في إحدي كنائس عمان رقد الفارس صامتا لأول مرة…رقد بين يدي المسيح وفي حضن أمه العذراء,هكذا ودعنا جورج حبش (الحكيم) وأول المدعوين لتحرير الأرض والإنسان عبر تأسيسه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين 1967.
كان الكاهن يتلو ”قانون الإيمان”,وأنا أتذكر لقائي الأول مع الحكيم,كنت فتي مسكونا بحب الثورة,وفي حي الفكهاني ببيروت الغربية 1978…كان الفارس يترجل متجها نحو مكتبه وأنا مندفع بالروح نحوه,شعره الأبيض ووقاره المتواضع الذي يشبه القديسين الأوائل من آباء البرية…جعلني أفكر للحظة في تقبيل يده! أحاطني الحرس من كل جانب,كدت أدفع حياتي ثمنا لنوال بركة احتضانه,استقبلني شعاع رجاء الإيمان والمحبة المنبثق من عينيه,سألني عن خالد محيي الدين ورفعت السعيد,لم أسمع كل ما قال لأنني فتحت قلبي قبل أذني!
يكمل الكاهن صلاته,يحمل تلاميذه جسده,يبرز الصليب من فوق رأس الجسد المسجي في الصندوق,أتذكر وديع حداد مسئول العمليات في الجبهة الشعبية…الرجل الذي حير كل أجهزة المخابرات في العالم ومات مثل خالد بن الوليد علي فراشه! وأسبح في بحر دماء شهداء الثورة,حينما كان المسيحيون هم حجر الزاوية في تأسيس الحلم,وكيف أضحي الحلم كابوسا.وتدفقت دموعي وأنا أتساءل كم شاب مسيحي يعرف دور المسيحيين الفلسطينيين في تأسيس المقاومة الفلسطينية,كم من الشهداء المسيحيين ساروا علي درب الآلام وصولا للجلجثة,وامتشقوا الصليب علي رجاء قيامة الوطن القادم من أعماق الموت وظلام القبر,وكم شاب فلسطيني من حركة حماس يدرك ذلك؟ازدادت آلامي وحرقة دموعي ليس علي الحكيم بل علي الحلم الذي يتسرب كالماء من بين أيدينا دون أن نتمكن من الارتواء,وشعرت أن جورج حبش يغادرنا في الوقت الذي يغادر فيه الثورة الفلسطينية ضميرها ينضم إلي غسان كنفاني وياسر عرفات وأبو علي مصطفي علي رجاء قيامة الوطن المصلوب علي صليب الكتبة والفريسيين من حماس وبأيدي الرومان الصهاينة الجدد.