إن عشرات السياسيين والكتاب والصحفيين لهم علي مر السنين انطباعات عن قداسة البابا شنودة الثالث من خلال آرائه في جبل الهيكل, والبقرة الحمراء, والرقم 7, والكنيسة القبطية في المهجر, هذا إلي جانب أفكاره عن الديموقراطية, وصراع الحضارات, وحوار الأديان, وخريطة الطريق وزيارة القدس, وردود أفعاله حيال دفع الجزية, وحرمان الأقباط من دخول الجيش, وكنيسة ماكس ميشيل, ووثيقة الكاثوليك الأخيرة التي وقعها بابا روما والعديد من الموضوعات الشائكة والحساسة التي رصدها كتاب علامة فارقة للكاتب الصحفي نبيل عدلي والذي يستعرض فيه انطباعات الساسة والكتاب والصحفيين عن قداسته علي مر السنين.
ولد نظير جيد بقرية سلام بمحافظة أسيوط في 3 أغسطس 1923, وبعد ساعات ماتت والدته فقامت سيدات القرية بإرضاع الصغير وتربيته, وبعد فطامه أخذه أخوه الكبير إلي القاهرة وألحقه بالمدرسة, وفي عام 1947 تخرج في كلية الآداب بتقدير امتياز, كما تخرج في نفس العام في كلية الضباط الاحتياط, ثم عمل مدرسا ليعول نفسه كما التحق بالكلية الإكليريكية, وبعد سنوات قليلة تفرغ للدراسات الدينية, وأنشأ مجلة مدارس الأحد ورأس تحريرها, وأخذ يتردد علي الأديرة القبطية وترك وظيفة المدرس والضابط الاحتياطي, وتمت سيامته راهبا في عام 1954 في دير السريان العامر باسم الراهب أنطونيوس السرياني, وتدرج في حياة الوحدة فسكن في مغارة قريبة من الدير, ثم جاء اختيار المتنيح البابا كيرلس له كسكرتير لقداسته, في عام 1962 قام البابا بسيامته أسقفا للتعليم والكلية الإكليريكية باسم الأنبا شنودة, وفي عام 1965 رحبت نقابة الصحفيين بقبوله عضوا بوصفه رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد, وفي عام 1971 تمت القرعة الهيكلية والتي أسفرت عن اختيار السماء للبابا شنودة ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.
بحبك يا مصر.. قلبي ارتوي
أشار الصحفي محمود فوزي في كتاب البابا شنودة وتاريخ الكنيسة القبطية في عام 1991 إلي أن قداسته رغم أنه اختلف مع الرئيس السادات ذات يوم واعتكف في ديره لسنوات لكنه لم يعكس أثر ذلك علي أحد حتي الذين اختلفوا معه لم يتخذ أي إجراء كنسي ضدهم, فهذا الرجل قلبه يتسع لكل آلام البشر وسعة أفقه تتسع عما يراه من آفاق.
وأوضح رجب البنا في مجلة أكتوبر عدد أغسطس 1997 قائلا: إن علاقتي بقداسته ليست علاقة صحفي بمصدره ولكنها علاقة روحية عميقة وممتدة منذ ما يقرب من عشرين عاما, فهو بالنسبة لي صديق وأستاذ وأعترف أني تعلمت منه الكثير, كما أنه وطني من الطراز الأول.
كما ذكر الروائي الكبير فؤاد قنديل في معرض تغطيته حفل تكريم قداسته في طرابلس واستلامه جائزة اللجنة الدولية لحقوق الإنسان التي تحمل اسم العقيد معمر القذافي أن الآلاف من الجموع احتشدت لاستقباله في الشوارع وكانت لكلمته الموجزة لمراسلي الصحافة أثرها البالغ في كل من تلقاها.
وفي حوار انفردت به الأهرام بعدد 14 يوليو 2007 عن وثيقة الكاثوليك التي وقعها بابا روما والتي وصفت كنائس البروتستانت بأنها ليست كنيسة كما أن الأرثوذكسية كنائسها معيبة, قال قداسته: إنني قرأت نسخة منها وشعرت بأن الرجل يكسب أعداء في كل مرة ففي تصريحات سابقة خسر المسلمين جميعا, ثم في هذه المرة خسر كثيرا من الطوائف المسيحية, وأنا متعجب من هذا, فالسيد المسيح لم يفعل ذلك بل كان يحاول كسب كل الناس بالحب وليس خسارتهم.
أما الدكتور يحيي الجمل فذكر بجريدة المصري اليوم عدد 1 أكتوبر 2007: أنا لا أتردد في كل مناسبة أن أعلن عن محبتي وتقديري لهذا الرجل العظيم الذي أعتبره من الضمانات الحقيقية ضد الفتنة والتطرف, وأضاف: أن علاقتي بقداسته ترجع إلي فترة من أكثر فترات القلق في حياة مصر.. إلي أحداث سبتمبر 1980 عندما أصدر الرئيس السادات قرارا بتعيين لجنة لإدارة أمور الكنيسة القبطية ومنذ تلك الأيام القاسية لم تنقطع علاقتي مع قداسته وكنت أحس دائما بقلبه الكبير العامر بحب مصر.
البابا.. والقضية الفلسطينية
بدأ الصحفي عبداللطيف المناوي في جريدة الشرق الأوسط عدد أبريل 1998 حواره مع قداسة البابا قائلا: عرف عن قداسته حضوره في الساحة السياسية المصرية كمؤثر فيها وخاصة فيما يتعلق بموضوع الأقباط في مصر, وكان موقفه المبدئي من القضية الفلسطينية أحد أهم أوراق اعتماده بين القوي السياسية المختلفة في مصر والعالم العربي علي اختلاف الأديان.
وقد أعلن الكاتب الصحفي ماجد عطية في مجلة المصور أبريل 1997 أنه قد أثار حفيظته صورة البابا شنودة مرسومة علي دولار أمريكي تتصدر غلاف مجلة روزاليوسف قائلا: هل نحن في حاجة لأن نذكركم بمواقف هذا الرجل العظيم الذي يعتبره المصريون رمزا حقيقيا لهم, إنه رجل مناضل ووطني فهو أول من أصدر عام 1976 كتابا بعنوان إسرائيل ليست شعب الله المختار, وكان أول صوت يرتفع بإيجابية ضد التطبيع ويصدر بيانه الشهير الذي حظر فيه زيارة القدس ودفع ثمن هذا سنوات معزولا في ديره عن كنيسته والناس, وأشار إلي أن حزب الله أعلن أثناء وجود قداسته في لبنان بأن قداسته هو بابا الشرق كله وألقيت الخطب في تكريمه وتعداد مواقفه العربية والوطنية, وتحدث الصحفي فيكتور سلامة بجريدة وطني عدد 4 أبريل 2002 عن دعوة قداسته لعقد مؤتمر وطني لمساعدة الشعب الفلسطيني حضره الآلاف من رموز القوي الوطنية المصرية, وقد جاء هذا من داخل الكنيسة القبطية ليعيد إلي الذاكرة أنشودة النسيج الواحد في ثورة 1919.
وكتبت جريدة أخبار اليوم عدد 10 مايو 2002 أن أمام المئات من وفود الدول والمنظمات الإسلامية بالمؤتمر الخامس عشر للمجلس الأعلي للشئون الإسلامية المنعقد بالقاهرة, قال قداسته: إن القوة تأتي عن طريق الوحدة بين العرب في الفكر وفي الصف ودعا إلي استخدام ثروات البلاد في تقويتها من الداخل.
وعن خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط قال قداسته للصحفية ثناء يوسف بجريدة أخبار اليوم عدد 16 أغسطس 2003: إنني لا أفهم أين الطريق؟ وهل لهذه الخريطة مفهوم معين لحل مشكلة الشرق الأوسط في ذهن الولايات المتحدة؟ وعن مفهوم الديموقراطية لا تتفق مع الأديان قال قداسته إن هذا مفهوم غير صحيح لأن الأديان ترسخ قيم ومبادئ العدل والحق والبعد عن الظلم دون أن تحدد شكلا محددا للحكم, أما عن الخلط بين صراع الحضارات وحوار الأديان قال قداسته إن الأديان تتميز بثوابت ومبادئ لا تتغير, أما الحضارات فمتطورة ومتغيرة وبالتالي لا نستطيع أن نمزج بين الحضارات بما يطلق عليه حوار الأديان.
أشار الصحفي الراحل يوسف هلال بجريدة العالم اليوم يناير 1992 إلي أن قداسته تحدث عن مفاوضات السلام وأعرب عن تفاؤله بشأن مستقبلها رغم المعوقات التي تضعها إسرائيل, وكشف عن أن سبب منع الأقباط من زيارة القدس هو الاحتجاج ضد إسرائيل وليس بسبب نزاع خاص بين الكنيسة المصرية والسلطات الإسرائيلية علي دير السلطان. ونفي أنه يعمل بالسياسة ولكنه يمارس حقه في إبداء الرأي حتي لا يتهم بالسلبية في بعض القضايا التي تواجه الأمة العربية.. وقد أعلن قداسته للصحفية سناء السعيد في مجلة المصور عدد أبريل 1998 عن رفضه قانون الاضطهاد الديني الذي قدمته لجنة العلاقات الخارجية لمجلس الكونجرس الأمريكي وأكد أن أي قبطي لا يقبل أن تفرض عقوبات علي مصر, كما استنكر مطالبة اليهود للعالم بالاعتذار عما حدث لهم في الماضي وطالب اليهود بالاعتذار عما فعلوه بالسيد المسيح والأنبياء قديما.
جبل الهيكل والبقرة الحمراء
وفي إجابته علي أسئلة سناء السعيد التي أجرت حوارا معه لقناة النيل الدولية قال: إن الكتاب المقدس ليس فيه جبل الهيكل والمشكلة أن الإسرائيليين يعتقدون أن المسجد الأقصي مبني فوق هيكل سليمان وهذا مستبعد, ولأنهم يريدون السيادة علي الأرض فهم يؤمنون بأسطورة البقرة الحمراء الذي يعد ظهورها مؤشرا لتحقيق الحلم الإسرائيلي وهو بناء الهيكل وهذا يتطلب هدم المسجد الأقصي, وأوضح قداسته أن هذه الأسطورة موجودة في سفر العدد وقد مرت 3400 سنة ولم توجد بقرة حمراء وتكوين عقيدة علي أساس بقرة مهزلة, أما بالنسبة للرقم 7 فله أهمية كبيرة بالنسبة لليهود لأن السبت هو اليوم السابع, وهناك من يؤمن بقداسة هذا اليوم ويعتقد أنه لا خلاص لمن لا يقدسه.
ويقر عبدالله السناوي بجريدة العربي عدد مارس 1994 قائلا: أختلف كما تشاء مع البابا شنودة ولكن عليك أن تسلم أن عزوفه الصارم عن استخدام المفردات الطائفية الانعزالية في تصريحاته ومواقفه قد جنب مصر مصير أقطار عربية أخري جرت إلي الحروب الأهلية.
ووصف قداسته للصحفية سناء السعيد بمجلة المصور عدد مايو 1997 تصريحات مصطفي مشهور المرشد العام للإخوان المسلمين بضرورة دفع الأقباط الجزية واستبعادهم من الجيش بأنها ردة وإساءة لبلدنا واعتبر من يدعو لذلك بأنه يسئ إلي مصر ويعمد إلي وصمها بممارسة التفرقة العنصرية.
قال الدكتور مصطفي الفقي بجريدة المصري اليوم عدد 15 نوفمبر 2007: إذا كان تاريخ الكنيسة يتحدث عن البابا كيرلس الرابع باعتباره أب الإصلاح فإنه سيتحدث قطعا عن البابا شنودة باعتباره أب الهوية الوطنية الحديثة للأقباط, وأضاف أن له يرجع الفضل في دفع الأقباط إلي الساحة القومية حتي أن الجماهير تلقبه بطريرك العرب لمساندته للقضية الفلسطينية, وأتذكر أنني طالبت سيادته بتزكية شخصيات قبطية للتعيين في مجلس الشوري ففوجئت به يملي علي أسماء بعض المسلمين علي رأسهم الدكتور فرج فودة قائلا ليس يعنيني دين من سوف يتم تعيينه بل ما يعنيني هو إيمانه بالوحدة الوطنية ونبذه التطرف ودعوته للمحبة والتسامح.
أب الهوية الوطنية.. علامة فارقة
وسطر المهندس يوسف سيدهم رئيس تحرير جريدة وطني بمناسبة مرور ثلاثين عاما علي حبرية البابا شنودة الثالث مقالته الافتتاحية لعدد 11 نوفمبر 2001 قائلا: إن المواقف الوطنية لقداسته سواء في أحلك الأزمات أو في أسعد المواقف دائما تعكس حكمة وحرصا شديدا علي رباطات التآخي والمحبة التي توثق بين المصريين, وأضاف أن الخاصية الفريدة التي انفرد بها عن سائر البطاركة هي انفتاحه علي الدوائر السياسية والإعلامية, وهذا بمثابة طفرة في تاريخ الكنيسة حيث خرج بها من خلف الحدود المغلقة محدثا ثورة هائلة من الانفتاح والتعامل مع قضايا مصر والعالم بشكل متواكب مع متغيرات العصر ومقتضياته.
وبمناسبة حلول العيد الخمسين لرهبنة البابا شنودة الثالث كتب المهندس يوسف سيدهم في المقالة الافتتاحية لملحق جريدة وطني عدد 18 يوليو 2004: حاولنا أن يخرج هذا الملحق في صورة وثيقة تسجل جانبا محدودا من إنجازات وعطاء وفكر قداسته ولكن كيف لنا أن نوفيه حقه في هذا الملحق المحدود؟ وكيف لنا أن نسجل إنجازاته في مجال تنمية الأديرة العامرة بمصر وتعمير الأديرة المهجورة؟ كيف لنا أن نغطي حشد الكنائس القبطية التي أسسها ودشنها حول العالم