حين أنظر إلي واقعنا كمواطنين عرب فلسطينيين في إسرائيل,وطروحاتنا السياسية وأسلوب تعاملنا مع هذا الواقع الذي لم يعد يحتاج إلي براهين حول ما نواجهه من سياسات سلطوية تمييزية أصاب بالحيرة وصعوبة في استيعاب منهج التفكير الذي يوجه أحزابنا وقياداتنا البرلمانية والحزبية والبلدية ومختلف اللجان والمؤسسات والهيئات.
لا أتهتمهم بالقصور في طرح مشاكلنا العكس هو الصحيح يملأون إعلامنا المحلي والإسرائيلي عامة والفضائيات العربية دائما بطروحات صحيحة حول واقعنا ومطالبنا,السؤال:هل ينتبهون لفحوي خطابهم السياسي وأهمية تجنيد أوساط يهودية عقلانية وديموقراطية إلي جانب مطالبنا بدل أن ندفع أوساطا متزايدة لأحضان ليبرمان الفاشي وأشكاله ؟
السؤال الذي يرطح نفسه تفرضه الظروف غير العادية التي نواجهها اليوم أين نقع جغرافيا من الناحية السياسية؟
المرحلة التي نمر بها ليست مرحلة عادية…أو روتينية بكل المقاييس الجماهير العربية مازالت تعاني وبشكل متزايد خاصة الآن في ظل الأزمة الاقتصادية الكونية…من أزمة اقتصادية واجتماعية تزداد حدة…والوسط العربي في إسرائيل يقع كله تقريبا في الأعشار الدنيا من السلم الاقتصادي-الاجتماعي.
البطالة بدأت تشتد والفقر أخذ بالاتساع وكالعادة سيكون السكان العربي الأكثر تضررا الفقر يزداد في مجتمعنا بنسب أكبر من ازدياده في المجتمع اليهودي,مشاكل الإسكان تشتد وتصبح أكثر حدة العنف يتسع,والإجرام ينتشر ويتحول إلي آفة مستعصية علي الحل في المستقبل المرئي,وربما الأبعد أيضا.بات من الصعب الحديث عن ترابطنا القومي,وعن تآلفنا الاجتماعي,ورابطنا القومية الاجتماعية تتفكك الطائفية تنفشي بشكل لا سابق لنا بع العائلية حدث ولا حرج,حولت بعض بلداتنا إلي ساحات حرب وقتال وضحايا.
إن الوعي القومي الذي كان يبدو وطيدا وملزما يخلي مكانه أكثر وأكثر للتشرذم الطائفي والعائلي.وأكاد أقول ويدي علي قلبي أننا نفتقد تدريجيا إلي الهوية القومية والاجتماعية الجماعية وهذا ملموس بقوة في الأوساط الشابة والأجيال الصاعدة وأرجو أن ينصت قادة الأحزاب للانتقاد…وأن يقللوا من الجعجعة الصاخبة والطحن القليل أن خطابكم السياسي في مضمونه الأساسي أصبح عاجزا عن تعبئة كوادر أحزابكم..فكيف ستؤثرون علي مجتمعكم باتجاهات إيجابية؟صحيح أن أحداث غزة أعطت دفعة سياسية وطنية..ولكن النجاح الجماهيري في مظاهرات الاحتجاج لم يكن بسبب خطاباتكم السياسية,بل بسبب الألم والغضب لما جري في غزة.
انطلقت في نفس الوقت أصوات لم تقدم غير المزيد من الانعزال للعرب في إسرائيل أن سياسة الانعزال تهددنا بالمزيد من الفقر والتشرذم.والوضع في بلداتنا العربية هو بارومتر لهذه الأصوات النشاز التي تطلق الزعيق بلا تفكير…عشرات المطاعم أغلقت أو ستغلق بسبب غياب السياحة اليهودية هذا ليس انتصارا بل انتحارا السياحة الداخلية تؤثر أيضا علي المرافق الاقتصادية المختلفة فنادق مطاعم محلات تسويق مواصلات وغيرها الكثير…هل من المستحيل طرح موقف يدين التعنت الإسرائيلي نتظاهر ونحافظ علي الحياة الطبيعية للوسط العربي,دون ظواهر صبيانية الحقت الضرر بنا ودمرت ممتلكات عامة تخصنا وأرعبت كل من كان يفكر بدخول بلداتنا حتي لا يتعرض للاعتداء؟هل من الطبيعي هذا الانفلات الصبياتي في شوارعنا,وحرق صناديق سحب الأموال ورجم البنوك بالحجارة ومحاولات حرقها,وحرق حاويات القمامة وإطارات السيارات والاعتداء علي محلات لأنها بملكية شركات يهودية,رغم أنها تشغل مئات العمال العرب؟السؤال الذي يقلقني:أين قيادات الأحزاب العربية من حالة التسيب في شوارعنا,تحت مظلة الاحتجاج؟وهل الاحتجاج يعني الانتحار الذاتي والانعزال المدمر لحياتنا واقتصادنا؟هل تتوقعون سياحة من المريخ ليستطيع أصحاب المصالح في البلدات العربية الترزق وإعالة عائلاتهم,وتشغيل عشرات العمال من نفس البلدة؟
كنا نتظاهر في الماضي أيضا,ولم تكن شعاراتنا أقل عنفا وثورية,ولم نكن أقل جرأة واندفاعا إذا اقتضي الأمر…ولكننا مسئولون عن تصرفاتنا وعن الحفاظ علي الانضباط في الشارع والالتزام بإنجاح المهمة النضالية,وعدم التعرض بلا مبرر للصدام مع الشرطة..وعن صيانة نظافة بلداتنا من الغوغائية والتسبب وعن ضمان استمرار التعامل مع الوسط اليهودي,الذي لا مفر لنا منه ,وتجنيد عناصر يهودية عقلانية وديموقراطية إلي جانب نضالاتنا…ولم نكن أقل بطولة,بل كانت بطولتنا بانضباط وتحكيم العقل..وبتنسيق وبمنع للتصرفات الشعوائية المضرة بنضالنا أولا!!
ما أراه أن أحزابنا رغم مطروحاتها القومية معزولة عن الهموم اليومية للجماهير العربية وتحول كل تحرك إلي نشاط إعلامي أولا لخدمتها في الانتخابات المقبلة,بمثل هذه العقلية ستبقي قضايا مجتمنا الجوهرية ساحة للمنافسة علي تسجيل نقاط تنفع للانتخابات ولا تنفع في إنجاز المطالب.
[email protected]