الشعوب دائما ضحايا الأنظمة والمعتقدات الشمولية بغض النظر عن كونها قومية أو دينية. إن ما قامت به حركة حماس تذكر بما كان يقوم به النظام الصدامي بالاحتماء بأجساد المواطنين والقيام بمجازفات كارثية خلفت المصائب للشعب العراقي إلي اليوم, هو حال ما خلفته حماس للشعب الفلسطيني. فبالإضافة إلي شق وحدة الحركة الفلسطينية والاستيلاء علي السلطة في غزة قامت بمجازفة عرضت حياة الفلسطينيين, إلي كارثة إنسانية وذبحت الأبرياء بسكين الآلة العسكرية الإسرائيلية المدمرة.فبعد ##الانتصار الإلهي## لحزب الله في العام 2006 في تحطيم البني التحتية للبنان وسقوط أكثر من ألف مواطن ووصل الحال إلي الإعلان سريعا من أن صواريخ انطلقت من جنوب لبنان ليست منه, لكن بقي ذلك النصر في صياح حسن نصر الله وتخوينه الآخرين مقلدا فعل قادة النظام الإيراني بنشوة النصر المفتعلة التي طالته شظاياها حيث سارع رئيسه ##المجاهد## محمود أحمدي نجاد إلي تهنئة ##حماس## علي انتصارها, في الوقت الذي هربت سفينته عندما شاهدت البحرية الإسرائيلية قرب السواحل الفلسطينية .
جاء دور حماس لتعلن انتصارها بعد أن خرج قادتها من جحورهم في أحياء غزة المهدمة. فإسماعيل هنية يعلن من فوق أشلاء الضحايا الفلسطينيين ومن فوق ركام غزة انتصار ##حماس##. وفي بيروت يصيح ممثلها :## لقنا إسرائيل درسا لن تنساه##. كتب العديد ويزعق معلقون مصابون بعمي الألوان, من استوديوهات محطات وفضائيات ##الممانعة## العربية, من بيروت إلي الدوحة, عن انتصار ##حماس## الذي خلف أكثر من 1300 شهيد من الأطفال والنساء والمدنيين وكبار السن والمسعفين والأطباء والمصلين والصحفيين وأفراد الشرطة المدنية وغيرهم , من بينهم 410 أطفال, وأكثر من 5500 جريح, المئات في حالة خطرة, وأكثر من 4000 منزل تهدمت وسببت بإصابات وقتل وتشتيت قاطنيها وأصبح و45000 لاجئ مكدسين في مدارس ومراكز ##أونروا## (وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين) في القطاع , يقابل ذلك قتل 13 جنديا إسرائيليا فقط, و4 مدنيين سقطوا جراء إطلاق 880 صاروخ من صواريخ ##حماس## قوة كل واحد منها ##رمانة يدوية##. وهكذا ثمنت الحركة الدم الفلسطيني في تقديم حياة 100 فلسطيني مقابل حياة إسرائيلي واحد.
وعلي الرغم من أن حركة حماس تعرف مقدرتها وهي علي علم بما تحضر له إسرائيل استمرت علي نهجها التصعيدي مدفوعة تحت تأثير مخدر نظام ملالي طهران الذي يحقنه حزب الله ويقدم لها بوصفة من دمشق .
إن ضحايا عملية ##الرصاص المصبوب## الإسرائيلية الشرسة خلفت في اليوم الأول منها سقوط أكثر من 200 فلسطينيا وجرح أكثر من 700 آخرين منهم ضحايا مسجد ##إبراهيم المقادمة## 16 شخصا بينهم 4 أطفال و60 جريحا . إن ##النصر الإلهي## الذي تغرد له حماس اليوم ومن معها في جوقتها التي تديره طهران ويغني فيه حزب الله ومن لف لفهم فقط لبقاء هنية حيا علي الرغم من تدمير وتجريف واسعة النطاق للمنازل السكنية والأراضي الزراعية في مناطق شمال القطاع وجنوبه, واعتقال مئات المواطنين الفلسطينيين وخلفت تهديم البني التحتية من المنازل, بيوت العبادة ,رياض الأطفال ,المدارس ومنها التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين,كما لحق الضرر بالجامعات ,العيادات الطبية, مستودعات الأدوية والأغذية,المستشفيات,مقرات الأمم المتحدة,مستودعات الوزارات الخدمية,مقرات الشرطة المدنية وأجهزة الدفاع المدني,مباني المجلس التشريعي الفلسطيني,محطات توليد الكهرباء,الشوارع والجسور وغيرها. تقول الأمم المتحدة في تقرير لها إن عشرات الآلاف من الأشخاص أصبحوا دون مأوي وأن أربعمائة ألف شخص لا يزالون يعانون من شح مياه الشرب. وحذرت من أن عملية إعادة بناء غزة بعد الهجوم الإسرائيلي العنيف ستكلف مليارات الدولارات بالإضافة إلي مئات الملايين التي يجب أن توفر فورا لتلبية الحاجات الإنسانية العاجلة.
وبعد هذه الصورة القاتمة الذي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الآن يتعالي صياح جماعة حماس ومن دفعها ومول مجازفتها بأنها انتصرت. ومن المؤسف أن يقدم النظام الإيراني الدم الفلسطيني وبناه التحتية ككبش فداء من أجل تصويره من أنه مع معاناة الشعب الفلسطيني , وهذا عين الزور والبهتان لأن 25 مليون قدمت لهنية لكي يصرفها علي عوائل شهداء غزة كما فعلت مع حسن نصر الله في لبنان بعد 2006 تعيد صورة نظام صدام حسين .
يقف نظام ملالي طهران وراء كل عملية تسفك بها دماء الناس وتصل المنطقة إلي حافة حرب, أما فيما بين دولها أو بينها وبين الدول الأخري, وأغلب الأحيان تحت ذريعة المساعدات الإنسانية. وهذا ما حدث في لبنان عام 2006 حيث دفع حزب الله إلي حرب كلفت الشعب اللبناني الكثير وقبل مدة قصيرة في غزة.
إن النظام الإيراني في تدخله الفج في العراق, في لبنان وأخيرا في فلسطين بمساعدة حماس يريد أن يعطي لنفسه دورا كبيرا في منطقة الشرق الأوسط علي حساب أمنها وأمن ومستقبل شعوبها . إن نظام طهران يعمل جاهدا من خلال سياسته تلك الإبقاء علي الدول المحيطة ضعيفة ممزقة . لم يكن النظام الإيراني يوما مع مصالح الأمة العربية وتطلعاتها, لكنه يستخدم حركة حماس إلي آخر قطرة دم فلسطينية في حرب خاسرة ضد إسرائيل من أجل أهدافه السياسية ومصالح قومية فارسية بحتة, كما هو الحال استخدام فلسطينيين ##كقنابل متفجرة## ليس من أجل فلسطين والإسلام. أثبتت حرب جنوب لبنان الأخيرة وفي أحداث غزة الأخيرة إن شيعة إيران لا يقدمون أنفسهم ضحايا من اجل المصالح القومية العربية بقدر ما يخدم أهدافهم ومصالحهم عن طريق تقديم العرب ككبش فداء .
إن ما يصرفه النظام الإيراني في حربه في العراق ولبنان وفي فلسطين ومناطق أخري من العالم علي حساب رفاهية الشعوب الإيرانية ومستقبلها وهو مستعد أن يقدم السلاح لأية جماعة في المنطقة تخطط القيام بعمل حربي ضد حكوماتها أو آمنها الوطني. إن ما يقوم به نظام طهران ليس كما يخطط له أن يكون لاعبا مهما وإنما علي العكس يدفع المجتمع الدولي والدول المجاورة الخوف والريبة منه والعمل علي عزله. إن دعم حركة حماس والجماعات الإرهابية في العراق وحزب الله في لبنان إشارة واضحة ليس فقط لدول المنطقة ,وإنما لدول العالم المختلفة بأن هناك خطر قائم يمثله نظام طهران لأمن المنطقة وأمن وسلام العالم .
وكم هو غالي ##النصر الإلهي## لحماس, وما أرخص الدم العربي لدي نظام طهران ؟
7 كاتب عراقي
نقلا عن شفاف الشرق الأوسط