ينبغي أن نرغب كلنا في أن ينجح الرئيس أوباما في إعادة إنعاش الاقتصاد, ولكن ينبغي ألا يغشي ذلك أبصارنا عن المتاعب طويلة المدي التي يواجهها. يتعين علينا أن ندرك أننا لا نصارع أزمة اقتصادية وحيدة. نحن نواجه ثلاث أزمات منفصلة, أزمـات متشابكـة فيمـا بينها لكـنها أيضا متباينة ومختلفة. إن حل أية واحدة منها لن يعيد تلقائيا إحياء الاقتصاد الأكبر إذا بقيت الأزمتان الأخريان من دون علاج وتغيير.
وها هي الأزمات الثلاث:
أولا: انهيار إنفاق المستهلكين. يمثل المستهلكون الأمريكيون 70 بالمائة من الاقتصاد. ولما أصيبوا بصدمة جراء انخفاض قيمة المنازل وأسعار الأسهم ــ الأمر الذي خصم ما لا يقل عن سبعة تريليونات دولار من الثروة الشخصية ــ حدوا من إنفاقهم وزادوا الادخار. لقد أدي ذلك مباشرة إلي تسريح من الوظائف ونسبة بطالة أعلي. وفي ديسمبر, انخفضت مبيعات السيارات والشاحنات الخفيفة بنسبة 36 بالمائة مقارنة بمبيعاتها قبل سنة.
ثانيا: الأزمة المالية. لقد تراجعت عمليات الإقراض, الأمر الذي حرم الاقتصاد من القروض لتمويل معامل ومنازل ومشتريات استهلاكية باهظة جديدة (سيارات, أدوات منزلية). إن أكبر عمليات التخفيض تشمل ##تحويل القروض إلي أدوات مالية##, مبيعات السندات. لقد أضرب المستثمرون عن العمل. عام 2008, تراجع إصدار سندات الشركات المناسبة للاستثمار بنسبة 35 بالمائة, بحسـب تقرير شركة ##ثومبسون فاينانشل##. السندات الداعمة لقروض بطاقات الائتمان انخفضت بنسبة 41 بالمائة, وانخفضت السندات الداعمة لقروض السيارات بنسبة 51 بالمائة.
ثالثا: أزمة التبادل التجاري. ثمة انعدام للتكافؤ بين نمطي الإنفاق والادخار الوطنيين. لقد كانت الدول الآسيوية البالغة الادخار تعتمد علي نمو قائم علي التصدير تطلب, هو بدوره, من المستهلكين الأمريكيين أن ينفقوا أقساما أكبر وأكبر من مداخليهم. لقد نتج عن ذلك انعدامات هائلة في توازن التبادل التجاري: حالات عجز في الولايات المتحدة وفائض في الدول الآسيوية. ولكن بما أن الأمريكيين يتحولون من الإنفاق إلي الادخار, فلم يعد هذا النمط قابلا للاستمرار. إن آسيا تهوي في حالة ركود. قد تشهد الصين نموا نسبته 6 بالمائة أو أقل عام 2009, أي نصف معدل نموها عام .2007
إن تخطي أي من هذه الأزمات بمفردنا سيكون مثبطا للهمة. وهي, كلها معا, تشكل النظير الاقتصادي لمسابقة ألعاب قوي ثلاثية وبطولة فرنسا للدراجات الهوائية في آن واحد.
لننظر إلي إنفاق المستهلكين. العلاج المقترح له هو خطة ##التحفيز الاقتصادي##. بحساب الورقة والقلم, يبدو العلاج منطقيا. إذا لم توازن الحكومة التراجعات في إنفاق المستهلكين, والاستثمار في قطاع الإسكان والشركات, أليس من الممكن أن يتهاوي الاقتصاد لأعوام كثيرة؟ في الأسبوع الماضي, نظرت لجان مجلس النواب في رزمة قيمتها 825 مليار دولار, تقسم بين 550 مليار دولار للإنفاق الإضافي و275 مليار دولار للتخفيضات علي الضرائب.
ولكن لنفترض أن خطة التحفيز شهدت نجاحا منقطع النظير. إنها تخمد وطأة الركود. وستتوقف البطالة (البالغة حاليا 7.2 بالمائة) عن الارتفاع عند نسبة 8 بالمائة, علي سبيل الافتراض, بدلا من 10 بالمائة. مع ذلك, ليس بإمكان تحفيز مؤقت أن يعزز عملية تعاف ثابت. هذا الأمر يتطلب, من بين أمور أخري, نظاما ماليا قويا ليوفر حاجات التسليف لاقتصاد آخذ في التوسع. إن كيفية توفيرنا ذلك ليست واضحة.
لقد انهارت ركائز نظام مالي ناجح, وهي: القدرة علي تقدير المخاطر, ورأسمال ملائم لامتصاص الخسائر والثقة بين اللاعبين أي البنوك, والمستثمرون, والمتعاملون بالأسهم. إن التقليل من تقدير الخسائر شكل العامل المشترك بين هذه العلل. يعتقد علماء الاقتصاد في ##جولدمان ساكس## الآن أن مجموع الخسائر العالمية المتعلقة بالرهون العقارية, والسندات وقروض المستهلكين والشركات يبلغ 2.1 تريليون دولار, و962 مليار دولار منها تقع علي بنوك أمريكية. في مارس الماضي, بلغ تقدير شركة جولدمان نصف ذلك المبلغ تقريبا. إن تقدير عالم الاقتصاد نورييل روبيني للخسائر يفوق تقدير شركة جولدمان.
الأزمة الافتصادية عالمية النطاق. أنماط التبادل التجاري القديمة لن تجدي نفعا بعد الآن. في الواقع, إذا لم تقدم بقية دول العالم علي شراء المزيد من البضائع من أمريكا, فقد يتسم أي تعاف للولايات المتحدة بالضعف والوهن.
نيوزويك