هناك ثلاث مجموعات رئيسية من الحواجز التي تمنع اندماج الأقباط ـ كأحد مكونات المجتمع ـ في النظام السياسي.
أولا: انعدام المشاركة السياسية
انعدام المشاركة السياسية للأقباط موضوع قتل بحثا, وبحت الأصوات للمطالبة بتطبيق حل مناسب. وكما هو معروف فلا يوجد بمجلس الشعب الحالي سوي قبطي واحد منتخب من بين 444 عضوا. الحزب الحاكم لم يرشح قبطيا واحدا في انتخابات 5991, وقد رشحت أحزاب أخري أقباطا, لكن النظام الانتخابي يغلق, الباب تماما أمام كل الأحزاب.
التعديل الدستوري الصادر في 7002 أصبح يعطي الفرصة لأي شكل من أشكال النظم الانتخابية_, سواء بالقائمة أو القائمة النسبية أو القائمة الحزبية أو النظام الفردي, لكن السؤال عن ماهية هذا النظام بقي كما هو.
البعض طالب بتطبيق آلية تمييز إيجابي للمرأة والأقباط, مثل د. رفعت السعيد الذي اعتبر اللجوء إلي تعيين عدد من النساء والأقباط تأكيدا علي أن نظامنا الانتخابي لا يسمح بأن يأتي إلي البرلمان بمن ينبغي أن يأتي بهم_, وأن هذه التعيينات هي نوع من الاعتذار الرمزي عن سوء المعطي الانتخابي_. وقال إن_ التمييز الإيجابي ممكن, بل محتم, في ظل نصوص المادتين _8 (تكفل الدولة تكافؤ الفرص لجميع المواطنين) و_04_ (المواطنون لدي القانون سواء..) من الدستور_, كما يري عدد من الفقهاء القانونيين مثل المستشار د_._ فتحي رجب أن الأصل في النصوص الدستورية أنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تجمعها.._ وأن النصوص القانونية وسائل فنية خادمة لمصالح مجتمعية ومحققة لمقاصد موضوعية. وفي هذا الصدد يشير د. فتحي رجب إلي مبدأ مستقر في فقه القانون الدستوري مؤداه إمكانية رفع مستوي الضعفاء إلي مستوي الأقوياء (المساواة الرافعة_)_ أو خفض مستوي الأقوياء إلي مستوي الضعفاء (المساواة الخافضة_). فالأمر لا يتعلق بالتسويه بين متساوين, بل بمبدأ التمييز بين غير متساوين_.__
في صيف 9002 صدر قانون يضمن للمرأة ما لا يقل عن 46 مقعدا في مجلس الشعب, يقول عنه د. علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الوطني الديموقراطي أنه تأكيد لمفهوم المواطنة وتمكين لمزيد من التمثيل السياسي للمرأة في مجلس الشعب. وأوضح أن تحديد التمييز الإيجابي للمرأة بفترة محددة يستهدف تمكين المرأة وإعطاءها الفرصة للتمثيل البرلماني حتي تتغير الظروف الاجتماعية.
وأثناء ذلك وقبله وبعده تساءل الكثيرون عن التمييز الإيجابي للأقباط أسوة بالمرأة, حيث تتطابق المشاكل ومبررات الحل, لكن ردود الأفعال الرسمية كانت رافضة تماما للفكرة. فلما سئل صفوت الشريف الأمين العام للحزب الحاكم ورئيس مجلس الشوري ( عن رؤية الحزب فيما يتعلق بالأقباط لإتاحة فرصة تمثيل أكبر لهم, قال:_ الأقباط مصريون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات وموجودون في الحزب الوطني ووجود حصة لهم انتقاص كبير من حقوقهم الثابتة والمستقرة في الدستور المصري_ وقال د. علي الدين هلال إن المواطنة لا يمكن اختزالها في مسلم وقبطي, وأنه لا يمكن إدراج وثيقة حول المواطنة علي مؤتمر الحزب الحاكم نظرا لضيق الوقت.
وعندما طرح البعض فكرة الكوتا للأقباط, كأسلوب مؤقت حتي يعتاد المجتمع علي التعامل مع القبطي باعتباره مواطنا مثل غيره; رفضتها التصريحات الرسمية. وأكد د. مفيد شهاب كما أشار د. علي الدين هلال إلي أن الأساس في العمل السياسي هو مبدأ المواطنة, وأن الأقباط المصريين هم مواطنون لهم كل الحقوق وعليهم كل الواجبات شأنهم في ذلك شأن أي مواطن آخر (هل يعني ذلك أن المرأة المصرية ليست جزءا من نسيج الوطن الواحد, ولا مواطنة لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات؟؟).
وقال صفوت الشريف إن الأقباط جزء من المجتمع_,_ ولا تفرقة بين مسلم وقبطي في الترشيح للانتخابات د. فتحي سرور أن الكوتا هي دعوة لتخريب الوحدة الوطنية, فالأقباط ليسوا بالضعفاء ولا هم بالأقلية. وإذا كانوا لا يصلون إلي مقاعد البرلمان بسواعدهم حتي الآن, فقد يرجع ذلك إلي زهدهم في الترشيح, أو زهدهم في الحياة البرلمانية, واهتمامهم بالحياة العملية.
وقد كان جمال مبارك واضحا إذ وصف المطالبين بالكوتا بأنهم من المخربين,وقال: لن ينجحوا فيما يرغبون, ولن نأخذ الموضوع باستخفاف, ورغم اعترافي بأن الأقباط لديهم مشاكل فإن حلها بالحوار الهادئ وليس بتسييسه عن طريق أفراد في الداخل أو الخارج.وأوضح أن كلا من يحاول تسييس هذا الموضوع هدفه الأساسي ضرب نسيج ووحدة مصر.
وبرفضه تسييس موضوع الأقباط, فإن جمال مبارك, باعتباره الأمين العام للجنة السياسات بالحزب الحاكم, قد وضع الأمر برمته خارج مجال اهتماماته السياسية. وإذا كان موضوع الأقباط لا يقبل التسييس, فتحت أي بند يمكن وضعه؟.
وعلي أي حال, ففي النهاية تعلق الجميع بـ (قشة) الأمل بتعديل النظام الانتخابي ليأخذ بأسلوب القائمة النسبية الذي قيل إن فيه العلاج الناجع للمرض العضال.
ولكن الإجابة الشافية الكافية جاءت أمام مؤتمر للحزب الوطني (01ـ9ـ 9002) عندما قال الرئيس مبارك عن النظام الانتخابي: علينا أن ننحاز إلي الأصلح لمجتمعنا وبما يتفق مع قيم وعادات هذا المجتمع وأن ننحاز إلي النظام الذي يحافظ علي وحدته وأن لكل نظام انتخابي إيجابياته وسلبياته ومازال النظام الفردي في هذه المرحلة هو الأنسب.
إذن فقد أغلق الباب علي أنه لا توجد أدني نية لدي القيادة السياسية لعلاج المشكلة; فالقدرة ممكنة لكن الرغبة والإرادة غير حاضرة لديها.
***
وإلي مقال قادم لاستعراض بقية الحواجز.