ثلاثة أشهر وتزيد مضت علي ثورة 25 يناير ولايزال الأداء يراوح مكانه من شائعات متكررة يتسبب في إزكاء نار الفتنة فضلا عن الأداء الذي أفقد الدولة هيبتها فصار المواطن الصالح يعيش في رعب وأصبح المواطن الطالح يعيث فسادا ويضاف إلي ذلك التناقض في إدارة السلطة المدنية للأزمات حيث اتصل مدير مباحث إمبابة والأحداث تنفجر بإمام السلفيين الشيخ محمد علي شيخ مسجد التوبة بإمبابة لتهدئة الآلاف ممن يحيطون بكنيسة مارمينا بإمبابة اعتقادا منهم أن صاحبة المشكلة عبير محتجزة بالكنيسة فماذا عن إدارة السلطة المدنية للأزمات سواء التردد في استخدام القوة أو في اللجوء لرجال الدين لحل الأزمات ودور البلطجية.. هذا ما يدور حوله هذا التحقيق.
الدولة أحسنت
بداية قال عمار علي حسن الباحث السياسي: كنت أتمني من الدولة أن تأخذ خطوات استباقية قبل حدوث الفتن الطائفية ومنها أحداث إمبابة مؤخرا, لاسيما أن هناك عدة مؤشرات منها: حشد أو تجمع السلفيين أمام الكاتدرائية منذ أيام, والتشاحم عبر الموقع الاجتماعي فيس بوك من قبل بعض الشباب السلفيين والمسلمين, في ظل احتدام أزمة كاميليا شحاتة, والمؤشر الرابع وهو الحكم علي وزير الداخلية السابق حبيب العادلي بالحكم المشدد, بالإضافة إلي صدور بعض القرارات بالاستغناء عن بعض اللواءات من جهاز أمن الدولة السابق في الفترة الأخيرة واستبعاد عملهم في جهاز الأمن الوطني, كل هذه الأمور عجلت بإثارة أزمة إمبابة.
وبوجه عام أحسنت الدولة إدارة أزمة أحداث إمبابة بالقبض علي مرتكبي الواقعة وإعلان الضرب من حديد علي كل من يثير الفتن ويهدد الوطن.
غير منطقي
قال اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمني: أحداث إمبابة ترجع إلي عدة عوامل منها الأحداث الأمنية في الشارع المصري وعدم التواجد الأمني وضياع هيبة الدولة, أما الحديث عن النظام السابق والأيادي الخارجية في الأحداث فهذا الحديث غير منطقي, حتي الحديث عن الثورة المضادة أنها وراء الأحداث لماذا أيضا لم يتم القبض علي عناصرها ومحاكمتهم لوضع حد لما يحدث في الشارع المصري, وعموما يجب أن يشعر المواطن المصري الذي يسير في الشارع أن هناك حكومة قوية قادرة أن تحميه وهذا الشعور للأسف غير متواجد.
البلطجة والفتنة الطائفية
وقالت الدكتور عزة كريم أستاذة بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية: هذه الأوضاع رغم أنها صغيرة ولكنها متوقعة ولا ننسي أنه مر علي الثورة 100 يوم فقط, والنظام السابق لم يسقط بل رؤوس النظام, وأن 90% من البلطجة التي نشاهدها حاليا من تدبير النظام السابق, الذي كان يستخدم جيشا كاملا من البلطجية في الانتخابات أو بأي تمرد, ولابد أن نفرق بين البلطجية الجمعية المنظمة, والبلطجية الفردية نتيجة للفقر أو الجهل والذين ينتهزون أية فرصة ويمارسون بلطجتهم, هناك علاقة بين البلطجة والفتنة الطائفية وذلك عن طريق النظرية التي تقول إذا أردت أن تشيع عدم النظام في المجتمع أدخل الفتنة الطائفية فيه, وأقول في أحداث إمبابة يجب أن نعي أن ليس كل من يرتدي جلبابا في المشهد هو سلفي, هناك من البلطجية المدربين علي الكثير من الأدوات لإثارة الفتنة الطائفية, ولا ننسي أننا في مرحلة صراع بين النظامين القديم والحالي في مواجهة الفساد الذي كان مستشري.
ليست حديثة
من جانبه أشار د. مجدي بلال المحلل السياسي والاقتصادي: البلطجة في مصر لها تاريخ ومقصودة منذ أيام الملكية وليست حديثة, والانفلات كان موجودا من قبل 25 يناير وإن كان حاصلا علي دعم من أجهزة ممثلة من الدولة علي أساس أن الدولة تدعم النظام السلفي لتعادل نظام جماعة الإخوان المسلمين, فلابد أن نضع في الاعتبار أن ثورة 25 يناير جاءت نتيجة حكم 59 عاما من الحكم الاستبدادي وليس عهد مبارك فقط ولكن منذ وقت الرئيس محمد نجيب.
التباطؤ
كما أشار محمد زارع المحامي ورئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي: لابد أن نفرق بين البلطجة, والتطرف الديني, والفتنة الطائفية, فالبلطجة في مصر مترسخة وكانت وزارة الداخلية علي مدار 40 عاما تعتمد في عملها علي 16 ألف بلطجي في جميع الملفات ليست السياسية منها فقط وكان يتم استخدامهم في تسويد الانتخابات, فمن المستحيل التخلص منهم مرة واحدة, وما حدث في إمبابة ليس له علاقة بالإسلاميين – رغم اختلافي معهم – ولكنه مرتبط بالغوغائيين, لكن التباطؤ يخلق مزيدا من البلطجة والاحتقان والخسائر, والدولة لن تستقيم ولا الثورة ستنجح إلا بعودة الأمن مرة أخري للشارع المصري.
المشكلة النفسية
وعن وزارة الداخلية في تعاطيها للأمور قال الرائد محمد صلاح رئيس كتيبة بالأمن المركزي وعضو الائتلاف العام لضباط الشرطة: لابد أن نفصل تماما بين البلطجة والفتنة الطائفية لأن البلطجي هو فرد خارج علي القانون ويستفيد من سوء العلاقة بين الشعب والشرطة في الفترة الحالية بعد الثورة, وما حدث في إمبابة هو بلطجة من أجل البلطجة ليس له علاقة بالفتنة الطائفية, والمشكلة النفسية الأخيرة مازالت قائمة وهي عدم تقبل رجل الشرطة في الشارع بعد أحداث 28 يناير الماضي والمعروف بجمعة الغضب.
فيما أكد الرائد سامح الحسيني حراسات خاصة وعضو جبهة الدفاع عن الشعب والشرطة: الأزمة الحقيقية هي أن المواطنين في الأحياء الشعبية لم يسمع لهم أحد, وآن الأوان كوزارة داخلية أن نسمع لمشاكلهم وعلي وزارة الداخلية أن تفتح أبوابها للجميع لتحقيق كافة المطالب الشرعية.
البعض والبعض الآخر
من جانبه قال المفكر الإسلامي جمال البنا: يجب ألا نعمم في حديثنا علي أن كل السلفيين متشددون فهناك من السلفيين المعاصرين يمثلون أكبر نموذجا لسوء فهم الإسلام ومبادئه, حيث يملكون أفكارا مشوهة وتقليدية بها جمود فكري, والبعض الآخر منه معتدلون إلي حد ما.
الخطاب الديني
وعن رأي رجل الدين قال فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: لابد من العمل علي أن نتلافي ما حدث من أحداث إمبابة الأخيرة من خلال تفعيل القوانين والطرق بيد من حديد علي كل العابثين والمجرمين والمسجلين خطر, وعلي علماء الدين من الجانبين أن يركزوا في خطابهم علي الاعتراف بالآخر والتعامل والتكامل مع الآخر, من خلال منابر المساجد والكنائس والمدارس والجامعات والمعاهد للتأكيد الدائم علي قبول الآخر.