قال الإنجيل المقدس:
في البدء كان الكلمة, والكلمة كان لدي الله, والكلمة هو الله… كل شئ به كان, وبغيره لم يكن شئ مما كان. فيه كانت الحياة, والحياة كانت نور الناس. والنور يضئ في الظلمة, والظلمة لم تدركه.
كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيا إلي العالم. كان في العالم, والعالم به كون, والعالم لم يعرفه.
والكلمة اتخذ جسدا وحل بيننا, وقد أبصرنا مجده, مجد الابن الوحيد لأبيه (يوحنا1: 1-14).
إنها الحقيقة الجميلة والسعيدة لجنس البشر التي عرفناها في المسيح, أن الله تعالي, وهو في ذاته لا يري, ولا يقدر أحد أن يراه, (1تيموثيئوس 6:16), وجوهره تبارك وتعالي لا يدرك ولا يحاط به, وهو أعلي من منالنا, وأسمي من كل تصور للكائنات العاقلة, فضلا عن الكائنات غير العاقلة من الجمادات والنباتات والحيوانات… يشاء بنعمته وفضل عنايته بالإنسان, ومحبته لخليقته العاقلة, أن يتخذ له جسدا حتي يمكن للإنسان أن يراه ويلمس وجوده بحواسه الممنوحة له, وهي أبواب المعرفة التي تطل منها روحه علي العالم الخارج عن ذاته.
إن الله في ذاته العلية في غني عن أن يظهر ذاته لأحد من خليقته, لأنه المستشرف علي المادة بكل صورها, فإن الله روح (يوحنا 4:24) بل هو الروح الأعظم (2كورنثوس 3:17), لكنه أحبنا, وأحبنا قبل أن يخلقنا, ولهذا قد خلقنا وهو في غني عنا, هو الله أبونا الذي أحبنا (2تسالونيكي 2:16) ومن فيض حبه يشاء أن يتخذ له جسدا ليتلامس معنا, ونتلامس نحن معه…
شكرا يارب, شكرا وشكرا وشكرا… وألف شكر!
إن المسيحية تعلمنا عن الله وعن أبوته ومحبته بصورة لم يعرفها اليونان والرومان وغيرهم من شعوب العالم… كانت الآلهة عن اليونان والرومان تسكن سعيدة فوق الجبال, ولا تحفل بالبشر, بل إن بعض الفلاسفة القدامي علم بأن الله مستشرف علي المادة, وهو أسمي من أن يتصل بالمادة, فلكي يخلق الوجود من جماد ونبات وحيوان وإنسان, خلق كائنا متوسطا, ليخلق به سائر الموجودات. إلي هذا المدي رأي الفلاسفة استشراف الله علي المادة وعلي سائر الموجودات. أما المسيحية فتقدم لنا الله تعالي في المسيح في صورة الله الذي من قبل أن يخلقنا أحبنا لأنه إلي هذا المدي أحب الله العالم (يوحنا 3:16), فهو خلقنا من فيض حبه لنا, فهو أبونا مع إنه سيدنا وربنا وأصل وجودنا, فما أجملها صورة عن الله, خالقنا وسيدنا وربنا, إنه أيضا أبونا الذي أحبنا وخلقنا من فيض حبه لنا.
وخلق الله الإنسان, ومن اعتزازه به ومحبته له خلقه علي صورته ومثاله, وهذه ميزة للإنسان وكرامة لم يمنحها الله لأي من خلائقه الأخري, فخلق الله الإنسان علي صورته, علي صورة الله خلقه (سفر التكوين 1:26), فكرامة الإنسان وشرفه أنه صورة الله ومجده (1كورنثوس 11:7). وجبل الرب الإله آدم ترابا من الأرض, ونفخ في أنفه نسمة حياة, فصار آدم الإنسان نفسا حية (التكوين 2:7) هذه الروح التي نفخها الله في الإنسان هي من الله (الجامعة 12:7), (زكريا 12:1), وعلي صورة الله ومثاله, فيملك بها علي كل الخليقة الجامدة والحية من نبات وحيوان, وقال الله لنصنع الإنسان علي صورتنا كمثالنا, وليتسلط علي سمك البحر, وعلي طير السماء, وعلي البهائم, وعلي جميع الأرض, وعلي كل الدبابات التي تدب علي الأرض. فخلق الله الإنسان, علي صورته, علي صورة الله خلقه… وباركهم الله, وقال لهم… املأوا الأرض وأخضعوها, وتسلطوا علي سمك البحر, وعلي طير السماء, وعلي جميع الحيوان الداب علي الأرض (التكوين1: 26-28).
ومن محبة الله للإنسان أنه من أجله, وعناية به, غرس الرب الإله جنة في عدن شرقا, وجعل هناك آدم الإنسان الذي جبله. وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة شهية للنظر وجيدة للأكل, شجرة الحياة في وسط الجنة (التكوين2: 8, 9) وأخذ الرب الإله آدم الإنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها (التكوين 2:15).
ولما كان الإنسان قد خلق في الزمان, فليس له الخلود, فكل ما له بداية لابد أن تكون له نهاية, لكن الله من فيض حبه للإنسان خلقه علي صورته ومثاله أراد له الخلود, أي أنه أراد له الحياة. فجعل له شجرة الحياة في وسط الجنة (التكوين 2:9), فإذا مد يده, فيأخذ من شجرة الحياة ويأكل فيحيا إلي الأبد (التكوين 3:22).
علي أن الله تعالي أظهر للإنسان شجرة الحياة في وسط الجنة, ولم يعطه وصية فيها. أظهرها له كما جاء في القداس, قداس القديس غريغوريوس أظهرت لي شجرة الحياة. وعرفتني شوكة الموت. غرس واحد نهيتني عن أن آكل منه.
هذا الذي قلت لي: لا تأكل منه وحده فأكلت بإرادتي, وأهملت شريعتك برأيي وتغافلت عن وصاياك, فانتزعت لنفسي الحكم بالموت.
وجاء في الكتاب المقدس أن الله أعطي آدم وصية بالنسبة إلي شجرة معرفة الخير والشر وأوصي الرب الإله آدم قائلا: من جميع شجر الجنة تأكل (أكلا). وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها, فإنك يوم تأكل منها تموت موتا (التكوين2: 16, 17), واعترفت حواء للحية بأن الله حذرها وآدم وأنذرهما وتوعدهما بالعقاب إذا أكلا من ثمر شجرة معرفة الخير والشر أو مساه وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا (التكوين 3:3).
جاء في الرسالة إلي كورنثوس حسن للرجل أن لا يمس امرأة (1كورنثوس 7:1). فشجرة الحياة أظهرها الله لآدم ولكن لم يمنعه عنها وإنما جعلها له للحياة الأبدية, إذا مد يده وأكل منها. أما شجرة معرفة الخير والشر فهي التي أمر الله آدم وأوصاه أن لا يأكل منها ولا أن يمسها, فإذا أكل منها أو مسها مات موتا.
وواضح أن شجرة معرفة الخير والشر التي في وسط الجنة كانت شجرة معنوية, وإلا فلماذا لم يذكر الكتاب المقدس لها اسما من أنواع النباتات, ولو كانت من النباتات لذكر لها اسما, بل ولم يرد بعد ذلك أن الله منع الإنسان من أكل أي نوع من النباتات, مما يتبين معه أن الشجرة المنهي عنها هي قطعا شجرة معنوية لا نباتية…
وعصي الإنسان أمر خالقه فأكل من الشجرة المنهي عنها رأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل, وشهية للعيون, وأن الشجرة منية للعقل, فأخذت من ثمرها, وأكلت, وأعطت رجلها أيضا معها فأكل, فانفتحت أعينها, فعلما أنهما عريانان, فخاطا من ورق التين وصنعا لهما منه مآزر (التكوين3: 6, 7).
لقد سقط الإنسان في خطيئة العصيان, فحق عليه العقاب الذي توعده الله به (موتا تموت).
مات الإنسان وتعري, وكان لابد أن يموت موتا أبديا, فضلا عن الموت الجسدي, وكان لابد من أن يحرم من الحياة الأبدية التي كان سينالها إذا أكل من شجرة الحياة, وما كان له أن يأكل من شجرة الحياة بعد أن أكل من شجرة معرفة الخير والشر التي أمره الله وأوصاه بأن لا يأكل منها ولا يمسها, كيلا يموت من يغلب فسأعطيه من المن المخفي (الجليان- الرؤيا 2:17), (يوحنا6: 49, 50) طوبي للذين يعملون بوصايا الله… ليكون لهم سلطان علي شجرة الحياة (الجليان- الرؤيا22: 2, 14).
قال الكتاب المقدس: فأخرجه الرب الإله من جنة عدن, … فطرد آدم الإنسان, وأقام شرقي عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة (التكوين3: 23, 24), (الجليان- الرؤيا 2:7), (22: 2, 14)حتي يمنع الإنسان من أن يقترب إلي شجرة الحياة, لإنه لم يعد مستحقا أن يأخذ منها, وإذا تجاسر واقترب ضربه الكروبيم بسيفه الملتهب نارا فيحرقه. وقال المسيح له المجد: أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. من يأكل من هذا الخبز يحيا إلي الأبد. والخبز الذي سأعطيه أنا هو جسدي الذي سأبذله من أجل حياة العالم (يوحنا 6:51) وإذن فمن أكل من هذا الخبز أو شرب من كأس الرب بغير اسحقاق, يكون مجرما إلي جسد الرب ودمه. ولكن ليمتحن الإنسان نفسه, ومن ثم فليأكل من الخبز ويشرب من الكأس, لأن من يأكل ويشرب بغير استحقاق, يأكل ويشرب دينونة لنفسه, إذ لم يميز جسد الرب. من أجل هذا كثر فيكم المرضي والضعفاء, وكثيرون منكم يموتون. فلو أننا حاسبنا أنفسنا لتجنبنا الحكم علينا. وإذ قد حكم الرب علينا, إنما يؤدبنا الرب, حتي لا ندان مع العالم (1كورنثوس11: 27-32).