في يناير 1994 بصفتي منسقا لمؤتمر الملل والنحل والأعراق, الشهير بمؤتمر الأقليات, تعرفت بشكل شخصي علي الراحل الكبير أنطون سيدهم ذلك عبر حوار معه حول المؤتمر من أجل نشره في مجلة المجتمع المدني التي تشرفت بتأسيسها ورئاسة تحريرها. وكانت مصر, كل مصر ملتهبة المشاعر ضد المؤتمر باستثناء ذلك الفارس النبيل الوحيد أقصد أنطون بك سيدهم.
كان موقف الفارس نقطة تحول في حياتي لأنه ساند المؤتمر وليس لفروسيته فحسب, بل لدوره الريادي والنبوي, الريادي لأنه كان أول من كتب وزعم وساند المؤتمر ضد تيار سائد في الرأي العام سواء من المؤسسات الدينية المسيحية أو المؤسسات الدينية الإسلامية, في كل الأحزاب اليسارية واليمينية, الرسمية وغير الرسمية, رغم ذلك لم يكتف بإعلان رأيه بل ناقش كثيرين ليلحق به فرسان آخرين في تأييد ودعم المؤتمر مثل الراحل الكريم الكبير الدكتور إسماعيل صبري عبدالله والدكتور أستاذ العلوم السياسية د. إبراهيم كروان, والباحث والمفكر الدكتور محمد سيد سعيد شفاه الله والأستاذة الصحفية أمينة النقاش, مديرة تحرير جريدة الأهالي حاليا, والأستاذ الكاتب إبراهيم عيسي, رئيس تحرير الدستور, وهكذا كان أنطون سيدهم صوتا صارخا في البرية, فتح في الجدار ثغرة فتدفقت منها مياه كثيرة وجرت تحت الجسر من النهر إلي البحر, وعبرنا مع هذا الصوت النبيل المتوسط لنعقد المؤتمر في ليماسول بقبرص. وكان أيضا صوتا صارخا في البرية ليعد طريق الرب.. أعني صوت نبوي, لقد كان لصوته ودوره أن تم وضع هموم الأقباط علي جدول أعمال الوطن, كل الوطن, فأصبحت المؤسسات الدينية تتحدث عن هموم الأقباط, وهكذا التشريعية والتنفيذية والقضائية والمثقفين كل المثقفين, والأحزاب كل الأحزاب حتي أن الصحف خصصت فيما بعد صفحات وأبواب لمناقشة هموم الأقباط, وتعني بالشأن القبطي وانتشرت المواقع واهتمت الفضائيات وهكذا. ورغم أن كاتب كبير مثل محمد حسنين هكيل كان قد حذر في صحيفة الأهرام في وقت متزامن مع صيحة أنطون سيدهم من إثارة هموم الأقباط قائلا إن من يتحدث عن مشاكل الأقباط في مصر كمن يلعب الكرة بقنبلة!!
وكأن أنطون سيدهم الرائد النبوي, كان بفروسيته وريادته يستشرف المستقبل ويعلم ما لم يعلمه الآخرون.. يقرأ ما يعجز الآخرون عن قراءته. يري الحاضر من عيون المستقبل في منهج ويعجز عن معرفته من لا يملكون الحس النبوي من خلال هذا الفارس الذي كان يجلس مثل الأسد يمتلك عينين ثاقبتين تري الوطن واحتياجاته الذي أهله لأن يمتلك أن يقف في وجه الرأي العام.
مازلت أري في لمعان عيني ذلك الفارس الأسد كل ما يزودني بالشجاعة الأدبية التي امتلكها تلك الشجاعة التي عملتني أن هناك فرق بين المغامرة والرهان علي الحرية, هناك فرق بين صاحب السلطة وبين صاحب السلطان, بين من يستطيع أن ينمق الكلمات وبين من يملك الكلمة.
أقول لأنطون سيدهم, هذا ما عشت طويلا قبل أن أنضوي في صفوف وطني وحاولت أن أقوله لك, ولم تسمح الظروف أن أقوله, وها أنا في العيد الخمسين لصحيفة وطني أقول لك إني أحبك وتعلمت منك كيف أعيش الحاضر بعيون المستقبل. طب حيا وميتا يا رفيق.. هذه باقة كلمات أضعها لروحك.
سليمان شفيق