التفاعل فضيلة مسيحية… ذلك لأن الله منذ البداية خلق الملائكة والبشر أحرارا… وتركهم يتفاعلون… وكان مستعدا أن يتحمل بمحبة تفاعلات الحرية, وما ينتج عنها من سلبيات, كما أنه كان مستعدا, بمحبته وسبق معرفته, أن يدفع ثمن هذه الحرية, ليبقي الإنسان صاحب قراره, ومسئولا عن اختياره.
إن الله لم يخلقنا كقطع الشطرنج أو الدمي أو مسرح العرائس, ولم يشأ أن يحركنا بالـ Remote Control, بل أحب أن نبقي أحرارا حتي النهاية, مهما كلفته الحرية, ومهما كلفتنا!! فالحرية تصاحبها المسئولية: ##أنا حر, إذن فأنا مسئول##!!.
وبعكس ما تصور سارتر, الذي رأي في الله خالقا ديكتاتورا, وصوره في مسرحية ##الذباب## علي أنه ##جوبيتر##, الذي تقطر يداه بالدماء, من أجل كثرة ضحاياه!! الله – بالعكس تماما – تجسد من أجلنا, ونزفت يداه دما, لكي يفدينا من موت الخطية, ويعطينا فرصة تجديد طبيعتنا, بحريتنا واختيارنا, وفرصة دخول الملكوت بإرادتنا وقرارنا المباشر!!.
مجالات التفاعـل الإنساني
1- التفاعل مع الله :
الإنسان يتفاعل مع الله, طاعة وعصيانا, حبا وتمردا, احتياجا ورفضا, إيمانا وإلحادا… والرب يبقي صامدا وصامتا, تاركا لنا حرية القرار. لقد وضع القرار في يد الإنسان, مرة واحدة وإلي الأبد. ومع أن الإنسان يبقي مسيرا ببعض الأمور التي تخص حياته الأرضية, مثل لون بشرته, أو مستوي ذكائه, أو بعض عناصر وراثية, وربما أمراض… إلا أن مصيره الأبدي يبقي في يده. فالرب واقف علي الباب ويقرع, ##أن سمع أحد صوته, وفتح الباب, يدخل إليه, ويتعشي معه## (رؤ 20:3). ومن يدرس سفر نشيد الإنشاد, يري تفاعل العروس, النفس البشرية مع الله, في صور كثيرة مثل :
+ الحوار… الذي يدور بينهما خلال صفحات السفر…
+ النداء والإستجابة… يا حبيبي… يا حبيبتي…
+ الت في الإستجابة… غسلت ثوبي… خلعت حذائي…
+ البحث عن الحبيب الإلهي… بين الرعاة…
+ الاتحاد المقدس… بين الله والنفس المؤمنة…
***
2- التفاعل مع الأسرة :
فعلاقات المحبة والتفاعل مع أعضاء الأسرة تتراوح بين الدفء المفرح والمشاكل العاتية… وسبب ذلك أن لكل فرد من أفراد الأسرة ذاته الخاصة, وإرادته المستقلة, ومن هنا يكون ناتج التفاعل, هو ثمر نوعية المتفاعلين!! وفرق بين أسرة يسودها حب المسيح الباذل المحتمل, وأسرة تسودها الذات البشرية بأنانيتها المدمرة!!.
وميادين التفاعل الأسري كثيرة, بدءا من علاقات الزواج المقدسة, إلي التدبير المادي, إلي العلاقة مع الأسرتين, إلي العلاقة مع من هم خارج الأسرة, إلي المذبح العائلي, إلي الانتماء الكنسي, إلي اختلاف الأجيال, إلي التواصل والتكامل والحوار البناء…إلخ.
***
3- التفاعل مع الكنيسة :
فنحن جميعا أعضاء في جسد واحد, هو جسد المسيح, والتفاعل جار ونشيط بين الرأس والأعضاء (أي المسيح والمؤمنين), وبين الأعضاء السمائية والأرضية (أي بين القديسين في السماء ونحن المجاهدين في الأرض), وبين المؤمنين وبعضهم البعض (علاقات الخدمة والمحبة), وبين أعضاء الكنيسة والكنائس الأخري (الحوارات اللاهوتية للتقارب طلبا للوحدة المسيحية), وبين المسيحية والأديان الأخري (حوار الأديان)… إنه تفاعل حي وخلاق, في مجالات عديدة, فيها الاجتهاد والمحبة من أجل إنماء روح التفاعل الإيجابي مع الآخر, وفيها فلسفة ##قبول الآخر المختلف## بالحب, والاحترام, والتفهم, ومحاولة الوصول إلي فهم مشترك وحياة سعيدة.
***
4- التعامل مع المجتمع :
فالمسيحي يتفاعل مع أخوته في المجتمع, بحيوية الكائن الحي, الذي يتحرك مع التيار أو ضده, حسب الموقف, في مرونة قوية, وإفراز سليم, فيسير مع التيار, حين يكون صالحا, وضد التيار حين يكون فاسدا.
وقد شبه الكتاب المقدس المؤمن بعدة تشبيهات :
1- فهو النور, الذي يهزم فلول الظلام.
2- وهو الملح, الذي يحفظ العالم من الفساد, والذي يذوب دون أن يضيع.
3- وهو الرسالة, المعروفة والمقروءة من جميع الناس.
4- وهو الخميرة الحية, التي تخمر العجين كله.
5- وهو رائحة المسيح الزكية, في الذين يخلصون والذين يهلكون.
6- وهو السفير, الذي يحمل طابعا جديدا, ويمثل رب المجد وسكان السماء, أمام المجاهدين علي الأرض. (يتبع)