الفكرة هي أصل كل الأشياء, فكل ما يحيط بنا منذ ولادتنا وحتي الممات كان فكرة ثم خرجت للنور لتتبلور إلي أفعال…والأفعال بطبيعة الحال من شأنها أن تغير مجري الأمر, إما لحياة كريمة أو لقتل وعنف..لذا فإننا نري الحضارات الإنسانية تختلف باختلاف الأفكار والمجتمعات تتشكل حسب أفكارها ومعتقداتها..ومن هنا كان السؤال:من يعاقب علي التحريض علي العنف:الإرهاب الفكري؟… من يقف أمام تيارات متشددة؟ أفكارها تبث سموما تخترق عقول البسطاء لتخرج من حيث كونها مجرد فكرة إلي فعل هدام يؤثر علي المجتمع بأسره.
ومن المؤلم أن تنقلب المعايير وتنعكس المفاهيم بسبب ما يسمي بالإرهاب الفكري الذي يمثل خطورة شديدة, فهو بمثابة الشرارة الأولي لنار قد لاتنطفيء..ودائما ما يجد الإرهاب الفكري البيئة الصالحة لنموه في المجتمعات التي لاتتمتع بالحرية ولا بالوعي ولا تتاح فيها فرص التعبير عن الرأي… والإرهاب الفكري يدفع بأصحابه إلي فرض الرأي علي الآخرين بكل وسيلة, وفرض آرائهم أو مفهومهم عن الدين والشرعية, ومن يخالفهم بتهم بالعصيان أو الكفر..وهنا يتجدد السؤال: الإرهاب الفكري والتحريض علي العنف هل تتوجه الجهود لمحاربته, وكيف يكون ذلك ومتي؟
محرض أساسي
يقول الكاتب صلاح عيسي رئيس تحرير جريدة القاهرة:إن الإرهاب الفكري هو واحد من أهم دوافع الإرهاب المتجسد في العنف,فهو بمثابة المحرض الأساسي علي العنف, وهو يعتمد علي التشدد والغلو في الرأي ومصادرة الرأي الآخر..والمشكلة الحقيقية في ذلك هي تطبيق القانون,فهناك نصوص كثيرة في القانون تعاقب علي أي تحريض وإثارة للفتن ولكن للأسف لايوخذ بها..
أضاف:يجب القيام بحملة مضادة ضد الفكر المحرض وتفنده وننبه بمخاطره علي وحدة الوطن,وعلي جميع العلماء والمثقفين والإعلاميين التحرك الفوري للتصدي لمثل هذه الاتجاهات المتطرفة من خلال أجهزة الإعلام ومنابر المساجد والكنائس وعبر الإنترنت أو أي شكل من أشكال الاتصال وتصحيح المفاهيم ووضع الأمور في نصابها الصحيح حتي لانعطي فرصة لهذا التيار الذي يحرض علي العنف والكراهية لكي يسيطر علي عقول الكثيرين, وفي النهاية فإن الشعب لن يرضي أبدا باستبداد جديد يرتدي عباءة الدين.
ضد التمييز
يؤكد الباحث السياسي الدكتور فريد زهران أنه يخشي من تجريم أية أفكار لأنه عادة ينتهي بتجريم أبرياء..خاصة أن الحكومات المستبدة والديكتاتورية تقوم علي تجريم أية أفكار تنادي بالحرية والديموقراطية..لذا يجب أن نكون حذرين في قضية التجريم..لأن الأصل في القانون تجريم الأفعال والممارسات وليس الأفكار..ولكن في أوقات معينة يمكن فيها تجريم بعض الأفكار مثل الحض علي العنف الطائفي وتجريم ازدراء الأديان الأخري وتكفيرها..لأن البعض من هذا المنطلق يحرض علي القتل, وأبلغ مثال عن هذا الكلام-الفيديو الذي أظهر أحد الشيوخ وهو يحرض علي حرق الكنائس في منطقة إمبابة-فإن هذا الفيديو يدينه ولو أن هناك قانونا لعقوبة من تسول له نفسه التحريض علي العنف لكان هذا الشيخ في السجن الآن..لأنه هنا لم يقل أفكارا بل قام بالتحريض.
وفي هذا السياق لن نقبل أن كل الأفكار تحريض علي أفعال تخريبية..فيمكن لشخص أن يقول إن التليفزيون حرام..فهو بهذا حر في رأية طالما لم يأمر بهدم أي تليفزيون..وهذا يجعلنا نتطرق لأمر آخر وهو أفكار بعض السلفيين بتحريم الآثار المصرية..كان يمكن لهم أن ينادوا بعدم التنقيب عن الآثار وهذا رأيهم وهم أحرار..ولكن عندما يطالبون بهدم الآثار فهنا الفكر أخذ شكلا آخر مخيفا ولكنه في النهاية لايعاقب عليه لأنه يقع تحت طائلة الرأي مهما كان فيه شطط أو ترف ..ولكن عندما يشرعون في هدم أثر يجب أن تكون هناك عقوبة لمن تسول له نفسه بالعبث في الحضارة والتاريخ الفرعوني المصري.
لذلك فنحن ضد أي تمييز ديني سواء في العمل أو المناهج التعليمية أو في كل أمور الحياة التي يشعر فيها البعض بأنهم موطنون درجة ثانية نتيجة التمييز.
شقان أساسيان
ويري المستشار أمير رمزي -رئيس محكمة-أن قضية الإرهاب الفكري في المطلق لم يسن لها أي تشريع..خاصة أن الجريمة تتكون من شقين..الشق الأول معنوي والمقصود به النية المبيتة لعمل جريمة ما, وهذا لا عقاب عليه طالما لم تخرج إلي حيز التنفيذ…أما الشق الثاني وهو المادي أي البدء بالفعل وهنا يجب أن يقوم المتهم بالبدء في الجريمة وهي بداية التحريض بالقول أو الفعل كأن يوجه آخرين ويدعوهم للانتقام لارتكاب الجريمة وعندما تحدث الجريمة يكون هنا عقاب لأن التحريض وصل إلي فعل أنتج هذه الجريمة, وهنا أصبحت الجريمة مكتملة بركنيها المادي والمعنوي.
ويعتبر الفكر تجريما في حالة واحدة وهي أن ينضم شخص لجماعة إرهابية تعتنق فكرا إجرميا هنا يكون الفرد بداخلها متهما… أما إذا كانت حالة فردية أي هناك شخص يعتنق فكرا معينا لايعاقب عليه القانون…إن العبرة بالبدء في الجريمة..أما تجريم الفكر لا قانون يعاقب عليه.