السيد المسيح جدد بقيامته البشرية جمعاء, لذلك يقول القديس بولس:إذا كان أحد في المسيح,فإنه خلق جديد. قد زال كل شئ قديم وها هوذا كل شئ جديد, وهذا كله من الله الذي صالحنا علي يد المسيح وعهد إلينا في خدمة المصالحة(2 كورنثوس5:17-18). وهذا الإنسان الجديد لا تتوفر معه الحياة الحقة إلا بفضل الإيمان بقيامة السيد المسيح التي هي حجر الأساس في بناء العقيدة المسيحية ولهذا قال الرسول يوحنا الإنجيلي:إذا أمنتم بالمسيح نلتم باسمه الحياة(يوحنا20:31).
فقيامة المسيح من بين الأموات تعني:
*تجديد البشرية:
لقيامة المسيح في حياة البشرية أثر بليغ. فهي نقطة بداية الكون,وجهة سير جديدة اندفعت فيها البشرية وراء السيد المسيح, لأنه حطم بقيامته قيود الخطيئة التي كانت تكبل الإنسان وأنهضته من الوهدة التي أوقعته فيها معصية آدم, الإنسان الأول. لذلك أجمع الآباء القديسون علي تسمية يسوع بآدم الجديد, لأنه أصلح ما أفسد آدم القديم. علي حد قول القديس إيريناوس:عندما تجسد السيد المسيح وصار إنسانا أوجز بشخصه الجنس البشري بكامله. فأقام بما أنه رأس البشرية, عهدا جديدا بين الله والناس. واستحق نعمة الخلاص بحيث إن خسرناه بآدم عدنا وربحناه بالمسيح يسوع. وما كانت كلمات هذا القديس إلا صدي لبولس الرسول الذي دعا المسيحبكر الأموات(1 كورنثوس 15:20) والبدء وبكر من قام من بين الأموات, لتكون له الأولوية في كل شئ, فقد شاء الله أن يحل به الكمال كله, وبه شاء أن يصالح كل موجود سواء في الأرض وفي السماوات, فهو الذي##حقق السلام بدمه علي الصليب(قولسي1:17-20).
لنتأمل بين أعمال آدم وأعمال السيد المسيح لتوضح لنا صدق نظر الآباء القديسين في تسميتهم السيد المسيح آدم الجديد.
عصي آدم الله وأطاعه السيد المسيح فقال له:هأنذا آت, اللهم, لأعمل بمشيئتك(عبرانيين10:7).
جلب آدم اللعنة والموت عليه وعلي ذريته, واستحق السيد المسيح الحياة لذرية آدم بمصالحته إياها مع الله وإقامته إياها معه من الموت.
أغلق آدم باب السماء في وجه البشر وفتحه يسوع أمامهم.
آشقي آدم الإنسان, فأسعده السيد المسيح.
أنزل آدم الإنسان إلي مستوي الحيوان, ورفعه المسيح إلي مستوي إله.
لهذا شدد القديس بولس علي فكرة تجديد البشرية فقال:إن الله أراد أن يجدد الخليقة, فيجمع في المسيح كل شئ مما في السماوات وفي الأرض(أفسس1:10).
*تجديد المؤمنين:
يبين بولس الرسول أثر هذا التجديد في حياة الإنسان المسيحي, فيقارن بين أعمال الإنسان القديم والإنسان الجديد في رسالته إلي أهل قولسي فيقول:فأما وقد قمتم مع المسيح, فأسعوا إلي الأمور التي في العلي حيث المسيح قد جلس عن يمين الله. ارغبوا في الأمور التي في العلي. لا في الأمور التي في الأرض لأنكم قد متم وحياتكم محتجبة مع المسيح الذي هو حياتكم, تظهرون أنتم أيضا عنذئذ معه في المجد(قولسي3:1-4).
ويعدد القديس بولس بعض هذه الأعمال, فيحض الإنسان القديم علي أطراح:الدعارة والفجور وعبادة الأوثان والسحر والغضب والسخط والخبث والشتيمة والكلام القبيح والكذب ويشجع الإنسان الجديد علي أن:يلبس عواطف الحنان والرأفة واللطف والتواضع والوادعة والصبر والاحتمال والفصح والمحبة التي هيرباط الكمال ويوجز ذلك بقوله:فقد خلعتم الإنسان القديم وخلعتم معه أعماله, ولبستم الإنسان الجديد, ذاك الذي يسير إلي المعرفة الحقيقية في تجدده علي صورة خالقه(قولسي3:9-10). ويعود القديس بولس علي هذه الفكرة فيقول في رسالته إلي أهل رومة:إنما اعتمدنا في موته فدفنا معه بالمعمودية لنموت فنحيا حياة جديدة كما أقيم المسيح من بين الأموات بمجد الأب(رومة6:4).
*طريقة التجديد:
أيها الإخوة والأبناء الأحباء…نتساءل ونقول: كيف يتم هذا التجديد بحيث نقوي علي نبذ أعمال الإنسان القديم والقيام بأعمال الإنسان الجديد؟
يمكننا أن نشبه هذا التجدد الروحي بالتجدد الطبيعي. إن الإنسان يخضع في طبيعته البشرية لقوانين النشوء فيولد ويصبح طفلا فصبيا فشابا فرجلا فكهلا ثم شيخا هرما. فيمر في تطوره هذا من سن الطفولة إلي سن الشيخوخة بحالات مختلفة من حيث الشكل الخارجي والنفسية. فينمو ويكبر وتنضج أفكاره وتتزن أراؤه, وتستقيم نظراته إلي الحياة, وتستقيم أخلاقه, ولكنه برغم هذا التطور يظل في جوهره هو هو.
وهذا القول في التجدد الروحي الذي يحصل للمؤمن بفضل قيامة المسيح. فهو يبقي في طبيعته علي ما كان عليه, ولكن أفكاره تستنير بنور القيامة, لتتبدل نظرته إلي الحياة فهو لايزال يشعر بالتعب والحزن والألم وثورة الأهواء. ولكنه إذا تعب هان عليه التعب, لكونه يعانيه مع المسيح الذي يعمل معه ويتعب من أجله. وإذا تألم فلا يقود الألم إلي اليأس لأنه يشرك آلامه في آلام المسيح, وإذا عصفت به رياح التجارب, فهو يقوي علي تهدئتها بما يمده به المسيح من قوة تأتيه عن طريق الصلاة وقبول الأسرار الإلهية, وإذا أحرقت عينيه الدموع فهي دموع يبرد حرها ما يأمل أن يعقبها من أفراح ومسرات في عالم آخر سعيد, تحقيقا لما وعد به السيد المسيح الباكين يوم قال طوبي للباكين الآن, فإنهم سيضحكون(لوقا6:21).
وهكذا نري أنه حدث في حياة الإنسان تغيير بعد قيامة السيد المسيح, مكنه من التسامي والارتفاع عن الأرض إلي السماء, وعن التراب إلي الروح, وعن الحقاوة إلي المجد الأبدي.
هذه هي الحياة الجديدة التي ننالها باسم المسيح بفضل إيماننا بقيامته من بين الأموات.
اللهمجدد في داخلنا روحا مستقيما(مزمور 50:12) فنكون لك خلائق جديدة.