استحضار الدين في القضايا السياسية يضر الدين والسياسة معا
الاستغراق في السلفية يعطل المواطنة
هل يمكن أن نطالع كتبا ذات مرجعية دينية.بمعناها الروحي والأخلاقي يقرأها المسيحي والمسلم معا…إن أمكن ذلك نكون صنعنا مقاربة(بالباء) في الفكر وساهمنا في فهم الآخر الديني,لأنه بمقاربة الفتنة الطائفية التي غالبا ما تقع كنتيجة فهم خاطئ من هذا الطرف أو ذاك…هذا ما يدور حوله كتاب دور مقاربة الأديان في تخفيف الاحتقان الطائفي والسياسيللباحث الصحفي أشرف السويسي الذي أجرينا معه الحوار التالي:
**ما هي الفكرة الرئيسية التي يدور حولها الكتاب؟
*الكتاب مأخوذ عن فكرة تطبيقية ضمن سلسلة مشروع فكري في مجال مقاربة الأديان وهو تأسيس لمقاربة وليس مقارنة بين شخصيتي عمر بن الخطاب في الإسلام وبولس الرسول أو شاول الطرسوسي في المسيحية كتمهيد لأرضية حوار ثقافي تعايشي مشترك بين المصريين وللحوار الديني الحقيقي الذي يكرس قبول الآخر دونما استحضار الدين في حد ذاته في هذه المقاربة.
الآخر كفكرة هي أن أقبل غيري بمفهومه هو ليس بمفهومي أنا عنه ولن أعرف مفهومه بالتالي إلا إذا كان لدي الحد الأدني عن عقائده والتي تمثل في بلدنا جزءا ضخما من الملكوت الشخصي للأفراد,وقد ساهمت فكرة عدم فهم الآخر في جزء كبير من أحداث الفتنة الطائفية التي دارت رحاها في مصر-علي غير العادة-منذ مطلع السبعينيات وهي مرحلة الفرز الطائفي علي أساس ديني بحت,واكتشف كل من طرفي الأزمة أنه لا يدري عن الآخر سوي القشور فإن الآخرالمسيحي يسبقه تصور ذهني لدي المسلم أن هذا الآخركافربما يؤمن هو به فاعتبره مطلقا كافرا وخاصة عندما سيطر علي مسلمي مصر المفهوم السلفي الوهابي.
الأغيار!
**ما خطورة سطوة هذا الفكر الوهابي؟
*هذ الفكر الذي شكل ذهنية مجتمع أصبح يرفض من يختلف معه دينيا سواء في المذهب أو في الملة كلها فهي تقريبا نفس النظرة الوهابية تجاه الصوفي أو الشيعي من المسلمين وعليها قد اختلفت البنية والتركيبة المجتمعية طبقا للتراث الوهابي في مصر الذي امتد لأكثر من40عاما ومنذ بداية السبعينيات فتحولت المواطنة علي أساس الدين لا الوطن واختفي مفهوم المواطنة وحل محله أهل الإسلام وأهل الذمة كما في المفهوم اليهودي الجويف والجوييمأو اليهود والأغيار,والأغيار هم أهل الأمم الأخري الذين ينظر لهم اليهودي باستعلاء ديني وعرقي غير مبرر سوي أوهام تعشش في ذهنه وأصبح الوضع الآن في مصر هومسلموجوييمأي أغيار سواء كاثوليك أو أرمن أوبهائيين أو بروتستانت أو أرثوذوكس أو غيرهم من الطوائف.
متدينون…مسيسون
**في رأيك ما الأسباب التي ساهمت في نشر الفكر الوهابي في مصر؟
*بعد غياب المشروع القومي الناصري واختفاء أي ملامح لمشروع قومي آخر يوحد أهداف الناس وراءه التف الناس حول فراغ أنفسهم ثم التفوا بعدها إلي المنبع الباقي حيث ضاعت أدوات السياسة في صياغة ثقافة الشعب وأصبحوامتدينينبدلا من أن يكونوامسيسينإذ ملأ السادات مشاعر الشعب بـالأسلمةعلي النمط السعودي الوهابي.
ويضاف إلي ذلك من عادوا من بلاد النفط من المصريين محملين بقيم دينية قشرية زائفة ونمط استهلاكي ترفي مضلل وأظهر معه انتصارا ثقافي لهذا النموذج الذي حل شيئا فشيئا محل النموذج المصري القنوع المتسامح وحمل معه نظرة التمييز الوطني(ممثلة في نظرية الكفيل)والتمييز الديني(ممثلة في أصوات تنادي بعودة الجزية )وتزامن ذلك مع استحضار ركام سخافات العصر المملوكي التي ميزت ضد الذميين(بمفهوم العصر وقتها) خلافا لمبدأ إسلامي مشهورلهم مالنا وعليهم ما علينا وصولا إلي الفرمان العثماني الكريه المعروف بالخط الهيمايوني في شأن بناء دور العبادة للمسيحيين واليهود في الدول الخاضعة للاحتلال العثماني بما فيها مصر…وامتدادا للفتنة الطائفية التي يشعلها العالمون بأبعاد المشكلة أو من يمولون بسببها من جهات محددة لينفذها في الغالب الجهلاء بالدين وبالعلم وبكل القيم الراقيةوللأسف معظمهم ينفذها دون أجر مقابل المهمة ويظنها لوجه الله والدينإذ يكفي هؤلاءالعالمينأن يهيجوا الخطوط الدينية المزيفة لدي هؤلاء الجهلاء وهنا تأتي أهمية كتب المقاربة كي تصنع تصورا ممكنا لأن يقرأ مسيحي ومسلم معا في كتاب واحد وهو تمهيد لقبول الآخر ووضع أسس التقارب الفكري وإنهاء مفهوم إقصاء الآخر وحرقه إذا لزم الأمر.
كتب المقاربة
**وما الفرق بين كتب المقارنة وكتب المقاربة في هذا الصدد؟
*ما هو موجود من كتب حاليا تدعي أنها كتب مقارنة أديان ليست سوي هجاء وهجوم واستعداء لاهوتي ضد الآخر المسيحي واليهودي وخاصة أنه نقد يأتي من مسلم دونما مقارنة حقيقية لذا فإن المنهج الجديد في المشروع الحالي هو مقارنة شخص واحد في كتابين يقدسهما أصحابهما مثل يوسف الصديق في التوارة والقرآن أو أهل الكهف بين القرآن والتوراة (العهد القديم) أو مريم بين القرآن والإنجيل أو عمر بن الخطاب كتاريخ وسيرة وشاول الطرسوسي (بولس الرسول) كتاريخ وسيرة وهكذا بما يفيد ولا يفرق ويجمع ولا يشتت.
الوهابية
**نعود للوهابية مرة أخري…ألا تري أن الإعلام والأمن ييسران الطريق أمام انتشارها في السنوات الأخيرة؟
*نعم,هناك المزيد من قنوات البث الفضائي تروج للوهابية بحركة نشيطة جدا وبحرية تامة وجميع الأجهزة تسمح لها من طرف خفي-إن لم تكن تساعدها-علي الانتشار والنمو والازدهار بل تهيئ لها من أمرها رشدا بعكس محاربة فكر إسلامي آخر بدأ يغزوها علي استحياء واستخفاء وهو الفكر الشيعي ذاك لأن الأخير بطبيعته فكر تحرري ثوري يقوم علي إخضاع الناس للإمام الغائب أو خليفته من الملالي حجة الله وروح الله وآية الله وسماحة السيد وغيرهم ولا يقيد الناس للحاكم السياسي.أما الوهابية فهي تقيد الناس للحاكم تماما حتي ولو كان ظالما أو حتي كافرا لأن الخروج عليه فتنة ضررها أشد من الخضوع,وقبول ولو كان كافرا.
ضد نسيج المجتمع
**لكن ما المصلحة من وراء نشر هذا الفكر رغم ما يبثه من شقاق بين نسيج المجتمع؟
*تبدأ الوهابية بالدروشة والطقوسيات وتغليب العبادة علي المعاملات والمظهرية علي النواحي القلبية والجوهرية وإخضاع المرأة للرجل واحتقارها وتغطيتها وربما رغبة في وأدها,وفي النهاية إخضاع الرجل والمرأة للحاكم,وهو الأمر الذي يتناسب مع كثير من أنظمة الحكم التي تتمني إغراق شعوبها في الدروشة والافتقار للروح التنويرية والثورية والمطالبة بالحقوق المسلوبة أملا في حياة أخري يوم القيامة يظن فيها من يؤمن بهذا الفكر أن الله سوف يعوضه عن حقوقه التي تركها-خوفا- لتسلب منه في الدنيا وذلك ليس من صميم وروح الدين وإنما من أسس الوهابية فقط.
إن شعب مصر من المسلمين كانوا في حقبة الستينيات وما قبلها شعبا قرآنيا حيث حدث الغزو الثقافي الوهابي فظهرت كتب أخري اكتسبت قداسة تقترب من القرآن عندهم وأحيانا تزيد ممثلة في كتب صحاح الأحاديث للبخاري ومسلم ثم كتب الفقه والتفسير والسيرة مما جعل الحياة الإيمانية للمسلم أكثر تضخما,وأيضا لم ينص فيها علي شئ من المواطنة سوي مفهوم أهل الذمة ودفع الجزية وهي قيم تناسب عصور قديمة مضت استمرت منذ الدولة الرومانية مع رعاياها إلي مشارق القرن التاسع عشر وانتهت وانتهي معها الرق,ثم عادت الانتكاسة من جديد لتنافس الجزية وعودة المرأة للحريم وهل تساوي نصف الرجل في الشهادة وفي المعاملات التجارية أم في كل المعاملات أوفي بعض الحالات في الميراث وهل ندخل الحمام بقدمنا اليمني أم اليسري وتركنا القضايا الهامة التي تمس صميم حياتنا بحق وهو ما نجحت فيه عملية غسل مخ مصر أوالوهبنةبمعني أدق وهي التي أزاحت مفهوم المواطنة واستبدلته بمفاهيم لا علاقة لها بالعصر ولا الإنسانية ولا المفهوم الراقي المتطور للدين.
**وهل تري أن لكتب المقاربة دورا رغم قتامة الصورة الحالية؟
*إننا نحيا دائما بالأمل ويقوم كل منا بدوره في موقعه لذلك علي المتميزين والمثقفين والباحثين التنقيب عن نقاط التقارب وتسليط الضوء عليها والإعلان عنها ليعرف كل من لا يعرف أن الأديان مهما اختلفت في تفاصليها تظل بينها نقاط تقارب يجب أن نبحث عنها لتجمعنا وليس العكس.
رؤية الكتاب في سطور
عمر المتنبي وبولس الرسول دراسة منهجية مقارنة بأسلوب المقاربة بين عمر بن الخطاب وشاول الطرسوسي يلقي فيها الباحث أشرف السويسي الضوء في مقدمته علي اختيار الشخصيتين,بقدر تأثيرهما في صناعة التصور النهائي للممارسة في الإسلام والمسيحية,وموقفهما قبل الإيمان وبعده,كما يتناول الكتاب مراحل الإيمان والتحول إليه.
أيضا شمل مقارنة بين تشدد عمر بن الخطاب في الدعوة قبل الإيمان وبولس الرسول وتشدده ضد المسيحيين ثم علاقة بولس بالمسيح ومناقشة فكره في مجانية الخلاص وتقدير الذات,وكيف أصبح بولس من رواد المسيحية.
يتناول الكتاب غطاء رأس المرأة في الصلاة وخارجها,وكذلك الحجاب في الإسلام,وقضية عمر الحاكم وتأسيس الدولة وسياساته الخارجية والداخلية,وعلي الوجه الآخر يتناول قصة بولس ودوره في تأسيس الكنيسة وهي نواة الدولة المسيحية التي حكمت الفكر السياسي في عصور طويلة قبل ظهور العلمانية.وغيرها من الأمور المتقاربة لدي الشخصيتين.