يقصد بالحصانة القضائية عدم القبض علي عضو الهيئة القضائية أو حبسه عند ارتكابه لجناية أو جنحةإلا بقيود خاصة وبعد استئذان جهات حددها المشرع لهذا الأمر,وهذه الضمانات تؤدي حقيقة إلي توفير حماية لشخص القاضي قصد بها أصلا حماية وظيفته,وهذه الحماية يختلف قدرها من هيئة لأخري ومن جريمة لأخري وقد تنتفي هذه الحماية في حالتي التلبس بارتكاب الجريمة وفي حالة الطوارئ.وفي الأخيرة يؤخذ بها في أضيق نطاق في ظل عهد الرئيس مبارك ــ وبل لم يرد لعلمنا حالة محددة للمساس بهذه الحصانة في ظل العمل بالطوارئ.
والبعض يري أن هذه الحصانة لا لزوم لها في حالة المخالفات إذ هي جرائم بسيطة وضررها لا يكاد يذكر,ويري البعض الآخر ضرورة الأخذ بها في هذه الحالات من باب أولي ولعل هذا الرأي الأخير هو الساري إذ لا يحاسب أعضاء الهيئات القضائية علي مخالفات المرور مثلا فأهميتها بسيطة لا تستأهل توجيه الاتهام لهم سيما التي لا تمس حقوق المواطنين الآخرين
وعلي كل حال يجب أن يكون معلوما لدي الكافة أن القضاة وأعضاء الهيئات القضائية وأيا كانت درجاتهم في السلم الهرمي للوظائف القضائية غالبا ما تطبق عليهم المعايير القاسية ويحاسبون بحسم وشدة عن طريق جهات التفتيش القضائي بكل جهة قضائية.
وحتي لا تتهم هذه الهيئات بمحاباة أعضائها فمعيار المحاسبة هو دائما شديد الوطأة عليهم وحتي إن لم يشعر بذلك المواطن العادي لأن نظام الحصانة كما سبق القول تقرر أصلا لحماية الوظيفة القضائية ذاتها حتي وإن تمسح به البعض ولحسن الحظ فهذا البعض قلة لا تذكر وتحاسب أشد الحساب,وليكن معلوما أيضا أن كثيرا منهم يحالون للمعاش لعدم الصلاحية.
والحصانة تلك ولأنها ترتبط بثبوت الصفة القضائية من ثم يمكن القول بأنها تسري علي القاضي بعد استقالته أو بعد انتهاء خدمته طالما أن الجريمة وقعت منه أثناء شغله لوظيفته.
وقانون السلطة القضائية قضي بعدم جواز اتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق مع القاضي أو رفع الدعوي الجنائية عليه في جناية أو جنحة إلا بإذن لجنة خاصة وبناء علي طلب من السيد المستشار النائب العام بل أن هناك اتجاها قضائيا يمنع حتي اتخاذ الإجراءات التمهيدية ضده دون مثل هذا الإذن.
وبالنسبة لأعضاء مجلس الدولة فالمادة 91 من قانون المجلس رقم 47 لسنة 1972 وقد نصت بصراحة تامة علي أن أعضاء مجلس الدولة غير قابلين للعزل ويسري عليهم الضمانات والحصانات التي يتمتع بها القضاة بل أنه بالنسبة إليهم فإن المختص بإعطاء الأذن في السير في الإجراءات ضدهم هو مجلس التأديب الخاص بهم ومن ثم يشكل إذن المجلس ضمانة أخري لهم علاوة علي الضمانة المقررة لهم المماثلة لضمانة القضاة.ومجلس التأديب هذا يشكل من كبار مستشاري المجلس الأعلي للقضاء الإداري وإذا ماسارت الإجراءات ضد القاضي أو عضو النيابة العامة أو القاضي أو المستشار بمجلس الدولة أو حبس احتياطيا أو صدر ضده حكم جنائي فإن حبسه إنما يكون بصريح القصد في غير الأماكن المخصصة للسجناء العاديين وهو ما يطبق من باب أولي علي مستشاري ومفوضي المحكمة الدستورية .
وتزداد الحصانة قوة أكثر بالنسبة لهؤلاء أعضاء المحكمة الدستورية العليا ومفوضيها الموقرين إذ يلزم لاتخاذ الإجراءات ضد أحد منهم إذن الجمعية العامة لهذه المحكمة العظيمة,وبصفة عامة فإن هيئات رفع الحصانة إنما تزن الأمور بميزان المشروعية الدقيق ولا غرو فقد تم رفض رفع الحصانة في حالات تأكدت فيها كيدية الشكوي ضد الأعضاء وكان الرفض في محله تماما.
أما أعضاء النيابة الإدارية المحترمين فإن المادة 40 من القانون رقم 117 لسنة 85 لا تجيز القبض عليهم في غير حالات التلبس إلا بإذن خاص يصدره المحامي العام مع ملاحظة أنه يعلو علي سيادته في سلسلة التدرج الهرمي لوظائف النيابة العامة :المحامي العام الأول والنائب العام المساعد ثم معالي النائب العام ويجري سجنهم أيضا في غير الأماكن المخصصة للسجناء العاديين وذات الأمر يسري علي الزملاء الأفاضل بهيئة قضايا الدولة.
وأيا كانت الحصانة المشار إليها وشدتها وتعقد وسهولة إجراءات رفعها فإن العمل قد جري واستقر علي احترام كل أعضاء هذه الهيئات بصورة تحفظ كرامتهم بما لا يخل بحقوق المواطنين الآخرين أو المتضررين منهم وكل جهات الأمن والجهات الرقابية الموقرة عندهم صور من الكتب الدورية الصادرة في هذا الشأن وهي وفي الحقيقة ومن تلقاء نفسها أيضا تنشط لتوفير الحماية وصون الكرامة لعضو الهيئة القضائية وبل تترك دائما مواصلة الإجراءات ضده للأسرة القضائية وتنفيذها للأوامر في هذا الخصوص دائما تشوبه مظاهر الاحترام واللياقة.
علي أنه يتعين القول أن كلما زاد الوعي وتعمق الإحساس بالديموقراطية قلت تجاوزات المواطنين للقانون وزاد احترام أعضاء الهيئات القضائية لمناصبهم وقلت مخالفاتهم حتي البسيطة سواء في حياتهم الوظيفية أو حياتهم الخاصة,وجدير بالذكر ــ وقد لا يعرف البعض ذلك ــ أن الهيئات القضائية تبادر من تلقاء نفسها بمحاسبة أعضائها المقصرين عن طريق أجهزة التفتيش القضائي بها وتتخذ كل الإجراءات بشأن التحقيق في أية مخالفة فلا تمر شكوي ضد أي عضو في أية هيئة قضائية مرور الكرام كما يقال بل تناقش وتتخذ بشأنها كل الإجراءات للتحقق من مدي جديتها وإن جري ذلك في سرية تامة حرصا علي كرامة الهيئة أولا والعضو ثانيا وكثيرا ما يوقع علي العضو أشد العقوبات التأديبية.
وأخيرا نود أن نقول إن هناك دولا يتمتع فيها مثل هؤلاء بأقصي درجات الحماية حتي لو لم ينص دستورها أو قوانينها علي هذه الحصانات ,وهناك دول لا تساوي الحصانة الورق الذي كتبت عليه بنودها والحمد لله أن دولتنا لازالت تعتد بقضائها وتحترم رجاله وتوفر درجة عالية من الحماية لهم ولوظيفتهم ولازال الأغلب الأعم ممن أشرنا إليهم في غاية الاحترام والالتزام وفي مسلك معالي رئيس الجمهورية الأخير مما يؤكد حرص سيادته علي نحو تثبيت الحصانة لهؤلاء إعمالا للصالح العام وتطبيقا للدستور.