الأقباط… ونسخ الخطوطات
القس باسيليوس صبحي الأستاذ بالكلية الإكليريكية ورئيس وحدة البحث ونشر التراث القبطي بالمركز الثقافي القبطي يغوص في التراث القبطي, وله العديد من الأبحاث والكتابات في المخطوطات القبطية… السطور التالية تحمل يعضا من كتاباته عن المخطوطات القبطية ودور الناسخ في كتابة وتزيين المخطوطات.
اشتهر الأقباط بالمهارة في مجال النسخ وصناعة الورق بشهادة بعض المؤرخين العرب… وكان النساخون يكتبون علي ورق البردي بأقلام مصنوعة من قصب حاد, كما كانت هناك أقلام ذات رؤوس معدنية, واستخدام السخام المخلوط بالماء حبرا, وكانت مصر المصدر الوحيد للقراطيس وأوراق البردي حتي أوائل العصر العباسي وحتي عصر الخليفة العباسي المنصور… ويذكر المؤرخون أن تجارة القراطيس وأوراق البردي كانت مصدر رزق وقوت للمصريين وتذكر بعض المراجع التاريخية مثل اليعقوبي في كتاب البلدان بعض أماكن مصانع القراطيس, مثل: بورة ومدينة أخنو (بالقرب من رشيد بغرب دلتا النيل), والكندي يذكر دقهلة (بمحافظة الدقهلية), وابن عبد الحكم يذكر وأسوان ووسيم (أوسيم بالجيزة حاليا).
* الناسخ القبطي
الناسخ القبطي هو الشخص الناسخ للمخطوط المنتمي للتراث القبطي سواء المكتوب بالقبطية أو بالعربية, وبما أنه لا يوجد شخص من غير المسيحيين المصريين يعرف القبطية, فبالضرورة كان ناسخ المخطوط القبطي شخصا مصريا مسيحيا. كما تلاحظ من تتبع عدد من كلوفونات النساخ الأقباط أن معظمهم في القرون الثلاثة عشر الأولي للمسيحية كانوا من رجال الدين (تمشيا مع العادة المتوارثة من قدماء المصريين) وليس معني هذا أنه لم يكن هناك نساخ من غير رجال الدين… وخصوصا في القرنين الـ 13و14 حيث بزغت عدة أسماء لنساخ من غير رجال الدين, ومن أشهر نساخ هذه الفترة المطران ميخائيل, مطران دمياط, (تنيح 1182م), ومن أشهر انتاجه المخطوط 13 قبطي بالمكتبة الوطنية الفرنسية بباريس, حيث كان فنانا مزخرفا وناسخا بارعا في فن المنمنمات, وكان الناسخ في ذلك العصر مؤلفا وناسخا لنصوصه وغيره, واشتهر في العصور الوسطي عدد من النساخ الأقباط مثل الراهب بطرس الدرنكي من دير أنبا أنطونيوس, ويذكر أن في دير أنبا أنطونيوس وحده كان يوجد أكثر من مائة ناسخ, لكل عشرة منهم رئيس يشرف عليهم, وقد تخصصوا في نسخ نوع معين من الكتب.
تزيين المخطوطات
كان النساخ الأقباط يقومون بتركيب الأحبار ذات الألوان المختلفة اللازمة لتزيين المخطوطات, وقد استخدم المداد الأسود للنصوص, بينما المداد الأحمر كان غالبا للعناوين والحرف الأول من السطر المزين في الأغلب بالكثير من أشكال ورسوم الطيور والحيوانات, بينما الألوان الأصفر والأزرق والأخضر والذهبي والفضي للزخرفة والرسوم فقط. كما كانت العادة أن يكون الحرف الأول من كل فقرة جديدة كبيرا ومزينا, وقبل النص كان يوضع العنوان في إطار مزخرف بإتقان يدعي (دكة) هذا غير العديد من الزخارف الجانبية وفي نهاية الورقة.
كما كانت العادة أن يذهب الناسخ إلي بعض بيوتات العائلات الغنية لينسخ لهم ما يريدون من مخطوطات, مثل: الراهب غبريال بن فخر الكفاءة الذي سكن في بيت الأرخن الأمجد بن العسال في سورية وبابليون مصر ونسخ له في هذه الفترة عدة مخطوطات مثل: المخطوطات 93 مقدسة, 94 مقدسة بمكتبة المتحف القبطي بمصر القديمة, ومن الطريف أن نعرف أن الراهب غبريال هذا صار فيما بعد البابا غبريال الثالث الـ 77 (1268- 1271م).
كما شهد هذا العصر ترجمة نوعية خاصة من التراث في القرن الـ 13, 14, فقد كان الناسخ ينتقي نصوصا معينة وينسخها فقط أو يترجمها وينسخها أحيانا, حيث عرفنا من رجالات هذه الفترة نساخا ومترجمين (عن اليونانية) في آن واحد, مثل المطران بطرس بن الخبار, المطران القبطي بالحبشة في أواخر القرن الـ 13, والقس يعقوب ابن أخته الذي كان من أمهر من ترجم عن القبطية.
نوع آخر من النساخ في ختام هذه المرحلة كان القمص إرميا بن القمص صدقة (أوائل القرن الـ 15), الذي عمل كناسخ ومؤلف, حيث كان يجمع ما تشتت من تراث قبطي بعد الخراب الذي حل بالكنائس والأديرة القبطية منذ سنة 1365م, ولكن في القرن الثامن عشر الميلادي, ونظرا للطلب الزائد جدا علي نسخ عدد كبير من المخطوطات ظهرت عادة دخول فئة العرفاء (أي معلمين الكتاتيب الملحقة بالكنائس) في مجال النسخ, وكان من أشهرهم عبد الملاك يوحنا, مؤدب الأطفال بأسيوط, كما اشتهر نساخ من نوع آخر, أي نساخ وراسمين في نفس الوقت, مثل الناسخ إبراهيم (سمعان), زميل يوحنا الأرمني, وهو غير الناسخ إبراهيم أبو طبل, هذا غير يوحنا أيوب بن عم الناسخ إبراهيم, كما استعان المعلم جرجس الجوهري في ذلك القرن بترجمان شامي لترجمة ونسخ بعض مقالات القديس يوحنا ذهبي الفم من اليونانية للعربية, ومن ثم عرفنا علي أسماء نساخ من غير رجال الدين أكثر وأكثر, بل ومن غير الرجال أي نساء مثل: بعض الراهبات (مثل الراهبة مريم والراهبة يوستينا بدير مارجرجس بمصر القديمة) وسيدات (مثل الست دميانة زوجة القمص جرجس الشنراوي ق. 18) كناسخات قبطيات.