للتعرف على حياتها وأعمالها تحدثت “وطنى” إلى د.جمال ذكرى الخبير التنموى وأحد المتعاملين عن قرب مع السير عمانوئيل فقال:
ولدت مادلين سانكان (الراهبة عمانوئيل) عام 1908م فى بروكسل لعائلة ميسورة الحال من والد فرنسى وأم بلجيكية، وتربت على يدى والديها اللذين كانا مسيحيين متدينين ويحبان مساعدة الناس خاصة أصحاب المهن الشريفة المتواضعة كالزبالين والحمالين وعامة الفقراء على شاكلتهم والذين بالكاد يحصلون على قوت يومهم بعرق جبينهم، وهكذا نشأت عمانوئيل، وعلى دربهما مضت .
يواصل قائلا: عرفت هذه الراهبة بجرأتها وقوة شخصيتها وفصاحة لسانها، وبثورتها من أجل الأكثر فقرا” وباهتمامها بالمشردين فى فرنسا بلدها الأم.
فالفرنسيون يتذكرون جيدا” تلك المرأة الصغيرة التي كانت تظهر باستمرار على شاشات التليفزيون لتدافع عن قضايا الفقراء، وقد بدت عليها بوضوح آثار التقدم فى السن بدون أن تخبو نظرتها الثاقبة وراء النظارات السميكة وجاءت لبلدنا لتهتم بأصحاب المهن المتواضعة فى القاهرة حيث الفقر المدقع الذى يسكن معظم أزقتها وحاراتها منذ زمن بعيد
أيقنت الراهبة عمانويل أن الارتقاء بالجنس البشرى يكمن فى تلبية احتياجات أساسية للإنسان وهى:
*الحاجة إلى الاحترام: فقابلت الفقراء باحترام شديد، فجماعة جامعى القمامة كانوا يخجلون من لقب (زبالين)، فأقنعتهم أنها مهنة مثل أى مهنة طالما أنها تؤدى بطريقة شريفة يسعى فيها الإانسان بكل أمانة أن يعيش هو وأسرتة بعزة وكرامة.
*الحاجة إلى التعليم: فكانت أول من سعى لإنشاء دور للحضانة يتعلم فيها الطفل أولا، وكانت هذه المقدمة فبعدها أنشأت فى هذه المناطق مدارس للتعليم الأساسى، ومدارس ثانوية للفتيات، وصارعت كثيرا مع الأهالى لإقناعهم بضرورة إرسال أبنائهم إلى المدرسة، حيث إن مهنة جامعى القمامة كانت تستلزم أيدى عاملة كثيرة فلا بديل لعمل الأسرة جميعها.
*الحاجة إلى المنزل الصحى لذا قامت ببناء منازل لجامعى القمامة لأنه يمثل حصن الأمان للأسرة وزودته بالمياه والكهرباء لمساعدتهم على النمو الصحى، وساعدتهم أيضا على تماسك الأسرة.
*الحاجة إلى الترفيه: فأنشأت لهم مصيفا خاصا بهم فى منطقة أبو سلطان، وكانت هذه هى المرة الأولى التى يذهب فيها جامعى القمامة إلى قضاء عطلة يستمتعون فيها بالحياة مع أسرهم.
*الحاجة إلى العبادة: حيث ساهمت فى إنشاء كنائس ومساجد لآنها كانت تشعر أن كل إنسان من حقه أن يتعبد لله من خلال معتقده، وضربت بذلك أعظم مثل فى الوطنية والمواطنة.
*الحاجة إلى الصحة:فساهمت فى إنشاء العديد من المستوصفات فى مناطق عزبة النخل والمقطم وطرة، والتى تحولت بعد ذلك مستشفيات تقدم خدمات صحية متميزة لسكان هذه المناطق.
كونت الراهبة عمانويل صداقات كثير برجال الدين المسيحى فكانت تحب وتحترم قداسة البابا شنودة الثالث الذى كانت تزوره لأخذ البركة، كما تعاونت مع المتنيح الأنبا أثناسيوس الذى شاركها الخدمة من خلال زمالة راهبات بنات مريم معها فى الخدمة منذ البداية، ونجحت أن تكون صف ثان من المصريين تستمر بهم الخدمة فى وسط هذه الجماعات المهمشة حيث نجد أن الراهبة سارة فى المقطم وفى الجمعية التى أنشأتها “أصدقاء السير عمانويل تحل محلها لتكمل رسالتها.
كما أنها كانت على علاقة طيبة بشيوخ المسلمين وبقادة معظم البلاد التى عملت فيها سواء فى مصر أو السودان أو فى لبنان أو فى أفريقيا.
تستحق منا هذه الراهبة كل التحية، وكل التكريم وبالفعل احتفلت فرنسا بذكرى رحيلها الأولى هذا العام وسنحتفل بذكراها فى مصر هذا الأسبوع لوضعها هذا النموذج الفريد فى العمل الاجتماعى الذى يهدف إلى خدمة الإنسانية والاهتمام بالذين ليس لهم أحد يذكرهم، فى دعوة لكل إنسان أن يحذو حذوها وأن تكون له رسالة إنسانية يكرم بها خليقة الله حتى يكرمه الله.