نادرا ما تذكر عبارتا ##فرصة## و##الشرق الأوسط## في الجملة نفسها, وذلك لسبب وجيه, فالشرق الأوسط جزء من العالم,حيث غالبا ما كانت النزاعات تحدد مجري التاريخ, ويكتنف المنطقة شعور باليأس لأسباب أخري أيضا: فهي متخلفة عن أوربا وآسيا وأمريكا اللاتينية ومعظم أفريقيا من نواح اجتماعية كثيرة, بما فيها نوعية التعليم, ووجود المؤسسات الديموقراطية, ومعاملة البنات والنساء.
علي الرغم من ذلك, قد تتوافر فرصة الآن, للتوصل إلي سلام بين إسرائيل وسوريا, وهما بلدان في حالة حرب منذ أكثر من ستة عقود, الفرصة متاحة مع أن سوريا كانت داعمة أساسية لكل من حماس وحزب الله, وهما المجموعتان اللتان خاضتا معارك ضد إسرائيل أخيرا, علي الرغم من أن إسرائيل هاجمت, قبل 18 شهرا فقط, موقعا سوريا يشتبه بأنه جزء من برنامج جديد لإنتاج الوقود النووي.
لا يجب أن تكون هذه الفرصة مفاجئة, فقد تفاوضت سوريا وإسرائيل حول اتفاقيات جزئية في السابق (في أعقاب حرب عام 1973 مثلا) وكادتا تتوصلان إلي معاهدة سلام شاملة مرات عدة, المبادئ الأساسية لأية اتفاقية ــ إعادة إسرائيل لهضبة الجولان بالكامل مقابل الاعتراف الدبلوماسي والسلام الرسمي ــ معروفة جيدا ومقبولة من كلا الطرفين, بما في ذلك الكثير من المحافظين في إسرائيل, وبعد نحو عقد في السلطة, يبدو أن الرئيس السوري بشار الأسد أصبح قويا بما يكفي لتخطي المقاومة الداخلية للسلام مع إسرائيل,وقد يتمكن من تحقيق ما عجز عنه والده: ألا وهو توحيد سوريا.
خلال زيارة قمت بها حديثا إلي دمشق, قال لي أحد كبار المسئولين إن سوريا مستعدة لعقد اتفاقية سلام منفصلة, اتفاقية ثنائية لا تتضمن حلا للقضية الفلسطينية, ويبدو أن سوريا مستعدة أيضا للابتعاد عن إيران,الأشخاص الذين التقيتهم في دمشق يبدون أكثر اهتماما بتعزيز العلاقات مع العراق, وهو بلد عربي متعدد العرقيات يقع علي حدود سوريا, من المحافظة علي العلاقة الوطيدة بالنظام الشيعي الثيوقراطي في طهران.
لطالما سعت إسرائيل إلي إقامة سلام مع سوريا. وبعد التوصل إلي معاهدات سلام مع كل من مصر والأردن, من شأن اتفاقية سلام مع سوريا أن تجعل لبنان ##دولة المواجهة## الوحيدة بين جارات إسرائيل المباشرة,هذا سيتيح لإسرائيل أن تركز علي تحديات أمنية أخري, مجموعات مسلحة متطرفة مثل حماس وحزب الله, وحكومة إيرانية تدعم الإرهاب وتعمل جاهدة علي تخصيب اليورانيوم, وهو المكون الأساسي للأسلحة النووية.
فضلا عن ذلك, فإن الإسرائيليين أكثر تقبلا لإقامة سلام مع سوريا منه مع الفلسطينيين. عشرات آلاف الإسرائيليين يعيشون في هضبة الجولان, وليس مئات الآلاف, فهذه الأرض أصغر حجما بكثير من الضفة الغربية وغزة وهي ذات قيمة استراتيجية, وليس دينية, والمقاومة السياسية الداخلية للتخلي عن هضبة الجولان, علي الرغم من حدتها, لا تقارن بالمعارضة الداخلية للتخلي عن الأراضي الفلسطينية التي تم الاستيلاء عليها أيضا عام .1967
يمكن تعزيز أمن إسرائيل من خلال جعل الأراضي التي تتم إعادتها إلي سوريا منطقة منزوعة السلاح, ويمكن الاستعانة بالتكنولوجيا التي توفر أنظمة تحذير مبكر,ويمكن أيضا نشر قوات حفظ سلام هناك (ربما من الأمريكيين) شبيهة بتلك المنتشرة في سيناء لدعم السلام بين إسرائيل ومصر, كما أن القيادة السورية قوية بما يكفي لتفي بتعهداتها الأمنية, وهو أمر لا تستطيع القيادة الفلسطينية الضعيفة والمنقسمة القيام به.
ثمة حافز إضافي يدفع إسرائيل إلي المساومة: فسوريا في موقع فريد يتيح لها التأثير في السياسة الفلسطينية, دمشق هي قاعدة لحماس, والسوريون يقدمون الدعم للمجموعة, ومن المحتمل أن رغبة سوريا في تطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة, الانضمام إلي منظمة التجارة العالمية, ورفع العقوبات الأمريكية عنها, والحصول علي مساعدات اقتصادية عربية, قد تدفعها إلي الحد من دعمها لحماس.
أية اتفاقية بين إسرائيل وسوريا ستتطلب ضغطا من الخارج. كانت تركيا ترعي المحادثات بين البلدين, لكنها غير قادرة علي إنجاحها بمفردها. وعلي الولايات المتحدة أن تشارك فيها, طوال معظم عهد إدارة جورج دبليو بوش, عوملت سوريا وكأنها عضو في محور الشر, وفرضت عليها عقوبات شديدة ,لكن عدم محاورة سوريا أضعف النفوذ الأمريكي, وليس مكانة الحكومة في دمشق, الأسبوع الماضي اجتمع سفير سوريا في واشنطن, عماد مصطفي, مع مساعد نائب وزيرة الخارجية الأمريكية, جيفري فيلتمان, وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح.
قد يصعب التوصل إلي سلام مع سوريا, لكن من شبه المستحيل تحقيق السلام في المنطقة من دونها, الرئيس أوباما يري أن الحوار أداة وليس مكافأة, وهو محق في ذلك. آن الأوان لاستخدام هذه الأداة, ورؤية ما يمكن بناؤه بواسطتها.
هاس, كاتب في نيوزويك ورئيس مجلس العلاقات الخارجية, وهو أيضا مؤلف كتاب سيصدر في مايو بعنوان War of Necessity War of Choice: A Memoir of Two Iraq Wars حرب ضرورية, حرب اختيارية: مذكرات عن حربين عراقيتين.