من قصر النيل للمختلط وفاروق حتي الزمالك
الزمالك.. حكاية طويلة مع مدرسة الفن والهندسة
حسين حجازي صاحب أول ثورة لتمصير الكرة المصرية
إحنا فريق المختلط بنلعب الكورة بدون غلط.. أول هتافات جمهور الزمالك
قلعة عريقة من قلاع الرياضة المصرية.. ومصنع للرجال والنجوم الأفذاذ الذين أثروا البساط الأخضر, ورفعوا اسم بلدهم وناديهم في شتي المحافل.
نادي الزمالك حدوتة مصرية بمعني الكلمة.. سطر حروفها أولاد البلد الجدعان الذين قام علي أكتافهم النادي.. تاريخه هو جزء من تاريخ هذا البلد امتزجت فيه كرة القدم بالسياسة والجيش والحب والثروة والزحام والفقراء والأغنياء.. واليوم نعيش هذا التاريخ.. كيف بدأ الزمالك؟ وكيف كانت مسيرته؟
مشوار البطولة يعود إلي عام 1911 عندما بدأت الفكرة بإقامة ناد يستوعب الطبقة العريضة من المصريين ومعهم كذلك الموظفون الأجانب الذين ليس بإمكانهم الانضمام لأندية الصفوة لممارسة أنشطتهم الرياضية ولقضاء أوقات فراغهم. وبدأت الفكرة تكبر عندما تتردد علي ألسنة الوطنيين من أبناء البلد ومعهم بعض الأجانب, وتحمس لها الألماني مرزباخ المستشار الأجنبي في المحكمة المختلطة وقتذاك, وبدأ مرزباخ يفكر في وسيلة تجمع أعضاء الجالية البلجيكية ليتعارفوا ويتبادلوا الأحاديث والحوار, ولم تكن هناك وسيلة أفضل من ناد اجتماعي ورياضي يلتقي فيه الجميع, وبدأت بالفعل خطوات إنشاء النادي مكان كازينو النهر حاليا قريبا من ثكنات قصر النيل وكانت تلك الثكنات أكبر معسكر للجيش الإنجليزي في الشرق الأوسط, وأطلق مرزباخ علي النادي الجديد اسم قصر النيل, وكانت الحرب العالمية لاتزال في بداياتها والرياضة المصرية كلها كانت لاتزال في سنواتها الأولي وكان يسيطر عليها ويديرها اتحاد مختلط يحكمه أجانب لا يسمحون بوجود أي مصري بينهم.. والزمالك في ذلك الوقت لم يكن سوي ناد صغير ليس فيه أو ينتمي إليه إلا عدد قليل جدا من المصريين, وكان النادي عبارة عن صالون اجتماعي تلتقي فيه عائلات الأجانب تتبادل الحوار والثرثرة وبضعة ملاعب للتنس وكان من الواضح أن النادي الجديد لم يكن يرضي كبرياء الأجانب البلجيكيين. وظل مرزباخ يبحث عن أرض جديدة يقيم فوقها ناديا أكبر من نادي قصر النيل حتي عثر بعد عام واحد من تأسيس النادي علي أرض جديدة في قلب القاهرة في شارع فؤاد شارع 26 يوليو حاليا في مبني دار القضاء العالي حاليا.
ولم يعد من المناسب الاحتفاظ بالاسم القديم قصر النيل, فلم يعد النادي يسكن ضفة النيل كما أشار الكاتب حنفي بسطان في كتابه الزمالك.. حكاية وتاريخ وهكذا قرر مرزباخ تسمية جديدة للنادي وهي المختلط لأن أعضاءه كانوا من جنسيات مختلفة والبعض نسب الاسم إلي المحاكم المختلطة, ثم أجريت أول انتخابات لمجلس الإدارة وتولي مرزباخ رئاسة المجلس.
وفي عام 1913 تأسس أول فريق كروي بنادي المختلط وبدأ هذا الفريق الجديد يشارك في المسابقات التي كانت تقام في ذلك الوقت, ولكن كان الفريق متواضع المستوي ومقدرا له أن يبقي طويلا من فرق الدرجة الثانية أو الثالثة لولا قرار مرزباخ رئيس النادي بفتح الباب أمام المواهب الكروية المصرية لتنضم لفريق الكرة بشرط ألا يكون للمصريين الحق في الحصول علي عضوية النادي العاملة التي لاتزال حتي ذلك الوقت مقصورة علي الأجانب, ثم تولي رئاسة النادي أجنبي آخر وهو بيانكي الإيطالي وفي تلك السنوات ازدادت مدينة القاهرة ازدحاما وضجيجا فضطر النادي المختلط إلي الرحيل مرة ثانية إلي ضفاف النيل متوجها إلي مقر آخر أكثر اتساعا علي النيل وهو موقع مسرح البالون حاليا.
وفي ذلك الوقت كان هناك لاعب مصري عظيم اسمه حسين حجازي قد أسس فرقة كروية خاصة به اسمها إلفين وبدأت هذه الفرقة تلاعب القوات البريطانية وليس لهم ناد خاص يجمعهم ويمنحهم كيانا وصفة رسمية وهنا فتح نادي الزمالك أو المختلط أبوابه لهؤلاء المصريين المتحمسين وهذه الخطوة شجعت علي إقبال كثير من المصريين للانضمام لهذا النادي الجديد وكان التحاق هؤلاء اللاعبين بالزمالك خطوة مهمة علي طريق تمصير الرياضة المصرية.. وتكون الفريق من أجانب ومصريون منهم الضابط حسن فهمي إسماعيل وموظف التغلرافات عبده الجبلاوي والفلاح محمود بسيوني وموظف التنظيم نيقولا عرقجي وموظف وزارة الأشغال إبراهيم عثمان وكثيرون غيرهم.
ويذكر الكاتب عبدالفضيل طه في كتابه الزمالك.. حكاية وتاريخ أنه سيبقي التاريخ شاهدا علي حسين حجازي ذلك الرجل الذي قام بثورتين: الثورة الأولي أعادت نادي الزمالك والثورة الثانية صنعت من نادي الزمالك مدرسة للفن واللعب وكرة القدم وبالرغم من ذلك لم ينشغل حسين حجازي طويلا في حجز مقعد لنفسه في قطار النجوم, كان كل ما يشغله هو نادي الزمالك وهذا ما دفعه إلي أن يطوف مدارس مصر الثانوية ليفتش عن لاعبين جدد ينضمون إلي النادي المختلط في ذلك الوقت, وبهؤلاء التلاميذ لعب حسين حجازي أمام الأهلي عام 1928 وفاز التلاميذ علي الأهلي وكان أول مرة يرتبط فيها اسم الزمالك بلقب المدرسة ولكن لم يولد الهتاف التقليدي رغم ذلك ولم يكتمل إلا في عام 1952 عندما باع الزمالك 20 شجرة بألف جنيه وأعطاها لأحد المقاولين ليبني مدرجات جديدة.. فاكتمل بذلك الهتاف التقليدي لأول مرة وأصبح يا زمالك يا مدرسة لعب وفن وهندسة
وكانت نقطة التحول في تاريخ النادي عندما تولي يوسف محمد أول حكم كرة قدم مصري يشارك في نهائيات كأس العالم منصب سكرتير عام النادي بدلا من نقولا عرقجي حيث التهبت المشاعر الوطنية وتولدت فكرة عند أعضاء النادي أن يجعلوا ناديهم كما أرادوه معقلا للوطنية فقررت الجمعية العمومية بالإجماع طرد الأجانب نهائيا, خاصة أن أرض النادي ملك للحكومة المصرية وإن مدة الإيجار انتهت ولم يجددها أحد والنادي ليس له حسابات ولا أرصدة في البنوك وليس هناك قانون مطبوع للنادي بالإضافة إلي مجلس الإدارة الأجنبي وبهذه النقاط بدأت المعركة للتمصير واختير د. محمد بدر رئيسا للنادي ومصطفي حسن وكيلا وإبراهيم علاء أمينا للصندوق وكان ذلك عام 1917م. وتطوع عشرون رجلا من أبناء بولاق لحراسة وحماية نادي الزمالك والحفاظ عليه وعلي مصريته ورغم تدخل وزارة الداخلية ومستشارها الإنجليزي والسفارات الأجنبية بمصر لم يتراجع المصريون ونجحت أولي معارك تمصير الكرة المصرية.. وخلال هذه الفترة نال الفريق شرف إحراز الكأس في دورتها الأولي عام 1922 وصام الزمالك بعد ذلك عشرة أعوام أخري حتي استعاد لقبه عام 1932 وعرف في تلك الفترة الممول الأول للفريق مختار فوزي الذي كان يمول مواسم الاستقالات والانتقالات من جيبه الخاص فقد كان شقيقه محمد عبدالله من أكبر تجار مصر في ذلك الوقت, ثم تولي الفريق محمد حيدر باشا رئاسة النادي كان قومندان السواري خلال ثورة 1919, بعد إلحاح من يوسف محمد وكان مسئولا هو وزميله محمد السيد عن إدارة نادي الزمالك عندما كان مقره في دار القضاء العالي.
وبفضل حيدر باشا وقدراته القيادية استطاع أن يكمل مسيرة تمصير الزمالك بعد أن كان مزيجا من المصريين والأجانب.. وبعد أن تخلصوا من الأجانب نهائيا جاء الدور علي اسم النادي واختير أن يكون الاسم الجديد علي اسم الملك فاروق, وهنا يوضح الكاتب محمد ياسين في كتابه الزمالك البطل أنه اختلفت روايات التاريخ, يقول البعض إن الملك فاروق أمر بتغيير اسم النادي من المختلط إلي فاروق, والبعض الآخر يؤكد أن الملك.. وهو يقلد لاعب المختلط ميداليات الذهب.. أشار إشارة عابرة إلي ضرورة تغيير اسم النادي إلي أي اسم آخر بدلا من المختلط بعد أن رحل الأجانب عن النادي وزال عصر المحاكم المختلطة.. فقرر مجلس إدارة النادي إطلاق اسم فاروق علي النادي, وهناك رواية ثالثة تقول إن إطلاق اسم فاروق علي النادي كان مبادرة من مجلس إدارة النادي تقربا للملك ويروي البعض أن اهتمام الملك فاروق بالنادي يرجع لصلة النسب بينه وبين إسماعيل شيرين زوج أخته الإمبراطورة فوزية وحيدر باشا زوج عمة إسماعيل شيرين وكان لذلك أثره أيضا في تعاطف الملك وتحيزه للزمالك.. فكان يحضر بصفة دائمة الحفل الذي يقيمه النادي سنويا بدار الأوبرا وكان الملك يطلب دائما أن تكون فرقة الريحاني هي التي تحيي الحفل لأنه كان يحب الكوميديا.
وإذا كانت ثورة يوليو أطاحت بالملك فاروق فتغير اسم النادي من فاروق إلي الزمالك.. فإنها في المقابل أطاحت أيضا بالفريق محمد حيدر وزير الحربية ورئيس النادي ليجلس المحامي محمود شوقي علي مقعد الرئاسة.. ولكن سرعان ما تبين أن محمود شوقي ليس هو الرجل المناسب وهكذا تقرر البحث عن مليونير يقبل رئاسة الزمالك, رجل بإمكانه تمويل الحلم الأبيض الطامح والطامع وقد نجح عبدالحميد الشواربي في تولي مقعد الرئاسة وأصبح رئيسا للنادي ولكن بعد ثلاثة شهور فقط لم يقتنع الشواربي بحكاية المركز الأدبي والوجاهة الاجتماعية كرئيس لنادي الزمالك ولم يفرح طويلا بالمقارنة بينه وبين المليونير أحمد عبود الجالس علي مقعد رئاسة النادي الأهلي, ولم يجد المسئولون عن نادي الزمالك أمام تلك الورطة حلا سوي أن يسندوا رئاسة ناديهم مرة أخري إلي المحامي محمود شوقي ثم تولي المليونير عبداللطيف أبورجيلة الرجل الذي يملك كل وسائل النقل في مدينة القاهرة.. والذي نجح في الحصول بعد معاناة طويلة علي لقب أغني أغنياء مصر وبدأ عهد جديد في النادي وبعد سنوات قليلة من الانتقال إلي ميت عقبة عادت إلي الزمالك سلطته ونفوذه وأصبح واحدا من مراكز القوي الكروية والاجتماعية والسياسية والعسكرية في مصر وجاء حسن عامر شقيق المشير عبدالحكيم عامر ليجلس علي مقعد رئاسة النادي وتصبح المرة الأولي التي يعتمد فيها النادي علي ثروة الرئيس وكان ذلك عام 1962 وينسب له إضافة 19 فدانا لمساحة النادي لتصبح 35 فدانا.
سيبقي الزمالك دائما قلعة للبطولات ومصنعا للرجال والنجوم الأفذاذ الذين أثروا البساط الأخضر بعطائهم اللامحدود وإخلاصهم.