التوحيد والتثليث…ذلك الفكر الديني الذي صار يداعب عقول الكثيرين ويثير تساؤل البعض منهم,وقد ورد ذكره في العصور المصرية القديمة قبل الميلاد بمفهوم ديني فلسفي,كما أن المسيحية أعطته عمقا, تلك العقيدة التي رسخت هذا الفكر علي أساس سليم وتوجت بعقل مستنير غايته التقرب إلي الإله الواحد الواهب الحياة.
ويعتقد البعض أن الديانة المسيحية أخذت فكرة التثليث والتوحيد عن الديانة المصرية القديمة,ولكن هذه النظرية خاطئة بالطبع.
التثليث عند القدماء
لكل إنسان ثالوث أو كيان أبوي آمر هو الفكر الذي يقوده لفعل شئ ما وأيضا هناك كيان مجيب أي استجابته للفكر الذي دار بعقله واسمه كيان بنوي,ولأن الإنسان فيه نسمة حياة ولازال قلبه ينبض إذا الروح هي ثالث ثالوث .وطالما أقول لنفسي أن تنهض وتذهب إلي جهة ما,فتطيع نفسي واتجه إلي ذاك المكان.فبالتالي الكيان الآمر والكيان المطيع كلاهما في شخص واحد يتفاعلان فيه.
لكن الأمر يختلف عند المصريين القدماء,وفكرة التثليث والتوحيد عند المصريين القدماء منقسمة إلي شقين منفصلين:التثليث بفلسفته,والتوحيد بمفهوم آخر.
آمن المصري القديم بالثالوث منذ آلاف السنين بـ(Triad) وهو عبارة عن مجموعة مرتبة من الآلهة في نظام لا يتغير(أب وأم وابن)وهناك أكثر من ثالوث اشتهرت به الديانة المصرية القديمة مثل:ثالوث طيبة الأقصرحاليا ويتكون من الإله آمون والابن الإله خونسو وزوجة آمون الإلهة موت:
*الإله آمون يتمثل في شكل إنسان يعلو رأسه تاج بريشتين ويلقب بسيد عروش الأرضين.
*الإلهة موت زوجة آمون,تظهر علي شكل أنثي كاملة أو بأنثي برأس لبؤة وتلقب بموت سيدة السماء.
*الإله خونسو هو العضو الثالث في ثالوث طيبة ومن بين صفاته أنه إله القمر ويظهر علي شكل شاب يعلو رأسه الهلال.
ثالوث آخر كشفت عنه صفحات التاريخ هو ثالوث ميت رهينة أقدم عواصم المملكة المصرية القديمة,ويتكون من الإله بتاح وزوجته الإلهة سخمت والإله نفرتوم الابن:
*الإله بتاح هو رب الفنون والحرف ويظهر علي شكل إنسان برداء محبوك وقلنسوة.
*الإلهة سخمت الزوجة وهي إلهة القوة والبطش في مصر القديمة تظهر علي شكل لبؤة أو أنثي برأس لبؤة يعلو رأسها قرص الشمس وثعبان الكوبرا وتلقببسخت العظيمة سيدة الأرضين.
*نقرتوم العضو الثالث في ثالوث ميت رهينةمنفويظهر علي شكل إنسان تعلو رأسه زهرة اللوتس وريشتان واللقب المصاحب لهنفرتوم حامي الأرضين.
ونعلم جيدا الثالوث الشهيرأوزيريس-إيزيس-حورسويعرف بالثالوث العام:
*الإله أوزيريس إله العالم الغربي ويرمز له بشكل إنسان يلبس تاجا ولقبه أوزير سيد الأبدية.
*الإلهة إيزيس وزوجته ظهرت علي شكل أنثي يعلو رأسها علامة العرش وهي رمز الخير والعطاء والأمومة ومن أكثر الآلهات تأثيرا في العقائد المصرية حتي نهاية العصر الروماني وتلقب بـإيزيس العظيمة.
*الإله حورس يظهر علي شكل إنسان برأس صقر.
أما الحديث عن عقيدة التوحيد عند المصريين القدماء فقام الملك إخناتون بتثبيت أساساتها وتعميق جذورها في حوالي سنة1450 ق.م حيث أخذ علي عاتقه بناء مدينة تل العمارنة لتصبح مقر ديانته وقاد ثورة دينية لم يسبق لها مثيل في قوتها ومعارضها للمعبودات الأخري.ولم يكترث بالثالوث المقدس. فكان الإله آتون هو الإله الواحد باعث الحياة لكل المخلوقات وتمثل آتون في هيئة قرص الشمس الذي يرسل أشعته إلي الأرض وتنتهي الأشعة بأيد بشرية تمسك بمفتاح الحياة والمعروف بـالعنخولم يؤمن إخناتون الملك بقرص الشمس فحسب,بل آمن بالطاقة الكامنة فيه والتي تمنح الناس السعادة والحياة.
ولكي يؤكد إخناتون إيمانه بالوحدانية ويبث شعاع نور عقيدته في قلوب المصريين,بدأ في تغيير نمط نحت التمثال,فلم يقنع بالمثالية التي صورها الفن في عصر الأسرة الثامنة عشر والتاسعة عشر ولم يظهر التمثال في أبهي صوره.
بل آمن بالحقيقة المجردة والتي أطلق عليها المصري القديمالماعتوقدمها إخناتون في تماثيله,فلأول مرة نجد الملك يبكي إثر وفاة ابنته ويكتمل الإبداع عندما نري إحدي بنات إخناتون في حضنه يقبلها بينما تدير الأميرة ابنته وجهها لتستقبل قبلته الدافئة,وقد لمست ذراعه برفق.
وأشعل إخناتون نيران العقيدة الآتونية في قلوب الشعب بمختلف طبقاته,حيث بدأ رجال الدين وكهنة المعابد يعترضون علي تلك الفلسفة فلم يبال الملك لاعتراضهم بل اتجه إلي عاصمته الجديدة والتي ذكرت اسمها من قبل وهيتل العمارنةوأطلق عليها اسمآخت آتونوترك العاصمة الرئيسية للبلادالأقصر,ثم بات الشعب يتعبد للإله الواحد آتون,وثبت إخناتون عقيدته بمتانة.
المراجع:
The Egyptian museum:Samir Adib
-اللغة المصرية القديمة:د.عبد الحليم نور الدين.
-لاهوت المسيح:البابا شنودة الثالث.
-معجم الحضارة المصرية:جورج بوزنار.