.
كذلك انخفاض الفائدة البنكية والتي أصبحت فائدة سلبية. فمعدل التضخم وصل 10.9% في حين أن سعر الفائدة في البنوك وصل 8.5% والفائدة السلبية هي الفارق بين الـ 10.9% والـ 8.5%. إذا لدينا خسارة فادحة من الإيداع في البنوك. الأمر الذي يفتح أبواب جهنم ويعيد للسوق شركات توظيف الأموال واللجوء للمضاربة علي الأراضي والعقارات كما حدث مؤخرا.
الحديد والأسمنت
أما عن الاحتكار. ففي مصر سلعتان هما الأشهر. الحديد والأسمنت. إذا ارتكبت الدولة خطيئة عندما باعت شركات القطاع العام في هذا المجال إلي قطاع خاص أجنبي يحدد الأسعار في اجتماع شهري فانتهت فكرة المنافسة, وعلي سبيل المثال إذا نظرنا لتكلفة طن الأسمنت نجدها 150 جنيها يمكنها تحقيق معدل أرباح يصل إلي 25% ولكن يصل إلي 200% فهذا سلوك احتكاري وبيع بالأسعار العالمية رغم استخدام المدخلات والعمالة المحلية فيتم استنزاف دماء هذا الشعب, يساعد علي ذلك تعطش الأسواق الخارجية للأسمنت نتيجة عدم إنتاجه علي أراضيها لمنع تلويث البيئة.. إذا الأمر يستوجب إجراء إداريا ضد هذه الشركات.
فالعالم كله يجري تفاوضا مع المحتكر لتغيير الأسعار حتي لو وصل الأمر لتقسيم الشركة إجباريا إذا ما تسببت في وقوع ضرر علي المجتمع ولكن في مصر الأمر متروك.
في سوق الحديد الأمر أصعب لأن قرابة ثلثي السوق يعمل لصالح شخص واحد – أحمد عز – قام مؤخرا بتوزيع ملف علي كل الصحف يعرض فيه لأجر العامل في مصر موضحا أنه أعلي من البلدان الأوربية إذ يحصل العامل علي 5.5 دولار في الساعة أي 32 ألف جنيه في الشهر بواقع 6 ساعات يوميا فماذا يعرف هذا الشخص عن الأجور في مصر وهو أمين تنظيم الحزب الحاكم؟ إنه هزل في موضع الجد.
قانون حماية المنافسة
نسمع البعض يتشدق بأن هناك قانونا يحمي المنافسة ولا يترك الاحتكار يتوغل ولكن تعالوا لنحلل هذا القانون الهش سويا. فمن لديه الحق في تحريك دعوي ضد محتكر هو الوزير أو من يفوضه فقط وليست الشركات المضارة من الاحتكار. كما أن الغرامة التي يمكن توقيعها علي المحتكر حدها الأدني 30 ألف جنيه والأقصي 10 ملايين جنيه وهناك جدل دائر حول إمكانية رفعها إلي خمسين مليون جنيه مما يعكس عدم تناسب بين حجم العقوبة والغبن الواقع علي المجتمع لأن تلك الشركات تربح بالمليارات, كذلك لا يوجد في القانون ما يحدد متي يتم تطبيق الحد الأدني للعقوبة أو الأقصي مما يفتح الباب للفساد.
فالقانون حتي الآن لم يثبت أية جدارة في التنفيذ العملي وجهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار يتكون من مجموعة من الاقتصاديين ورجال الأعمال وبالتالي مصلحة الطبقة العليا تأتي فوق أشلاء الجميع, وهذا ما أثر في موجة الغلاء لأن السيطرة أصبحت مزدوجة علي السلطة والمشروعات فمن يصنعون ظروف السوق هم أنفسهم المكلفون بضبطها وحماية المواطنين.
تقتصر – نتيجة لما سبق – ثمار النمو علي طبقة معينة من الشعب ورغم أن النمو ضئيل بعكس ما يشاع فبالحسابات الاقتصادية الدقيقة يصل النمو الحقيقي إلي 4.5% من الناتج المحلي بينما يشاع أنه 7.1% في عام 2006 وهذا تزوير حكومي, وبالتالي يتم تحديد الأجور في ضوء تلك البيانات المزورة فلا يحظي الناس بأية ثمار, كما يتم توزيع الأرباح بشكل غير عادل بين العاملين في الشركات وأصحابها بل إن الضرائب يتم فرضها علي الاثنين بنفس النسبة 20%.
السياسة الضريبية
والحديث عن السياسة الضريبية التي تساوي بين الجميع ينقلنا إلي القانون الجديد للضرائب وما سببه من إساءة للمنظومة الضريبية أصابت بشدة الطبقة الوسطي ممن كانوا يتمتعون بإعفاءات ضريبية لمدة عشر سنوات علي مكاتبهم مثل المحامين والمهندسين قلصها القانون إلي ثلاث سنوات. إذا لابد من تدرج المعدل الضريبي لتكون نسبة الضريبة كل حسب قيمة أرباحه.
توحش البطالة وتشوه الطبقة الوسطي
ومادمنا نتحدث عن الطبقة الوسطي فعلينا أن نعلم أنه يتم التلاعب بالبيانات المقدمة للبنك الدولي عن البطالة والتي تصيب أكثر ما تصيب أفراد الطبقة الوسطي, حيث أعلن التقرير السنوي أن القوة العاملة في مصر في عام 2002 25.9 مليون عامل وفي عام 2007 22 مليون عامل رغم أن الزيادة السنوية في قوة العمل من المفترض ألا تقل عن 800 ألف عامل سنويا وهذا بحساب من يخرجون من سوق العمل أو يدخلونه. وأيضا بالحسابات يجب ألا تقل قوة العمل عن 30 مليونا في حين أن الأرقام الحقيقية تشير إلي أن القوة العاملة لم تتعد 20.1 مليون عامل فالفارق إذا قارب العشرة ملايين عامل.
ومن الطرائف ما نشر عن أن هذه القوة بلغت عام 2006/2005 21.8 مليون, وكانت هكذا في العام الذي يسبقه مما يعكس أن القوة لم تزد شخصا واحدا وهذا مستحيل, وعقب نشر هذا الكلام تم تغيير البيانات بأثر رجعي – مما يثبت معه أن البيانات يتم تسليمها حسبما اتفق عليه وليس حسب الواقع لذلك إن لم تكشف الحكومة هذه الحقائق لن تستطيع الوصول إلي حلول.
وهكذا ينتشر الفساد فالطبقة الوسطي التي كانت تحفظ للمجتمع توازنه تعاني قهرا لا يوصف مما أدي إلي تراجعها في اتجاه الفقر وانهيارها رغم تمييزها بأنها الطبقة التي يمكن أن تقود الانفجار في المجتمع أو تقود للرجعية في أوقات التخلف, تلك الطبقة تضم المتعلمين وغير المتعلمين ممن سافروا إلي البلاد العربية وعادوا إلي مصر بقيم مختلفة ومع تراجع قيمة العمل والعلم. تراجع نمو المجتمع.
غياب الرقابة
ساعد علي تفشي الأوضاع غياب الأجهزة الرقابية المستقلة عن الدولة ولنا مثال صارخ في إحدي شركات المياه الغازية التي بيعت إجمالا بمبلغ 158 مليون جنيه 8 مصانع و18 خط إنتاج في حين أن قطعة أرض واحدة مما تملكها الشركة كانت معروضة للبيع بمبلغ 175 مليون جنيه وبعد أن استحوذ الشريك المصري علي حصته باع حصته فقط بمبلغ 470 مليون دولار للشركة العالمية المشاركة. إذا ليست هناك صفقة خارج الشبهات مادامت الرقابة غائبة ومصالح الشعب ليست في الحسبان.
ولا حل إلا في أن يصبح الشعب رقيبا علي الطبقة الحاكمة وهذا ما يجب أن تقوم به الطبقة الوسطي حتي لا تهدر الحقوق.
تعقيبات وحلول
محمد عبدالقدوس: في ظل الوضع المتردي ماذا عن المستقبل؟
أحمد النجار: الصورة القائمة للوضع الاقتصادي لا تعني أن مصر خالية من الإمكانيات, والموضوع يتطلب إرادة سياسية, ومكافحة للفساد وسلطة مستقلة وعدم انحياز لكبار العملاء في القروض المصرفية فلدينا سياسات مصرفية ممتازة حتي أن النتيجة جاءت 63 مليار جنيه ديونا معدومة, لذلك يجب تغيير السياسات المصرفية في الإقراض وإيجاد حاضنات للمشروعات الصغيرة.
محمد ناجي: نجد تباينا في الأجور لذات المهن وذلك في القطاعات المختلفة بالحكومة.
أحمد النجار: يوجد فساد كلي في القطاعين العام والحكومي, ولابد أن يكون هناك توصيف وظيفي واحد بأجر واحد, فلا يختلف المحاسب الذي يعمل في إدارة الإعلانات عن المحاسب الذي يعمل في إدارة الحسابات.
أحمد أبوالفتوح: يثور جدل حول تحديد الحد الأدني للأجور فما هو الحد الأدني الحقيقي في تصورك؟
أحمد النجار: لو اتخذنا الحد الأدني للأجر في سنة 1970 كمقياس يكون المتوسط المفترض حاليا الحصول عليه هو 2400 جنيه شهريا.
جورج رياض: الضرائب التي تحتسب علي المشروعات الصغيرة كما يتم الإعلان عنها في إعلانات وزارة المالية الميكانيكي – الحلاق مثلها تماما مثل ما يتم احتسابه علي المشروعات الربحية الكبيرة فهل هذه عدالة؟
أحمد النجار: هذا ظلم فادح للطبقة الوسطي التي ينتمي إليها معظم المشروعات الصغيرة مما يقطع الطريق عليها في التحول للمشروعات المتوسطة, وكان القانون قبلا لا يساوي في الضرائب بينما لم يعد هكذا حاليا.
حنان فكري: في حين أننا نعاني من غلاء الأسعار في السلع الأساسية مثل الحبوب القمح – الذرة – الفول نجد من يقول إن الدول المتقدمة تحول تلك الحبوب لطاقة بديلة عن البترول ولن نجدها فيما بعد.
مشروع ابني بيتك يعتبر حلقة جديدة ضمن مسلسل الغش في تاريخ النظام فحتي الآن لا توجد مؤشرات حول إتمامه أو الأمل فيه كما أن الشروط غريبة حيث يشترط المشروع ألا يزيد دخل الأسرة علي 1500 جنيه فكيف يبني زوجان دخلهما 1500 جنيه منزلا من ثلاثة أدوار علي مساحة 150 مترا خلال ثلاثة أشهر وإلا سحبت الأرض؟
أحمد النجار: بالنسبة للسؤال الأول فمستقبل الطاقة سينفرج لو انخفض سعر البترول والحل الوحيد لنا الاعتماد الذاتي في زراعة القمح علي مساحات شاسعة مع التكامل الاقتصادي بين دول المنطقة.
أما عن مشروع ابني بيتك فأنا متفق مع كل ما جاء من ملاحظات عليه.
يوسف رامز: القوة الشرائية راكدة في السوق العقارية في حين أن الأسعار مرتفعة جدا فلماذا؟
أحمد النجار: هناك موجات فجائية من الطلب العقاري مثل دخول العرب والعراقيين في مصر ولديهم إقبال شديد علي اقتناء العقارات في مصر.
ماجد عطية: ما علاقة سعر الفائدة بتسويات الديون المتعثرة وتعويض البنوك عن طريق سعر الإقراض الذي يصل إلي 14%؟, وهل هناك دولة ضاعفت ناتجها المحلي في 4 سنوات بنسبة 100% كما أعلن د. نظيف هل يمكن لأي دولة أن تفعل ذلك. إذ أعلن أن الناتج زاد من 500 مليون إلي تريليون؟!!
أحمد النجار: سعر الفائدة وتسويات الديون المتعثرة جاء علي حساب حقوق المودعين الذين يحصلون علي فائدة متدنية مما ينتج عنه قهر المواطنين خاصة من الطبقي الوسطي صاحبة النصيب الأوسع في الودائع. أما عن النمو في الناتج المحلي فالنمو في مصر نسبته محملة بالتضخم في الأسعار وارتفاعاتها فيعكس نموا غير حقيقي بالمرة وهذا ضمن ما قلت عنه إنه تزوير في البيانات.
د. مختار الشريف – أستاذ وخبير الاقتصاد -: لي بعض التحفظات علي ما قاله الأستاذ النجار عن الأثرياء القادمين من الاقتصاد الأسود:
نحن في حاجة للاتفاق علي توصيف واضح لكلمة رجل أعمال. فلا يمكن أن نعتبر كل رجل غني, رجل أعمال, هناك من اغتنوا دون أن يكون لهم مشاريع أو مصانع ولم يخاطروا يوما بأموالهم في الأسواق, بل حققوا ثرواتهم لمجرد أنهم كانوا يملكون أراضي زراعية, دخلت كردون المباني, فباعوها بملايين. أعتقد أن رجل الأعمال هو من بذل مجهودا حقيقيا في السوق وخاطر بأمواله حتي لو كانت محدودة.
لي تحفظ آخر علي ما قاله الأستاذ أحمد النجار في شأن زراعة القمح, لأننا في الحقيقة لا نستطيع أن نتوسع في زراعته لوجود دورة زراعية لا يمكن تجاوزها, كما أن أي توسع في القمح سيكون علي حساب سلع أخري, لا يمكن التقليل من أهميتها, حتي لو كانت هذه السلعة البرسيم الذي تتربي عليه الماشية التي توفر لنا الثروة الحيوانية. وكذلك تتقاسم معنا الغذاء.
وفيما يخص قانون منع المنافسة الاحتكارية, لابد وأن نواجه أنفسنا, بأننا أمام مشكلة فنية, وليس فساد فقط, فنحن لا نملك الكوادر المؤهلة لتطبيق هذا القانون حتي لو توفرت لدينا النية السياسية.
كذك ما قيل عن مشروع السد العالي يجب ألا ننسي أنه كان نهاية مرحلة إذ لم يكن أول مشروع مائي علي النيل بل جاء ليتوج مجهودات ممتدة من محاولات المصري للسيطرة علي النيل, ولولا المشروعات السابقة لما أمكن تحقيق بناء السد.
أحمد النجار: لا مجال إطلاقا للمقارنة بين السد العالي وبين أي شئ سبقه فالنيل أنقذ مصر والسد حافظ علي النيل.