حالة من الفزع والشعور بعدم الأمان تجتاح كل أسرة مصرية.. الكل يشعر أن حياته مهددة وممتلكاته مهددة ولم تعد الأم آمنة علي خروج ابنتها إلي الشارع بل وينتابها القلق حتي يعود زوجها أو أبناؤها إلي البيت وخروجها إلي العمل أصبح محفوفا بالمخاطر.
حالة من الفزع لم تعرفها الأسرة المصرية من قبل انفجرت ليلة 28 يناير -ولم تخمد بعد- عندما انسحبت الشرطة من الساحة وأطلق المسجونون علي الشعب الأعزل والتقط الشعب الرسالة السخيفة الإجرامية التي قصدها النظام يومها وهي إما أمنكم وإما حريتكم وكرامتكم.. وحسم الشعب موقفه وفضل كرامته وحريته علي الأمن والهدوء واختار أن يظل علي ثباته إلي أن تتحقق مطالبه وحزمة الإصلاحات التي يريدها وكون لجانه الشعبية لحماية الأرواح والممتلكات العامة والخاصة.. ونجحت الثورة ودخلت مصر مرحلة جديدة أثلجت قلب الشعب وبردت نار أسر الشهداء ولكن ظل الأمن الشخصي مهددا وحالة أقرب إلي الانفلات تهدد مصرنا حالة غريبة من الفوضي تسيطر علي شوارعنا!!
امتنعت الكثير من الأسر عن إرسال أبنائها إلي المدارس رغم إعلان عودة الدراسة ليس فقط الصغار في مرحلة الحضانة أو الابتدائي وإنما في الأعمار الأكبر, خاصة أولئك الذين تقع مدارسهم علي الطرق الصحراوية مثل طريق القاهرة السويس أو السادس من أكتوبر وغيرها, خوفا من تعرضهم للخطر علي أيدي البلطجية الذين لا يجدون رادعا وليس هناك من يستطيع القبض عليهم.
وبالفعل تعرضت بعض سيارات المدارس إلي تهديد من بلطجية في أماكن وميادين عامرة بالناس مثلما حدث في ميدان الجيزة وأصاب التلاميذ حالة من الفزع لولا حكمة السائق الذي تدارك الموقف.
زاد تعرض الناس للسرقة وللخطف بل وإلي سرقة منازلهم وقد يزداد الأمر سوءا مع تردي الحالة الاقتصادية والإنذار بما يسمي ثورة الجياع.
أصبح لسان حال من يخرج علي القانون يقول: ورونا هاتعملوا لنا إيه##؟!.. بلغ الأمر أن تباع المخدرات في الشوارع علنا, فليست هناك شرطة ولا بوليس ولا قسم شغال يعتمد عليه.. البعض يقول وهو في الشارع: النهاردة لوقتلت واحد ماحدش هايحاسبك!!..
في الأيام الأولي من نزول الجيش الشارع كان الناس يشعرون بشئ من الاطمئنان بأنهم يستطيعون التوجه إلي جنود الجيش أو سيارات ودبابات الجيش يسلمون المجرمين والهاربين من السجون, أما الآن, وقد خلت معظم الشوارع من تواجدهم, فإلي من يلجأ المواطن؟ وكيف يأمن علي حياته وحياة أبنائه.. صحيح أن الجيش مؤخرا طبق احكاما عسكرية علي بعض الخارجين علي القانون لعلها تردع المجرمين, إلا أن الأمن الداخلي هو مسئولية الداخلية أولا.
الغريب أن عودة الشرطة باتت كالأمور المعضلة وسمعنا من الوزير الجديد عن العودة التدريجية لرجال الأمن, فرأينا أفرادا منهم مبعثرين في الشارع يتضح أنه لا حول لهم ولا قوة, حتي رجال المرور تخلوا منهم الشوارع الرئيسية والمهمة بعد السادسة مساء!! ويلجأ سائقو السيارات إلي النزول من سياراتهم لمحاولة تسيير الأمور!!.. أفهل أصبح عسيرا علي وزارة الداخلية أن تعيد موظفيها إلي العمل؟ وهل تنازل هؤلاء عن رواتبهم هذا الشهر أم ذهبوا ليتقاضوها ثم عادوا إلي الاختفاء؟!
في المرحلة الراهنة أصبح الأمن أولوية وحينما لا يأمن الإنسان علي حياته لا يعنيه جودتها, فعلي وزارة الداخلية أن تضع أمن المواطن المصري في مقدمة أولوياتها, وأن تعد كل التدابير لذلك, وعلينا نحن المواطنين أن ننظر إلي الشرطة ورجال الأمن بمنظور جديد يلائم معطيات حياة مصرية جديدة سطر شبابنا ملامحها, فلن تظل العداوة محتدمة بيننا وطالما تغير النظام والمسئولين, فإن هناك صياغة جديدة لعلاقة الشرطة بالشعب, ولاشك أن هناك رجال شرطة شرفاء ووطنيين يتمنون مناخا نقيا لممارسة دورهم الأمني بما يليق بشرف المهنة وكرامة المواطن, ومن يتجاوز حدوده يلقي عقابه ويقف عند حده.
ليتنا نهدأ قليلا ليستطيع المجلس الأعلي للقوات المسلحة أن يعبر بنا هذه المرحلة العصيبة, وليتنا نثق في أن من يقبل مسئولية أية وزارة في هذه المرحلة الانتقالية فدائيا, فلم تعد مناصبا للوجاهة, ولم تعد ستارا للتربح غير المشروع, وإنما أصبحت مسئولية وطنية جسيمة لابد من مؤازرة من يتحملها.. إنها حكومة انتقالية علينا أن نعني بما تنجزه, وليس بأن رئيس وزرائها أدي اليمين أمام مبارك لأن حكومته أدت اليمين أمام المجلس الأعلي للقوات المسلحة الذي وثقنا به.
وأعود أؤكد: الأمن ثم الأمن ثم الأمن, فلا جدوي لحديث عن إصلاحات ولا تعليم ولا سياحة ولا عبور اقتصادي بدونه.
n.barsoum@yahoocom