نائب رئيس المحكمة العليا لمجلس الدولة
استعرضنا في مقالنا السابق مبدأ جواز أن تلتزم الدولة – أو تلزم – بتعويض من إصابة ضرر من جراء المخاطر العامة رغم أنها لم ترتكب أي خطأ.
واليوم نناقش اتجاهات أحكام مجلس الدولة المصري بخصوص هذا المبدأ وفي مقال لاحق سنعرض أسلوب المطالبة بالتعويض وشروط المطالبة به والمحكمة المختصة بنظر الطلب بشأنه وإجراءات الطلب إلا أنه يتعين الإفادة بأن المبدأ قد يستقر تماما في قضاء المجلس وله صور عديدة منها مثلا: التعويض عن الأضرار الناشئة عن حالة الطوارئ والتعويض عن إصابات العمل وتلك التي تحدث للعامل في طريق ذهابه للعمل وعودته منه حتي لو لم تكن الدولة سببا في الإصابة, وقد رسخ المبدأ في قضاء المحكمة التي أشرف بعضويتها واستقر تماما رغم أنه يخالف الأصل المقرر في قضاء التعويض الذي يوجب للقضاء به توفر ركني الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما ونلاحظ ونقر وبل نفخر بأن أحكام هذا المجلس العظيم هي دائما مرنة متطورة وما ذلك إلا لسعة إدراك وثقافة قضاته ويؤكد هذه النظرة ويدعمها أن أحكامه – من ناحية مقابلة – قد رفضت القضاء بالتعويض النقدي إذا كان التعويض العيني هو التعويض بإرجاع الحال إلي ما كانت عليه كافيا لجبر الضرر الطعن رقم 3147 لسنة 32ق.ع جلسة 16/3/1991 فقضاء المجلس يواكب كل الحالات وهذا سر عظمته ومما يؤكد استقلالية قضاته وشجاعتهم فإنه قضي – في أحلك الظروف – بأن التدابير التي يتخذها القائم علي الأحكام العرفية سواء كانت تدابير فردية أو تنظيمية يتعين أن تتخذ في حدود القانون وهي لا تنأي عن رقابة القضاء, فرقابة القضاء – والمقصود بها رقابة المشروعية التي يتولاها هذا المجلس – هي وحدها الرقابة الفعالة التي تكفل للناس حقوقهم الطبيعية وتؤمن لهم حرياتهم العامة وتفرض للقانون سيادته الطعن رقم 1439 لسنة 31ق.مع جلسة 25 – 6 – 1989, واستكمالا لما سبق وتدعيما لهذا الاتجاه قضي حديثا بتعويض من وقع في حفرة نشأت عن أعمال عامة للصرف الصحي واستقر أمر التعويض لمن سلخت من أرضه مساحات لإنشاء الطرق العامة.
ومن باب الصدق في الحديث أن نذكر أن الدولة قامت مشكورة ومن تلقاء نفسها – أحيانا – بتعويض من ذبحت مواشيهم أو نفقت أو أعدمت بسبب مرض الحمي القلاعية, صحيح أن التعويض دائما ما يكون أقل من الضرر إلا أن صرفه في هذه الحالة هو مراعاة لمبدأ دستوري صحيح ألا وهو المساواة أمام الأعباء العامة, ومن هنا لا وجه لظلم أصحاب الطيور والخنازير في التعويض, لا مبرر ولا سبب يدعو لاختلاف المعاملة حسب نوع الطير أو الحيوان ففي الحالات كلها مصدر الرزق قد تم المساس به, وأصبح تحمله صعبا دون تعويض ومع ذلك فحال التعويض عن الأوبئة لا يخرج – في نظرنا – عن حالتين:
- إما أن تكون الدولة قد قامت بعمل مادي غشوم أودي بالطيور والخنازير والمواشي وأهلكها وألحق بذلك الضرر بأصحابها.
- وإما أن تكون الدولة قد أصدرت قرارات إدارية بقصد مجابهة الوباء ودرء خطره وكانت بتنفيذ قراراتها أي اتخذت إجراءات مقننة.
وفي الحالة الأولي فحق التعويض قائم لا ريبة فيه بل تعويض عن كامل الضرر فالمضرور قد تأذي في حاله ومصدر رزقه دون سبق إنذاره باتخاذ ما يلزم لدرء الخطر قدر إمكانه فلم تترك له الفرصة لاتخاذ الحيطة نحو الوباء أو الحد منه كما أنه لم يشارك أو لم تثبت مشاركته في إحداث الضرر وطالما لم ينسب له خطأ في حيازة تلك الطيور أو الحيوانات فالدولة تعد مسئولة عن إعدامها.
أما في الحالة الثانية أي إذا كانت الأضرار ناشئة عن قرارات إدارية فلابد من رقابة سبب هذه القرارات ومدي ملائمة اتخاذها وما إذا كان المضرر قد سبق إنذاره من عدمه وأهمل أو تعمد عدم اتخاذ الحيطة وللقضاء مراقبة مدي ملائمة القرارات وله تقدير مدي مشاركة المضرور في إحداث الضرر لنفسه ومدي مراعاته للاشتراطات الصحية الواجبة.