من لايعرف الماضي لايحسن الحديث عن المستقبل…وبمجرد رجوعنا إلي الذاكرة الوطنية نجد نضال شباب من أبناء مصر قاد الجماهير في معارك التضحية والفداء شباب هم صوت الشعب وعقلها المفكر وقلبها النابض – كانت الحركة الطلابية المصرية تعبيرا مستمرا عن التمرد تتدفق في الشوارع رافعة رايات التمرد وكان سلاحهم هو التظاهر الدائم والمستمر حتي قيام الثورة.
ظهرت الحركة الطلابية بقوتها في بداية القرن العشرين وكامتداد لبذور بدأت في عصر النهضة في عصر محمد علي باشا وتحولت البذرة الطلابية إلي جنين في رحم ثورة عرابي وحبت ونمت في ظل الاحتلال البريطاني تشهد جرائمه وتحس بالآم القهر والظلم,حتي شبت عن الطوق وظهرت علي مسرح الأحداث كإضافة فاعلة لقوي مصر الثائرة في ثورة 1919.
واكتسبت الحركة الطلابية شرعيتها الجماهيرية بعد التأييد الشعبي الجارف كما اتسمت منذ اللحظة الأولي بترسيخ وتعميق الوحدة الوطنية…عندئذ أدرك الإنجليز أنهم أمام ثورة شعبية يقودها طلاب مصر…وتغير مسار الحركة الوطنية تغييرا جذريا يبدأ من القاعدة إلي القمة لهذا قررت بريطانيا إرسال شخصية بحجم جنرال اللنبي للقضاء علي الثورة وتثبت الحماية…الذي اضطر إلي اتخاذ القرار القاسي وأعلن الإفراج عن سعد وعمت البلاد مظاهر الفرح والابتهاج…هكذا نضجت الحركة الطلابية من نضالها طوال الثلاث السنوات وتراكمت تجاربها فازدادت خبرة وتمرسا بأساليب الصراع.
اندلعت الثورة مرة أخري في كافة انحاء البلاد بمجرد ذيوع اعتقال سعد وصحبه في 23ديسمبر 1921 وتعاملت السلطة بقسوة في محاولة سحق الثورة وأنشأ اللنبي المحاكم العسكرية الميدانية ونشرها في كل الأقاليم وأخذ يصادق يوميا علي أحكام بإعدام المصريين ورغم ذلك بقي الطلبة يثورون وبرزت فكرة المقاطعة الاقتصادية.
ولم يكن أحد يتخيل النتائج التي سوف تنجم عن هذه الحرب الاقتصادية التي أفلست بعض المحلات التجارية.
وأمام إصرار الشعب علي التضخية والفداء صدر تصريح 28فبراير 1922 وألغت الحكومة البريطانية الحماية البريطانية وأعلنت أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة وأعادت وزارة الخارجية للوجود حيث ألغيت بعد الحماية كما اتسع المجال لوضع دستور للبلاد لما قدمه الطلاب من تضحيات خصص سعد زغلول لهم مقعدا في مجلس النواب الأول يكون وقفا عليهم ورشح لهحسني يس زعيم الطلبة.
اندلعت مظاهرات الطلبة ضد حكومة زيور باشا وكانت الشعارات موجهة ضده وضد الإنجليز والملك…وقامت حملة واسعة في البلاد تطالب بتطبيق الدستور لذلك اعتبر 3نوفمبر 1925 عيدا للجهاد حيث انطلقت حركة طلابية تدعو إلي عودة الحياة النيابية وسقوط حكومة الإنجليز وحسن نشأت ذنب السراي وقواعد نواب الأمة الاجتماع الذي كان أهم ثمراته الإطاحة بحسن نشأت, وبطرده أصبح الباب مفتوحا أمام انتخابات جديدة وحققت الحركة هدفها في الدفاع عن الدستور واطمأنت لوجود أغلبية ساهرة علي حمايته.
وجاء إعلان إسماعيل صدقي بإلغاء دستور 23 وإعلان دستور جديد 1930 ليعطي كل السلطات للملك, هب طلاب مصر فورا ضد إصدار الدستور ونشبت معارك كان أعنفها فيالخديوية الثانوية وكان من هول هذا أن أعلنت البلاد كلها الإضراب العام تضامنا مع الطلبة وجند الطلبة أنفسهم لمقاطعة الانتخابات ونجحوا في حملتهم بشكل منقطع النظير واستمرت المظاهرات والحركات عامي 32و 33 فمال الملك لتهدئة الوضع الداخلي وأوعز لحكومة توفيق نسيم بإلغاء دستور 1930 وذلك في نوفمبر 1934 لكن أصدر الطلبة علي عودة دستور 23 كاملا بينما كان الإنجليز راغبين في تعديل هذا الدستور لتقليم أظافر الأغلبية وصرح سير صمويل هور وزير خارجية بريطانيا بأنه لا دستور 1923 ولادستور 1931. الأول غير صالح للعمل والثاني لا ينطبق علي رغبات الأمة…ما أن سمع الطلاب بتصريح هور في 9 نوفمبر 1935 حتي هبوا مؤكدين تمسكهم بدستور 1923 ولم تكد تغادر هذه المظاهرة سرادق الوفد حتي انهال عليها الرصاص وأصبح هذا اليوم في تاريخ الحركة الطلابيةيوم الشهداء.
ظللنا في الأربعينيات نحتفل به مخلدين ذكراهم وأعلنت الأمة الحداد التام علي أبنائها الطلبة الشهداء…وأمام هذا الاجتماع ونتيجة لهذه التضحيات كان إعادة دستور 23 أمرا حتميا لهذا استحق هذا الانتصار أن يلقب بـثورة 35 وإن كان المؤرخ عبد الرحمن الرافعي يعتبر سنة ثورة.
ويسجل التاريخ خروج أكبر حشد جامعي في 9فبراير 1946 وخروج الآلاف في مظاهرة نحو قصر عابدين وكان شعارها الجلاء لا مفاوضة بعد الجلاء ولم تكد تمر الجموع علي كوبري عباس حتي فتحه فصمم الطلبة علي اجتيازه وحاصرتهم قوة البوليس من الجانبين وانهالت علي الطلبة بالضرب, وقعت المظاهرة في كمين مدبر بين قوات سليم زكي وقوات فيتز باتريك مذبحة كوبري عباس وهبت المظاهرات في جميع أنحاء مصر واضطرت الوزارة إلي الاستقالة في 15فبراير 1946 ولكن السراي تحدي الشعب واختارت إسماعيل صدقي لرئاسة الوزارة وتكونت لجنة وطنية بين الطلبة والعمال وأصدرت اللجنة قرارا هاما هو اعتبار يوم 21 فبراير 1946 يوم الجلاء والجلاء التام للقوات الإنجليزية وتدويل القضية المصرية والتحرر من العبودية واستجابة لقرار اللجنة الوطنية ولأول مرة في تاريخ مصر من الإضراب في الإسكندرية إلي أسوان واغلقت المصانع وخرج طلاب المدارس وهزت الفاجعة الشعب كله وكان 21فبراير بداية هزيمة الاستعمار الإنجليزي إذ قرر أن ينحسب أمام الإصرار الشعبي وأن يجلو بجيوشه وأسلحته عن المدن الكبري واستمرت المظاهرات تصعيدا للنشاط الطلابي في 1951 فكان هناك علي الأقل 15 إضرابا وفي ديسمبر أنشئت تسع وثلاثون لجنة وطنية طلابية بالقاهرة وتحولت الجامعة نفسها إلي معسكر تدريب عسكري وتم إرسال الكتيبة الأولي من فدائي الجامعة إلي منطقة القناة في 9نوفمبر 1951.
وبعد قيام ثورة يوليو يعد عام 1954 بداية مرحلة طويلة من الركود بالنسبة للحركات الطلابية فأصبحت مستأنسة نسبيا وبدأ عبد الناصر يكتسب شعبية داخل الكتلة الطلابية بعد أن قام نشط في مؤتمر باندونج بأندونيسيا كما ذكر د.رفعت السعيد في كتاب منظمات اليسار المصري 1950-1957!
وكانت انتقاضة فبراير 1968 هي رد الفعل الأول للطلاب علي الهزيمة وبداية تحديهم للنظام واندلعت الانتقاضة في 21 فبراير علي يد عمال حلوان فور إعلان حكم المحكمة العسكرية في قضية ضباط سلاح الطيران المتهمين بالإهمال والذين كان الرأي العام يري أنهم مسئولون عن جانب كبير من الهزيمة العسكرية, وتصاعدت الأحداث التي بدأت تحول إلي انتقاضة جماهيرية واسعة وتصادف أن يوم 21فبراير هو يوم الطالب المصري الذي يحتفل به الطلبة سنويا في ذكري الخميس الدامي عام 1946 وتحولت الاحتفالات بذلك اليوم إلي سلسلة من حلقات النقاش السياسي خرج بعدها الطلاب من بوابات الجامعة ولأول مرة منذ عام1954 والتحموا مع العمال وكان لطلبة كلية الهندسة بجامعة القاهرة دور كبير فقد شكلوا وفدا كبيرا منهم وتظاهروا أمام مجلس الأمة وسمح لهم بعد ذلك بالدخول لتقديم مطالبهم لرئيس المجلس أنور السادات وعبروا عن مخاوفهم من الاعتقال عند تسجيل أسمائهم مما دعا السادات أن يوعدهم بعدم الاعتقال ولكن تم اعتقالهم بعد ذلك وفي اليوم التالي قرر الطلبة اعتصامهم في الكلية رغم تعطل الدراسة وتم استدعاء أولياء الأمور لحث أبنائهم علي التخلي عن حركتهم وانتهي الاعتصام الذي استمر 3أيام بتقديم مطالبهم لرئيس مجلس الأمة واتضح أن ثلاثة من هذه المطالب تدور حول المسألة الديموقراطية.
بعد تولي الرئيس السادات الحكم في سبتمبر 1970 وتخلصه من منافسيه علي السلطة في مايو 1971 جعل من الحرية السياسية شعارا لما وعد به منتصحيح للنظام السياسي وأن يكون عام الحسم لتحرير الأراضي المحتلة.
وفي أعقاب خطاب السادات في 13يناير1972 الذي برر فيه عجزه عن الوفاء بوعده في جعل عام1971عام الحسم بسبب اندلاع الحرب الهندية الباكستانية وانشغال الحليف السوفييتي بهذه الحرب وبدأ الطلاب في الجامعات المصرية بتنظيم حلقات النقاش وإصدار بيان موحد لتوصيله للرئيس السادات في بيته مع دعوته للحضور للجامعة للإجابة علي تساؤلات الطلاب, ولم يجد الطلاب إجابة واضحة من سكرتارية السادات, ومع هذا التجاهل بدأ حوالي 100 طالب بالاعتصام في جامعة القاهرة وفي فجر 24يناير قامت قوات الأمن المركزي بمداهمة الجامعة والقبض علي الطلاب فاستلمت قيادات الاعتصام في جامعة القاهرة بهدوء أما جامعة عين شمس فحدثت فيها صدامات مع الأمن وتم اتخاذ قرار بإغلاق الجامعتين وبدء عطلة نصف العام الدراسي قبل موعدها.
وبرغم قرار الإغلاق تدفق نحو 20 ألف طالب إلي وسط القاهرة حتي وصلوا إلي ميدان التحرير حيث عجزت قوات الأمن عن تفريقهم وانتقل الاعتصام من الجامعات إلي ميدان التحرير وفي المساء اعتصم الشباب حول قاعدة التمثال وسط ميدان التحرير وتم تشكيل لجنة وطنية من الشباب لتنظيم الاعتصام وقد حاول بعض السكان مساعدة الشباب المعتصم في الميدان بمدهم بالطعام والأغطية وفي ساعة متأخرة من الليل طالب قائد قوات الأمن المركزي بتفرق شباب الجامعة المعتصم ولم يستجيبوا له فأمر باستخدام القوة في تفريقهم وانطلق الشباب في مجموعات أصغر تطوف المنطقة التجارية وسط القاهرة وهم ينشدون(اصحي يا مصر). شهد صيف 1972 إرهاصات موجة ثانية من الاضطرابات بعد أن تشكلت ثلاث قوي وهي الناصريون وتيار اليمين الإسلامي وتيار اليسار الشيوعي المصري واشتعلت الانتفاضة نتيجة لاحتدام الصراع بين هذه القوي وبدأت الأحداث بتنظيم مسيرات بتحريض من الحكومة ضد الشيوعيين باستخدام بعض مؤيدي الحكومة من الطلبة وقرر السادات في مجلس الأمن القومي إلقاء القبض علي زعماء الحركة ودعا في خطابه مساء 29ديسمبر 1972 إلي ممارسة الديموقراطية بلاخوف وحذر بأنه لن يسمح بأن يضلل شباب البلاد بواسطة اليمين المتطرف أو اليسار المغامر, وكان هذا إشارة لوزير الداخلية للقبض علي القيادات الطلابية وكان معظمهم من الماركسيين وقليلا من الناصريين.
لعبت الحركة الطلابية كقوة أساسية اجتماعية في الفترة ما بين 1967 إلي 1973 دورا مهما للضغط علي السلطة من أجل استعادة كرامة البلاد باسترداد أراضيها المغتصبة وظلت القضايا الوطنية والنظام الاجتماعي والسياسي للبلاد بمثابة المحرك الرئيسي للنشاط الطلابي وتتمتع الطلاب بالتأييد الوجداني للأغلبية الصامتة سياسيا عن الشعب وظل الشباب أهم مقودات الأمة التي تتوجه إليهم أوقات المحن كفرسان متفانين معلنين تغيير النظام وهم من يهبون هذا الوطن العظيم أعظم حرية.