جاء الإعلان في 22 يونيو عن انشقاق جناح من الشباب في جماعة الإخوان المسلمين المصرية لكي يشكل حزبا علمانيا خاصا به بمثابة دلالة علي النشاط السياسي غير المسبوق في مصر ما بعد مبارك. وقد شهد 21 يونيو انعقاد الاجتماعي الثاني لـ ##التحالف الوطني الديموقراطي## من أجل مصر, مع موافقة أربعة عشر حزبا صغيرا علي الانضمام إلي مؤسسي التحالف, وهما ##حزب الحرية والعدالة## الذي أسسته مؤخرا جماعة الإخوان المسلمين و##حزب الوفد## الليبرالي. وعلي الرغم من أن التحالف لا يمكن أن يستمر في شكله الحالي, إلا أن مجرد وجوده يشير إلي قيام اتجاهين مزعجين في السياسات المصرية: أولا, تتفاوض الأحزاب علي توزيع المرشحين لتحديد نتائج الانتخابات مسبقا, وثانيا, تعمل وجهات نظر السياسة الخارجية المناهضة للغرب علي توحيد الأحزاب ذات وجهات النظر المتباينة بشكل كبير حول القضايا المحلية.
خيمة كبيرة حول أعمدة مهتزة
إن الأحزاب التي انضمت إلي التحالف تشمل طيفا متنوعا من الأيديولوجيات السياسية المصرية. فبالإضافة إلي ##الوفد## و##حزب الحرية والعدالة##, يضم أعضاء التحالف حزبي ##الغد## و##مصر الحرية##, و##حزب التجمع## اليساري, وحزبي ##الناصري## و##الكرامة## القوميين, و##حزب النور السلفي##, و##حزب العدالة## الوسطي, من بين أحزاب أخري.
وتحمل العديد من هذه الفصائل وجهات نظر متباينة بشكل واسع جدا حول دور الدين في السياسة. فـ ##حزب الحرية والعدالة## يرغب في إقامة دولة إسلامية تكون قوانينها مستمدة من الشريعة الإسلامية, بينما يسعي ##حزب النور## إلي نسخة أكثر تشددا من ذلك النظام القانوني. وبدلا من ذلك, تؤيد الجماعات الليبرالية والقومية واليسارية جميعا ##الدولة المدنية## المحايدة دينيا.
ومن جانبه, روج ##حزب الوفد## منذ فترة طويلة نحو المساواة بين المسلمين والأقباط, وانشق بعض أعضاء الحزب بسبب تحالفه مع جماعة الإخوان المسلمين. وفي الوقت الراهن, يتفوق تكتل ##الوفد## بقيادة رئيسه السيد البدوي, والذي يعتبر ودودا نسبيا تجاه الإسلاميين, علي التكتل الأكثر علمانية المتحالف مع رئيس الحزب السابق محمود أباظة. بيد, تعهد أولئك الذين يعارضون التعاون مع جماعة الإخوان المسلمين علي مواصلة القتال.
كما أظهر التحالف خلافات قوية حول صيغة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في سبتمبر. فـ ##حزب الحرية والعدالة##, الذي سيعتمد علي القدرات التنظيمية المتقدمة لـ جماعة الإخوان المسلمين, يفضل الصيغة الحالية التي ينتخب فيها اثنان من أعضاء البرلمان من كل دائرة انتخابية من دوائر البلاد البالغ عددها .222 (إن انشقاق ##حزب الشباب## المذكور سابقا لن يقوض بشكل كبير من القدرات التعبوية لـ جماعة الإخوان المسلمين علي المدي القصير; فالفصيل الجديد يبعد نفسه بشكل واضح عن حزبه الرئيسي السابق ولذلك فمن غير المرجح أن يعرقل شبكات العلاقات الشخصية الشاسعة لـ جماعة الإخوان المسلمين قبل سبتمبر). وليس من المدهش أن الأحزاب الأصغر – بما في ذلك ##الغد## و##الوفد## – تطالب بتمثيل تناسبي, من شأنه أن يمكنها من الترشح اعتمادا علي الاعتراف بالسمعة الوطنية لأحزابها دون أن تقلق حول قدراتها التنظيمية المحلية المحدودة.
كما يختلف أعضاء التحالف حول ما إذا كانت صياغة الدستور ينبغي أن تسبق إجراء الانتخابات. فالأحزاب الإسلامية تري أن إجراء الانتخابات مسبقا سوف يحقق لها انتصارات أكبر ويعزز من نفوذها فيما يتعلق بصياغة الدستور الجديد. وعلي النقيض من ذلك, تصر الأحزاب الليبرالية واليسارية علي أنها بحاجة إلي المزيد من الوقت لكي تنظم أنفسها بفعالية وجادلت بأنه لا يمكن إجراء انتخابات دون ,قيام] دستور جديد – أو علي الأقل مجموعة من التعديلات – يحكم العملية الانتخابية.
إن هذه المصادر التي تؤدي إلي حدوث توترات تجعل التحالف غير قابل للاستمرارية. فلماذا إذن يضغط أعضاء التحالف نحو المضي قدما علي أي حال؟
تقويض المنافسة الديموقراطية
تتعاون الأحزاب المتباعدة داخل التحالف بغية تحقيق هدف واحد ألا وهو: تنسيق الترشيحات في سبتمبر من أجل ضمان الفوز. وقد عبر عن ذلك زعيم ##حزب الحرية والعدالة## عصام العريان بقوله ##إن وجود هذا الإئتلاف سيحدد نتيجة الانتخابات##. ويأمل مختلف أعضاء التحالف في الوصول إلي اتفاق لضمان دخولهم إلي البرلمان القادم, والذي من المرجح أن تعهد إليه مهمة صياغة الدستور الجديد.
إن استمرار نظام التصويت القائم علي الدوائر الانتخابية هو السيناريو الأكثر احتمالا: فـ ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## الحاكم في البلاد يفضل بقوة إجراء الانتخابات عاجلا وليس آجلا, ومن المرجح أن تؤدي إعادة الهيكلة الكبيرة للنظام الانتخابي إلي تأخير العملية الانتقالية. ومع ذلك يبدو أن الإئتلاف عازما علي استغلال هذا الترتيب – فإذا وافقت أحزاب التحالف علي الترشح في دوائر محددة مقابل عدم الترشح في أخري, تمنع بذلك المصوتين من فرصة الاختيار من بين العديد من الأحزاب ذات أيديولوجيات متباينة.
والأمر الأكثر أهمية هو أن التنسيق الانتخابي القائم علي الدوائر الانتخابية سوف يصب بقوة في صالح جماعة الإخوان المسلمين. وكونها القوة السياسية الوحيدة التي تتمتع بقدرات تعبوية هائلة علي نطاق البلاد, سيكون بوسع جماعة الإخوان تعزيز خطتها للدفع بمرشحين من ##حزب الحرية والعدالة## في 49 بالمائة من جميع الدوائر الانتخابية. وبفضل ذلك التحالف, ستواجه جماعة الإخوان منافسة أقل في كل دائرة من تلك الدوائر الانتخابية. وعلاوة علي ذلك, ونظرا لأن الأحزاب الأصغر في الإئتلاف ستكون مدينة بنجاحها علي نحو كبير إلي مساعدة جماعة الإخوان المسلمين, فمن المرجح أن يتجاوز النفوذ البرلماني الفعلي لـ الجماعة عدد المقاعد التي تفوز بها فعليا.
وعلي نحو مماثل, كانت أحزاب المعارضة في ظل نظام مبارك تعمد علي التنسيق مع ##الحزب الوطني الديموقراطي## الحاكم.ولقد كان أعضاء المعارضة القلائل الذين فازوا بمقاعد برلمانية يدينون عادة بفوزهم إلي صفقات عقدوها مع ##الحزب الوطني الديموقراطي## وبالتالي فإنهم نادرا ما عارضوا النظام بأي طرق ذات مغزي. وإذا قامت أحزاب المعارضة نفسها الآن بعقد صفقات مع جماعة الإخوان المسلمين, فسوف تكون النتيجة قيام نظام برلماني غير تنافسي نسبيا يهيمن عليه الإسلاميون.
عبارات مهدئة غامضة ومعارضة للغرب
سوف يعمل التنوع الأيديولوجي والاستراتيجي للأحزاب الأعضاء في التحالف علي تعقيد الجهود الرامية إلي خلق رؤية موحدة للمضي قدما. بيد أنه عقب اجتماعه في 21 يونيو, أصدر التحالف بيانا لمح فيه إلي مجالات قائم حولها توافق واسع النطاق. وعلي الجانب الأكبر, ضم البيان عبارات مهدئة غامضة بشأن ##المواطنة كأساس لضمان الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع## و##انتقال السلطة من خلال انتخابات عامة وحرة ونزيهة##. وقد تم التغاضي عن القضايا الأكثر مركزية وإثارة للانقسامات التي تؤثر علي المستقبل السياسي لمصر ألا وهي: دور الدين في الدولة ومصادر القانون المصري ودور الدولة التاريخي في تنظيم الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني.
وفي الواقع, جاء بيان يوم الثلاثاء محددا في مجال واحد فقط. ففيما يتعلق بالسياسة الخارجية, أعلن التحالف أنه يهدف إلي ##فتح حوار استراتيجي مع إيران وتركيا بشأن مستقبل النظام ومراجعة عملية التسوية ,أي اتفاقية السلام] مع إسرائيل, علي أساس أنه ليس سلاما فعليا في ضوء الاعتداء الظالم وانتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره##. وقد اتفق أعضاء التحالف بصفة أساسية علي الاقتراب من الخصم الإقليمي لواشنطن مع التشهير باتفاقات كامب ديفيد, والتي يمكن القول إنها أكبر نجاح لسياسة واشنطن في الشرق الأوسط.
إن مثل هذه التصريحات تعكس وجهات النظر التي دأبت جماعة الإخوان علي تكرارها, والتي تظهر السهولة التي يمكن أن تستميل بها الجماعة الأحزاب الأصغر التي قبلت بتلك الاتفاقات من قبل – مثل ##حزب الغد## – وذلك مقابل مشاركة محتملة في السلطة. وسواء كان هذا التحالف سيتغلب علي خلافاته الداخلية أم لا, ينبغي علي واشنطن أن تأخذ علي محمل الجد وجهات نظره الخاصة بالسياسة الخارجية, لأنها تمثل الجانب محل الإجماع بين أحزاب هي بالأحري غير متشابهة. ولا شك أن ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## يتعامل معها بجدية, وحتي إنه ينفذ بعضا من وجهات النظر هذه لإسترضاء القوي السياسية المخولة حديثا – فقد سمحت القاهرة منذ الإطاحة بمبارك بمرور سفن حربية إيرانية عبر قناة السويس وعجزت عن توفير حماية كافية لخطوط الأنابيب التي تضخ الغاز إلي إسرائيل والأردن, ودعمت المقاربة بين حركتي حماس و فتح.
الخيارات الأمريكية
بما أنه من المرجح أن يكون ##التحالف الديموقراطي الوطني## من أجل مصر لاعبا مؤقتا آخر في العملية الانتقالية للدولة, فلا يوجد لدي صناع السياسة الأمريكيين سبب قوي للانخراط معه في الوقت الحاضر. ولكن نظرا إلي وجود احتمال بأن تواصل بعض الأحزاب الأعضاء بذلك التحالف تعاونها مع جماعة الإخوان المسلمين, يتعين علي واشنطن أن تكون مستعدة لقيام برلمان يتجاوز فيه النفوذ الفعلي لـ جماعة الإخوان عدد المقاعد التي ستحصل عليها – وهي سلطة جديدة سوف تستخدمها الجماعة دون شك لدفع السياسة الخارجية المصرية بعيدا عن المصالح الأمريكية.
وفي المرحلة اللاحقة, ينبغي علي صناع السياسة الأمريكية أن يؤكدوا أن الديموقراطية تتطلب منافسة فعلية, وأن محاولات الحد من خيارات المصوتين من خلال عقد صفقات وراء الكواليس من شأنها فقط أن تحيي الممارسات الفاسدة التي سعي متظاهرو ##ميدان التحرير## إلي إنهائها. يتعين علي واشنطن أيضا أن تساعد علي تدريب الليبراليين المصريين للمنافسة بشكل أفضل سياسيا, إلي جانب دعم جهود إنشاء تحالفات فعالة بين الفصائل الليبرالية. ومن المرجح أن تقل احتمالية خضوع تلك الأحزاب لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين إذا رأت أن أمامها فرصة أفضل للنجاح في الانتخابات بمفردها.
وأخيرا, ينبغي علي صناع السياسات الأمريكية أن يظهروا لـ ##المجلس الأعلي للقوات المسلحة## أنه قد يواجه ضغطا أقل لو أنه تنازل لصالح الليبراليين واليساريين حول المطالب السياسية الداخلية – مثل إرجاء الانتخابات – بدلا من الإذعان للإسلاميين حول السياسة الخارجية. من المفهوم أن المجلس الحاكم يساوره القلق من أن يصبح الهدف التالي للاحتجاجات الجماهيرية. وبناء علي ذلك, يجب علي واشنطن أن تذكر القاهرة بأن النشطاء الليبراليين واليساريين هم الذين كانوا العامل المحفز لاحتجاجات يناير الثورية, وليس الإسلاميين.
إيريك تراغر هو دارس للدكتوراه في العلوم السياسية في جامعة بنسلفانيا, حيث يكتب أطروحته عن أحزاب المعارضة المصرية. وقد أجري عملا ميدانيا أثناء ثورة يناير 2011 المناهضة لمبارك, وكان قبلها زميل فولبرايت في مصر خلال عامي 2006 و2007.
معهد واشنطن