لكل فنان فلسفته في الحياة…تظهر رسالته واضحة في أعماله من خلال إبداعاته ورؤيته الذاتية بين الحقيقة والخيال…تخرج معاني أفكاره كالطيف في أشكال تعبيرية تبوح بالجمال…تدعو للتأمل لما تعكسه من قدرات وصياغة فنية متميزة…وحوار حضاري للتراث المصري القديم…فينتج الفنان من ذاته استجابة لوعيه ومعرفته بالتطورات والأشكال والمعاني الموروثة…تلك المعاني تطالعنا من خلال أعمال الفنانين المصريين عمر النجدي وفتحي الخطيب وفرحات زكي وعصام طه حيث انطباعاتهم عن العديد من الأماكن الأثرية والعادات والتقاليد للبيئة المصرية…تعطي صورة مشرقة للحياة وللفن المعاصر.
نجد أيضا في تلك المعارض ذاتية كل فنان يصوغها في شكل معاصر…لنتعرف من خلالها علي أعمال فنانين بعضهم تعددت معارضهم الجماعية والفردية…نلمس في أعمالهم الحيوية في اللون والخامة التي تبرز الطاقة الفنية الخلاقة وارتباط كل فنان بواقع المجتمع العريض من حوله وبقضايا العصر…وتدفق واقع الحياة.
من واقع الحياة
يشاهد جمهور القاهرة حاليا في قاعة جرانت للفنون بعابدين مجموعة لوحات الفنان القدير عمر النجدي مستوحاة من واقع الحياة وهو عنوان المعرض الذي يضم أكثر من 50 عملا متنوعا لفن الرسم الملون إلي جانب لوحات جرافيك لموضوعات هموم الناس وقضايا من حوله للإنسان المعاصر…صاغها بأسلوبه المميز وألوانه المصرية الأصيلة.
نلمس في إبداعات فناننا عمر النجدي الرؤية الابتكارية من خلالها الخبرات التي اكتسبها بالبحث الذاتي مع موهبة الإحساس باللون والجمال…حيث قدم مجموعة إبداعات تمتاز بالتكوين والإخراج… فأعماله بالتركيبات…تؤكد قدرته وتمكنه من لغة فن الرسم والنحت والاسكتش…واستطاع أن يستلهم أصالة إبداعاته من منابع ثلاث…التراث…والبيئة الشعبية…والمعاصرة.
وأعماله الفنية تعتبر امتدادا للفن المصري القديم…ولكن بروح معاصرة…حيث بدأ حياته الفنية بدراسة الفن المصري في مرسم الأقصر عام 1952 وتعمق في دراسة الجزئيات ليس في مظهرها ولكن بالبحث فيما وراءها ليصل إلي الجوهر…ثم درس في كلية الفنون التطبيقية وتخرج بامتياز عام .1957
ومنذ تخرجه وحتي الآن يشارك في المعارض المحلية والدولية حتي استطاع من خلال إبداعاته أن يربط بين الحاضر والماضي…بين التراث والأصالة بأسلوب جديد ومتطور يعرف باسمه تعبيرا فنيا عن الواقع الملموس…واستطاع أيضا أن يصل بإبداعاته الفنية المليئة بالجمال والأصالة إلي جميع أنحاء العالم…ويقدم لنا حصاد فلسفته وفكره الفني الذي يعد علامة مميزة وبصمة مؤثرة في فننا المصري المعاصر.
الفن والعولمة
والمتأمل لإبداعات الفنان الكبير فتحي مصطفي الخطيب المعروضة في قاعة الفن بالمدرسة اليونانية بمصر الجديدة يجدها تعبير فني عن الأحاسيس التي استشعرها الفنان في المرحلة الحاضرة والتي بلغ فيها من الخبرة ما يجعله استرجاع وتقييم أشياء كثيرة من حوله معالجا بعمق طبيعة الأشياء في البيئة المصرية…بألوانها الزاهية وسطحها الذي يغلب عليه الطابع الرملي…وسماء ساحرة نستشعر منها كثافة الهواء في المنظر الطبيعي.
واستطاع فتحي الخطيب من خلال تجولاته بين جمال الطبيعة والكنوز المعمارية للبيئة أن يبرز ملامح ذلك المكان…مما جعل لكل منظر مذاقا خاصا…فنجد مسطحات الخضرة المنبسطة في الحقول…وأعماله المستوحاة من واحة سيوة والغردقة وشرم الشيخ وأسوان وتميزها بالطبيعة والعمارة الشعبية وعناصرها.
ولوحات الفنان انعكاس لما يستشعره تجاهها…وقد لفت نظره في المرحلة الأخيرة انشغال المجتمع الدولي ومجتمعنا الداخلي بفكرة العولمة…ما بين مؤيدين ومعارضين وما أحاط بها من جدل حول فكرة الفوضي الخلاقة.
وبنفس مقدرته التي عبر عنها في مناظر النيل وصخور الشاطئ وغيرها…برع الفنان الخطيب في صياغة أحدث إبداعاته الفنية بتقنياته الحديثة وتراكيبه وخلطاته المبتكرة وهي تجمع بين فن الرسم الملون والزجاج الملون التي لها سحرها وجاذبيتها لدي المتلقي…وتعطي لغة تعبيرية جمالية…حيث إبراز الملامس والتنغيمات والتكوينات ذات الطابع التجريدي المعاصر.
الوجوه…والمنظر
استضافت قاعة قرطبة للفنون بالمهندسين لوحات الفنان فرحات زكي والفنان عصام طه التي بلغ عددها 45لوحة هي أحدث أعمالها مستخدمين خامات ألوان الباستيل والألوان المائية…حيث رسم الفنان فرحات زكي الوجوه الإنسانية أي الملامح والعيون بأسلوبه المعروف بألوان الباستيل لتصبح عملا فنيا تتجلي فيه الجماليات بحنين دافئ بكل ما يتضمنه من معان…نجد فيها ذكريات وأسرارا لشخوصه التي تعمل دائما بمسحة من الغموض…فجاءت إبداعاته معبرة عما يحس وتأكيدا لجماليات الشكل في تكوينات معاصرة وهكذا حدث الانسجام بين شخوصه والخامة.
نلمس في مجموعة أعماله المميزة بحثا عن المعاني برمزية الوجوه التي تبدو عليها ملامح القدم في إيقاع نغمي ولوني مبرزا جمال الخامة…وسحر الزهور والورود.
أما الفنان عصام طه فاستطاع أن يتغلغل في فهم البيئة المصرية المترسبة في وجدانه بمعطيات طبيعة المكان القاهرة القديمة ويرسمها بألوانه المائية بمساحات لونية شفافة بأسلوبه التعبيري في رقة ونعومة…تجعل المشاهد يشعر بعبق المكان وسحر المناظر الأثرية والمباني العريقة….في تناسق وتناغم واضحين تتصف بالشاعرية ودفء وجمال المناظر المصرية.