لعب الأدب دورا كبيرا في اندلاع الثورات, بل كان المحرك الرئيسي علي مدار العصور والأزمنة…فالأدب يضغط علي الوجدان لتحركه ويستثمر هذا الشحن في إفراز جيل جديد ثائر يقوم علي التغيير والتطور ليصنع مستقبلا جديدا بأحلامهم وتطلعاتهم….
لذا فإن ثورة 25يناير تتفق مع كل الثورات التي شهدها العالم في تأثرها بالأدب, فالتاريخ بلاشك يعيد نفسه ليقدم لنا الآن ثورة الحرية والتي انطلعت منميدان التحريرلتصنع الغد لأفضل لمصر…
الثورة تأتي عندما يعي الشعب معاناته
يؤكد الكاتب فؤاد قنديل أن الأدب طوال التاريخ هو الذي مهد لكل الثورات المصرية الفرنسية الأمريكية, فلا يفكر الناس إلا بعد قراءة الأدب والأشعار والأغاني والمقالات حتي منذ ألف عام, كان الأدب والشعر لسان حال الشعوب.
ويوضح فؤاد قنديل أن الثورة -أي ثورة- لاتحدث عندما يقع الظلم,ولكن عندما يعي الشعب هذا الظلم وهذا الدور يلعبه الأدب فشعوب كثيرة تعاني وراضية بالواقع كما هو, ولكن الأدب يعلمهم مدي قسوة المعاناة فإذا تعلمنا وتفتحت عيوننا علي حجم المعاناة نبدأ بالمطالبة بالحقوق من غياب للحرية- ضياع الكرامة -هيمنة الحاكم…وهذا ما يقوم به الأدباء.
ويشير أيضا الروائي فؤاد قنديل أن الأدب مهد لكل الثورات ففي الثورة الفرنسية الأدباء أيضا هم الذين اشاروا إلي وجود الظلم في المجتمع ومن ثم تحركت القيادات السياسية أو الشباب أو الثوار.
وإذا نظرنا إلي ثورة 25يناير نجد أن الشباب قد قرأوا الأدب فضلا عن أن هناك كثيرين كتبوا عن المعاناة مثال: طه حسين وكتاباته شجرة البؤس ورواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي ورأينا فيها معاناة الفلاح واستبداد الحكام, ورواية القاهرة30 لنجيب محفوظ التي دقت أجراس الخطر لتوضح كيف يمكن للفقر المدقع الذي يعاني منه المجتمع لتغير قيم المجتمع,فبطلة الفيلم تقيم علاقة مشبوهة من أجل جنيهات معدودة لتنفق علي الأسرة, بل والأصعب هو زواجها من رجل ارتضي أن يشاركه رجل آخر في زوجته! وفي ثورة عرابي كانت كتابات وأشعار عبدالله النديم ممهدة ومتابعة للثورة, حتي اشتهرالنديم بأنه شاعر الثورة العرابية.
*لذا كان من الطبيعي أن يكون للأدب دورا في اندلاع ثورة 25يناير فهي التي تعمل علي التمهيد النفسي والسياسي الذي يكمن في النفوس…لتنفجر الثورة.
الأدب والشعر يلهبان حماس الشعوب
ويعود بنا الشاعر أحمد زرزور إلي العصر الجاهلي حيث كان للشاعر أهمية كبيرة حتي أنهم كانوا يحتفلون بميلاد الشاعر لأنه كان ينقل حالة من الحماس العام ويشحن أبناء قبيلته ويلهب حماسهم فيخضون غمار المعارك ويسعون للانتصار فيها, وفي العصر الحديث اعتبر الشاعر الفرنسية لويس أراجون وأشعاره خاصة ديوانه عيون إلزا رمزا للثورة الفرنسية وعلي مستوي الوطن العربي نجد الشاعر الكبيرأبو القاسم الشابي الذي أشعل الثورة في تونس خاصة قصيدة إذا الشعب يوما أراد الحياة وكانت بمثابة تميمة أو تعويذة فكانت هذه القصيدة شعارهم حتي في أحداث تونس الأخيرة, وفي مصر عام 1956 والعدوان الثلاثي علي مصر, كان نشيدالله أكبر فوق كيد المعتديللشاعر عبدالله شمس الدين…نشيدا حماسيا للشعب المصري أثناء العدوان الثلاثي…وتجاوز ذلك…فيما بعد ليصبح نشيدا ورمزا وشعارا وطنيا لكثير من الشعوب الفرنسية.
إن الأدب والشعر ينبع من الوجدان وهو ما يؤثر علي نفوس الشعوب..فهده النماذج من الشعر الحماسي والوطني كان لها دور في شحن الجماهير وتحفيزها في مواجهة المعتدي.
ومن أكبر الأمثلة علي أهمية الشعر نجد أن أغنيته زهرة المدائن للمطربة فيس وبعد نكسة 1967 أشلعت الحماس وكانت قوة موازية لقوة الفدائيين, كما هناك الشاعر الوطني زين العابدين فؤاد من شعراء السبعينيات الذي عبر عن هموم وطموحات الشعب المصري وطالب في أشعاره بضرورة التغيير.
ثورة الشباب نتيجة لثورة المفكرين
أشارت الأديبة د.نوال السعداوي أن هذه الثورة كان لابد منها…فالنظام فاسد وحول مصر إلي مستعمرة أمريكية وأصبح 50% تحت خط الفقر, كل هذا قضي علي أحلام الشباب..فقاموا بثورتهم الشعبية يوم 25يناير.
وأوضحت أن ثورة المفكرين كانت الشرارة التي انطلق منها الشباب ليعلنوا ثورة الحرية ولكن بالطبع ليس كل المثقفين كانوا دافعا وراء هذه الثورة, أما أغلب النخبة المثقفة المصرية فقد باعت أقلامها وعلموا الشباب النفاق والكذب, وبالطبع ليس هو حال كل الشباب بدليل إني بمجرد ما نزلت الميدان, أخذوني الشباب بالأحضان حتي شباب الإخوان رحبوا بي وقالواإننا نحترمك لجرأتك رغم اختلافنا معك…فقد أخذنا منك الثورة والإبداع والتمدد.
إن كتبي كانت للحرية وللشباب وكثير من الأجيال الجديدة تقرأها والميدان شاهد علي هذا لقد أصبح ميدان التحرير مدينة كبيرة بل وأسمي من المدينة الفاضلة ومن أشاع أن الشباب ليس لهم قيادة فليأت إلي الميدان ويري ويسمع فكرهم الرائع الواعي…
لم نر فتاة قد تحرش بها شاب لم نر كنيسة تحترق الكل في تعاون ومحبة للوطن وكانت كرات النار تحيطنا وفوق رؤوسنا, ولم يرد الشباب أبدا الإساءة بمثلها.
إن ثورة المفكرين والشعراء كانت سببا في ماحدث في تونس فبيت شعر واحد قاله أبو القاسم الشابي الشاعر التونسي أشعل ثورة تونس فكان الكل يردد أشعاره, ونحن في الميدان كنا نعلم أن بعض المثقفين الكبار يقومون بمفاوضات من أجل الوصول إلي حلول وسط وعلي الجانب الآخر نجد أن الشباب يسخر من هؤلاء لأن الكل يريد أن يكون في الصورة التي صنعها الشباب.