عصر المعلومات المدفوع بالابتكار والتكنولوجيا دفع مسألة الملكية الفكرية إلي أعلي برنامج عمل التجارة العالمية. وهي مسألة ذات تاريخ طويل. كانت هناك قوانين صارمة تحمي الأسرار التجارية للنقابات المهنية في العصور الوسطي, ولكنها كانت تسهل تشاطر المعرفة بين أعضاء هذه الروابط. بحلول القرن الخامس عشر, كان الحكام الأوربيون قد بدأوا يمنحون براءات إلي المخترعين وإلي الأجانب الراغبين في إدخال تكنولوجيات جديدة إلي بلادهم.
تحددت خطوط المناظرة بوضوح منذ تلك الأزمان المبكرة: يتعزز اختراع المنتجات عندما يملك المخترعون حقا قانونيا في استغلال اكتشافاتهم من خلال حصولهم علي الاحتكار لاستعمالها. ولكن في حال امتدت هذه الحماية لفترة طويلة جدا, فإن المنافسة تتأثر وتتراجع التحسينات. وتدور المسألة عندئذ حول كيفية تحقيق التوازن. يستطيع المخترع أن يسعي إلي الحماية من خلال حصوله علي براءة من الحكومة الفيدرالية, ولكن عليه أن يصف تفاصيل اختراعه بالكامل. يجب ان يكون مالك البراءة مستعدا لتطبيق حقه, وأمام المحاكم عند الضرورة, من خلال إجبار الذين يستعملون اختراعه إما بوقف استعماله أو دفع رسم مقابل استعماله. في بعض الحالات, يفضل المخترعون إبقاء العملية أو الصيغة سرية وعدم الإفصاح عنها خلال السعي للحصول علي براءة. ربما كان أشهر نموذج لذلك هو صيغة مكونات الكوكاكولا, التي تبقي سرا تجاريا وتحفظ في خزنة مصرف في أتلانتا, بولاية جورجيا حتي اليوم. وإدراكا لأهمية حماية الاختراعات وتشجيع الابتكار, منح واضعو الدستور الأمريكي للكونجرس السلطة الحصرية لإصدار قوانين البراءات والعلامات التجارية المسجلة. توماس جيفرسون, أول وزير خارجية في حكومة الرئيس جورج واشنطن, الذي أجري تجارب علي تصميمات جديدة للمحاريث, قام بمراجعة أول براءات منحت في البلاد, إلي أن أصبحت مهماته الدبلوماسية جسيمة للغاية بحيث لم يستطع مواصلة ذلك العمل. تطورت السياسات الأمريكية للبراءات والماركات المسجلة بصورة متواصلة منذ ذلك الوقت.
يتوجب علي المخترع أن يلبي شروطا أساسية من أجل الحصول علي براءة: يجب أن يكون الاختراع من نوع يمكن تغطيته ببراءة, مثل آلة أو عملية تصنيع, ويجب أن يكون لاختراعه غرض مفيد, ويجب أن يسجل تقدما علي منتجات أو عمليات أبكر منه. المدة القصوي للحماية ببراءة اختراع هي 20 سنة من تاريخ تسجيلها. تمنح نصف البراءات الأمريكية إلي مخترعين أجانب. وتبدو الولايات المتحدة علي أنها مفتوحة أمام الاختراعات الأجنبية بدرجة أكبر بكثير من شركائها التجاريين الرئيسيين. فمثلا, أصدر مكتب البراءات في اليابان نسبة 90 بالمائة من البراءات إلي مخترعين يابانيين في عام .2002
كانت أولي اتفاقيات حماية الملكية الفكرية هي اتفاقية باريس للبراءات عام 1883, واتفاقية برن عام 1886, اللتين شملتا الأعمال الفنية والكتب المطبوعة. أوجدت معاهدة التعاون في منح البراءات لعام 1970, والتي عدلت عدة مرات منذ ذلك الوقت, إجراءات قياسية لتقديم طلبات الحصول علي البراءات بين ما يزيد علي 100 دولة.
كانت أحدث وأهم اتفاقية هي تلك الموقعة عام 1994 التي عرفت باسم اتفاقية ##نواحي حقوق الملكية الفكرية المتعلقة بالتجارة## أو (TRIPS), التي تضع قائمة دنيا للحمايات التي يتوجب علي الموقعين عليها تأمينها وتفرض علي كل دولة موقعة عندما تمنح أية حقوق ملكية فكرية لمواطنيها أن تمنح هذه الحقوق نفسها لمخترعين من دول أخري موقعة علي الاتفاقية. وتقول الخبيرة في السياسة العامة سوزان سكوتشمر: ##لقد أصبحت مشكلة القرصنة الدولية (للحقوق الفكرية) أشد حدة في العصر الرقمي##. تشمل القرصنة الحديثة لحقوق النشر برامج الكمبيوتر, الموسيقي, الأفلام وحتي الكتب المدرسية.
سرقة الماركات أو العلامات المسجلة, الاستنساخ غير القانوني للمنتجات, قرصنة الكتب وبرامج الكمبيوتر ووسائل التسلية المسجلة مسألة خطيرة واستفزازية للولايات المتحدة, ولا سيما في علاقاتها التجارية مع الصين. اشتكت الجمعية الأمريكية للأفلام السينمائية إلي الكونجرس عام 2007 بأن محتويات تسعة من كل عشرة أقراص مضغوطة دي في دي (DVD) تباع في الصين هي مقرصنة. وحسب الجمعية الأمريكية لمصنعي معدات المحركات, فإن الشركات الصينية تنتج قطع غيار للسيارات ومنتجات أخري مزيفة تباع في الخارج تحت أسماء شركات صناعية أمريكية معروفة. قدمت شركات إنتاج المستحضرات الصيدلانية احتجاجات مماثلة إلي الكونجرس وحذرت من أن الأدوية الصينية الموردة تمثل تهديدات صحية خطيرة محتملة للمشترين غير المرتابين بأمرها.
وأبلغ دان جليكمان, عضو سابق في الكونجرس يرأس الجمعية الأمريكية للأفلام السينمائية, الكونجرس أنه علي المستوي الوطني يعبر المسئولون الصينيون عن قلقهم ويتخذون إجراءات محدودة ولكن هذه الإجراءات لا تمتد لتشمل وسائل مراقبة فعالة داخل الأقاليم الصينية. وبصورة عامة, كما قال جليكمان في شهادته أمام لجنة الكونجرس, ##يتم تطبيق قوانين حظر الانتهاكات التجارية بصورة انتقائية, واعتباطية, وغامضة عن قصد في بعض الحالات, وفي بعض الحالات تكون هذه القوانين غير مطورة بصورة جيدة جدا.##
عندما دعمت الولايات المتحدة الصين في الحصول علي عضوية منظمة التجارة العالمية كان المتوقع هو ان تتقارب السياسات التجارية للصين مع القواعد الدولية. ومن وجهة النظر الأمريكية, فإن تحويل هذا التوقع إلي حقيقة ملموسة لا زال يمثل مسألة تجارية رئيسية.
يرمز الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الصين والولايات المتحدة إلي النمو الكاسح للتجارة والتدفقات المالية عبر الحدود مع بدء القرن الجديد. يصف المؤرخ نيال فيرجسون وجود علاقة تكاملية بين الدولتين دمجها بصورة غريبة بكلمة ##صيميريكا## (Chimerica). يقول فيرجسون إن الواردات الصينية الرخيصة ساعدت في إبقاء معدل التضخم منخفضا في الولايات المتحدة كما ساعدت في تخفيف الضغط علي الأجور فيها أيضا. أعادت الصين استثمار الدولارات التي حصلت عليها مقابل سلعها المباعة في الولايات المتحدة لتمويل العجز التجاري الأمريكي فساعدت بذلك علي إبقاء معدلات الفائدة منخفضة. وقال إنه ##نتيجة لذلك, أصبح اقتراض المال رخيصا بدرجة لافتة وأصبح تأسيس شركة مربحا بدرجة لافتة, وكلما ازدادت رغبة الصين في إقراض الولايات المتحدة كلما ازدادت رغبة الأمريكيين في الاقتراض.##
ثم انفجرت فقاعة الدين في عام 2008, وأنتجت أزمة مالية أطلقت العنان لنقاشات بين الأمريكيين حول فوائد العولمة والتجارة. ساد الإجماع المؤيد للتجارة المفتوحة في الولايات المتحدة لمدة تزيد علي نصف قرن, نتيجة الاعتقاد بأن الاقتصاد الأمريكي القائم علي الأعمال التجارية الحرة والخلاق لديه ما يربحه أكثر بكثير مما قد يخسره من خلال العلاقة الاقتصادية المتعاظمة مع العالم.
ولكن المحافظة علي هذه القيم تصبح أكثر صعوبة خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة, عندما يصبح المنافسون أهدافا طبيعية لخيبات أمل العاطلين عن العمل في البلاد, وعندما تغذي الممارسات الأجنبية التي تبدو غير منصفة الشعور بضرورة فرض الحمايات.
يقول العديد من الخبراء إن دعم أمريكا السياسي المستمر للتدفق الحر للتجارة والمال وانفتاحها علي العالم قد يعتمدان علي الازدهار المستمر للأغلبية الكبيرة من مواطنيها. قال رئيس مجلس إدارة بنك الاحتياط الفيدرالي, بن برنانكي في عام 2007, ##لو لم توضع بعض الحدود علي المخاطر السلبية للأفراد المتأثرين بالتغيير الاقتصادي, لكان من المحتمل أن يصبح الناس أقل رغبة في قبول الدينامية التي تعتبر أساسية جدا للتقدم الاقتصادي.## لكن أمريكا لا تستطيع إدارة ظهرها إلي بقية اقتصاد العالم, وحتي لو اختارت أن تفعل ذلك بطريقة ما, ومع تبدل الحكومة الأمريكية في عام 2009, لم تظهر أية إشارة تدل علي الانسحاب من هذه المشاركة العالمية.
يو إس جورنال