تسببت تهديدات تنظيم القاعدة في العراق مؤخرا والتي تمثلت في استهداف الكنائس المصرية في ظهور رفض شعبي ورسمي لهذه التهديدات, حيث أدان مجلس الوزراء ووزارة الخارجية والأزهر الشريف ووزارة الأوقاف هذه التهديدات, وأيضا حازت هذه التهديدات علي استنكار المجتمع نظرا لأنها موجهة لدور العبادة, والتي حرم الإسلام الاعتداء عليها.
وأكد خبراء ومثقفون أهمية الاستفادة من هذه التهديدات في إعادة الوفاق بين المصريين, وأهمية نشر التسامح والاعتدال والوسطية, وأن يتم إشراك المجتمع في مناقشة قضاياه وهمومه, وعدم ترك أسير للأفكار الظلامية, والتي استمرت لسنوات تؤثر في تركيبته الثقافية والاجتماعية.
حول الدروس المستفادة من هذه التهديدات, وكيفية التعامل معها مستقبلا… كان لـوطني هذا التحقيق:
قال الدكتور فؤاد السعيد كبير الباحثين بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية أن تهديدات القاعدة الأخيرة كشفت أن الجماعات الإرهابية لها أهداف سياسية, وأن رغبة القاعدة في فتح جبهات جديدة في بلدان مختلفة هو تكتيك الغرض منه لفت الأنظار إليها ومحاولة استعادة قوتها التي تلاشت خلال الفترة الماضية بعد الحرب علي الإرهاب والتي قامت بها الولايات المتحدة مع بعض الدول خلال الفترة الماضية.
أوضح د.السعيد أن التصريحات الأخيرة تكشف عن أن تنظيم القاعدة بدأ في فقد رشده ويبحث الآن عن لفت الأنظار بأي طريقة, وبالرغم من عدم قدرته علي تنظيم عمليات إرهابية في بلدان مختلفة نظرا لرفض المجتمعات العربية لما تقوم به القاعدة, لأنها تستهدف الأبرياء, وليس من العقول تبرير مثل هذه الحوادث الإجرامية. وإتقان المجتمعات العربية والإسلامية علي خطورة استغلال الدين في العمليات الإرهابية وزعزعة استقرار الأوطان.
نوه د.السعيد إلي أن الرفض الرسمي والشعبي لتهديدات القاعدة أكد علي الوعي الكبير للمجتمع المصري, وإنه مهما شهد المجتمع من مشكلات إلا أنها ستظل داخل القطر المصري, وليس من المسموح لأي جهة أن تقحم نفسها في قضايا داخلية, وبالتالي لابد من الاستفادة من هذه الدرجة من الرقي والتسامح في تصحيح مسار المجتمع الذي مال إلي الطائفية بشكل كبير قبل هذه التهديدات.
شدد د.السعيد علي أن الحكومات العربية تسببت في العقود الأخيرة إلي بث روح التفرقة بين المواطنين علي أساس الدين, ولم تستوعب مخاطر التوظيف السياسي للدين, وكانت معظم الأنظمة العربية تبحث عن استمرارها في الحكم حتي ولو علي حساب حقوق المواطنة, وهو ما ترتب عليه استمرار التدين الشكلي في المجتمع وانتشار الأصولية وتراجع معدلات التسامح, واستخدام المباريات الرياضية والمهرجانات الفنية في لفت أنظار المجتمع عن قضاياه الحقيقية, وبالتالي تكون النتيجة هي الاحتقان وضياع الحقوق, ومن ثم لابد من تلاحم المواطنين في مواجهة هذه التهديدات لإعادة الفكر المعتدل في المجتمع ومواجهة الأصولية بحزم.
من جانبه قال الدكتور ناجح إبراهيم المتحدث باسم الجماعة الإسلامية في مصر أن الاعتداء علي دور العبادة جريمة لا ترها الأديان السماوية, وأن استهداف الكنائس من قبل من قبل تنظيم القاعدة أو من أي جماعة إرهابية جريمة ينبغي مواجهتها, خاصة أن حماية دور العبادة لكل الرسالات السماوية هي مهمة الأغلبية المسلمة, مشددا علي أن الهجوم علي الكنائس أو قتل المدنيين أو أخذ المواطنين رهائن أمر محرم وينبغي إبراز ذلك حتي لا يستخدم شخص مثل هذه التهديدات بدون علم أو بدون وعي بشكل خاطئ.
استبعد د.ناجح تنفيذ عمليات إرهابية من قبل تنظيم القاعدة داخل مصر لعدم وجود روابط للتنظيم بها, وإنها الغرض من بث هذه التصريحات هو مخاطبة المسلمين البسطاء والشباب غير العالم بأمور الدين لاستخدام هذه التصريحات وتحويلها إلي عمليات إرهابية, وبالتالي لابد من نشر الفكر المعتدل, والتأكيد علي أن المصريين أمام القانون سواء, وفي حال وجود أي مشكلة فإن الحوار قادر علي مواجهتها دون الحاجة لعناصر خارجية.
وفي هذا الإطار أوضح اللواء عادل سليمان الخبير الاستراتيجي أن التنظيمات الإرهابية نجح الأمن المصري خلال السنوات الماضية في مواجهتها, ومن الصعوبة تنفيذ جريمة إرهابية منظمة, نظرا لإدراك القيادات الأمنية بخطوات التنظيمات الإرهابية ومواجهتها من جذورها, وربما تشهد مصر علي فترات متباعدة عمليات بدائية نتيجة قيام خلايا نائمة أو عشوائية بعمل ما دون تنظيم ولذلك الخسائر طفيفة مقارنة بقوة العمليات الإرهابية التي استهدفت المجتمع خلال تسعينيات القرن الماضي, وحجم الخسائر التي تكبدها المجتمع سواء من المدنيين أو رجال الشرطة.
أوضح اللواء سليمان أن تنظيم القاعدة في العراق استغل حالة التفكك الموجودة في العراق للاعتداء علي المسيحيين في كاتدرائية سيدة النجاة نتيجة تردي الأوضاع الأمنية, وفي محاولة منه لاستغلال حالة الاحتقان التي ظهرت في المجتمع المصري خلال الفترة الماضية بث تهديدات للكنيسة المصرية, وبالرغم من معرفة الأمن بعدم أهمية هذه التهديدات إلا أنه تعامل معها بحزم, حتي لا يقوم أحد المتطرفين باستخدام هذه التهديدات في تنفيذ عملية إرهابية.
دعا اللواء سليمان إلي بث روح التسامح والاحترام الآخر وتعزيز الروح المصرية وخاصة بين الشباب, وغرس قيم الانتماء للوطن ومواجهة الأفكار الدخيلة علي المجتمع المصري, من أجل مواجهة أي تهديدات من هذا النوع خلال الفترة المقبلة.
من جانبة أشاد الدكتور أحمد النعماني مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بتدخل الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والدكتور محمود زقزوق وزير الأوقاف, والتأكيد علي أن الإسلام برئ من مثل هذه التهديدات, خاصة أن هذه التهديدات التي ينفذها المتعاطفين معها, وليس بالضروري أن يقوم أحد أفراد التنظيم بتنفيذها.
دعا الدكتور النعماني إلي وقف بث تهديدات هذه المنظمات عبر القنوات الفضائية, خاصة أن بعض التهديدات يكون بثها أكثر خطورة من تنفيذها علي أرض الواقع, ونظرا لصحوة الأمن في العديد من بلدان المنطقة والتعاون المستمر بينهم في مكافحة الإرهاب أصبح من الضروري البحث عن وسيلة لحرمان مثل هذه الجماعات من الأدوات التي تستخدمها في بث تهديداتها ودعوة المتعاطفين معها لتنفيذ أغراضها.