تزايد الحديث في الأونة الأخيرة عن الأجور والمرتبات وكل ما يتصل بالدخل سواء كان ثابتا أو متغيرا خاصة في ظل الارتفاعات المتتالية للأسعار عموما والسلع الغذائية خصوصا .
آراء الخبراء والمسئولين تباينت حول الحد الأدني للأجور لكنهم اتفقوا علي أهمية أن يواكب هذا الحد المستويات العامة للأسعار وبما يجنب المجتمع. أي آثار سلبية قد تؤثر علي الاقتصاد القومي ككل مثل التضخم, مما يعني ضعف القدرة الشرائية سواء للأفراد أو المؤسسات .
تشير أمينة حلمي كبيرة الخبراء الاقتصاديين بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية وأستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة.إلي الحاجة الملحة لتطوير السياسة الحالية فيما يتعلق بالحد الأدني للأجور في مصر لتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية المرجوة منها وبأقل تكلفة مالية ممكنة علي الحكومة والقطاع الخاص مع الأخذ في الاعتبار ضرورة وضع وتطبيق معايير بسيطة وواضحة لتحديد الحد الأدني للأجور ومراجعته بشكل دوري لضمان المحافظة علي قيمته الحقيقية.
د. أمينة حلمي تقترح أيضا ربط الحد الأدني للأجور بأهداف اقتصادية واجتماعية محددة كتقليل التفاوت في مستوي الفقر ورفع الكفاءة الإنتاجية وتشجيع عمالة الشباب مع وضع القواعد التي تحكم وتنظم عملية التفاوض فيما بين العمال وأصحاب العمل والحكومة وتحديد دور كل منهم بوضوح كذلك توفير آليات عادلة وفعالة لفض المنازعات خاصة في الحالات التي تكون فيها الحكومة هي صاحب العمل والحكم في ذات الوقت.
وتضيف أن المجلس القومي للأجور تم إنشاءه عام 2003 بموجب قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 983 لسنة 2003 للقيام بمهام عديدة أهمها وضع الحد الأدني للأجور علي المستوي القومي بمراعاة نفقات المعيشة وإيجاد الوسائل والتدابير التي تكفل تحقيق التوازن بين الأجور والأسعار وإعادة النظر فيه بصفة دورية لاتجاوز ثلاث سنوات علي الأكثر وتحديد هيكل الأجور لمختلف المهن والقطاعات والأنشطة بالدولة لتحقيق التوازن المطلوب في توزيع الدخل القومي,ووضع الحد الأدني للعلاوات السنوية الدورية بما لايقل عن 7% من الأجر الأساسي للعاملين الذي تحسب علي أساسه اشتراكات التأمينات الاجتماعية والنظر في الطلبات التي تتقدم بها المنشآت التي تحول ظروفها الاقتصادية دون صرف العلاوة واتخاذ قرار بشأنها خلال 30 يوما من تاريخ التقدم بالطلب .
تحدثت د. ليلي البرادعي أستاذة الإدارية العامة بجامعة القاهرة عن رؤية الموظفة الحكومي لنظام الأجور من خلال مقابلات مع 100 موظف حكومي في وزارة التجارة والصناعة والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة حول أسباب العمل في القطاع الحكومي ومدي الرضا عن إجمالي الأجر وذكرت أن 30% من المبحوثين يفضلون العمل الحكومي لأسباب تتعلق بالأمان والاستقرار و20% لعامل التوافق بين المؤهل الدراسي ومتطلبات التوظيف و10.9% لأسباب تتعلق بالأفضلية في مواعيد العمل 8.6% لتوافر فرص للترقي و8.2% للمكانة الاجتماعية وبالنسبة لمسألة الرضا عن المكافآت والحوافز فإن 75% يعتقدون أن توزيعها لايتم طبقا لمعايير واضحة ومحددة و76% لايعتقدون أن هناك عدالة في توزيع الحوافز أما 99% لايعتقدون أن العلاوات الدورية تتوافق مع معدلات التضخم وزيادة الأسعار.
واقترحت د. ليلي مجموعة من الخطط لإصلاح نظام الأجور منها توفير التمويل اللازم لتحقيق الزيادة المطلوبة في الأجور والوصول إلي الحجم الأمثل للعمالة في الجهاز الأداري وجعل نظام المكافآت والبدلات والحوافز أكثر شفافية وتحقيق ربط أفضل بين الأجور والأداء.
وتري الدكتورة ضحي عبد الحميد أستاذة التمويل بالجامعة الأمريكية والباحثة بالموسسة الدولية لتقييم الأداء التنموي أن الإطار التشريعي لنظام الأجور للقطاع الحكومي شديد التعقيد إذ تم رصد أكثر من 40 قانونا وقرارا لتنظيم أجور العاملين خلال الفترة من عام 1942 وحتي عام 2008 كذلك تراجع حد الأجور الأدني للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد من 60% في عام 1984 إلي 19.4% في عام 1991 إلي13% عام .2007
وتري د. نجلاء الأهواني أستاذة الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية ونائبة المدير التنفيذي بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية أن الحد الأدني للأجور بلغ 35 جنيها شهريا وفقا للقانون رقم 35 لعام 1984 كما يبلغ حاليا بعد تعديله ومراجعته 105 جنيهات ورغم أن ما يحصل عليه العامل فعليا يفوق الحد الأدني المعدل سواء أكان ذلك في الحكومة أو القطاعين العام والأعمال العام 168 جنيها شهريا أو في القطاع الخاص 154 جنيها شهريا فإن الحد الأدني الفعلي للأجور يظل أقل من الحد الأدني المفترض إذا ما قمنا بتعديله وفقا لمعدلات التضخم مما يعني أن قيمته الحقيقية تدهورت منذ منتصف الثمانينيات .
وتضيف د. نجلاء أنه في ضوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية السائدة في مصر ومعاناة نسبة كبيرة من الشعب من الفقر تتضح أهمية رفع الحد الأدني للأجور المحدد بموجب القانون بما يتناسب مع معدلات التضخم وذلك للمحافظة علي قيمته الحقيقية من التآكل كذلك من المهم وضع حد أدني للأجور يتحيز إيجابيا لصالح المناطق الريفية بالصعيد والتي ينتشر فيها الفقر.
ويشير عبد الفتاح الجبالي رئيس وحدة البحوث الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلي أن الدستور المصري وضع الخطوط الرئيسية التي يجب الالتزام بها عند رسم سياسة الأجور والتي يمكننا إجمالها في أربعة محاور هي:الحق في الحصول علي أجر عادل مقابل أداء العمل وضرورة وضع حد أدني للأجور علي مستوي المجتمع ككل كذلك العمل علي الحد من التفاوتات في الأجور وربطها بالإنتاج والإنتاجية بالإضافة إلي وضع القانون للقواعد والأسس التي تعظم عملية الحصول علي الأجر والترقيات الوظيفية وغيرها من الأمور المرتبطة بها.
وأضاف الجبالي أن التعامل مع مشكلة الأجور في مصر يجب أن يدور حول إعادة النظر في جدول الأجور والعمل علي زيادة شرائح العلاوات الدورية الحالية إذ يجب أن تتضاعف هذه العلاوة لتصبح نسبة ثابتة من الدخل مع إعادة تصنيف موظفي الحكومة وتوزيعهم بطريقة اقتصادية سليمة مع العمل مع وضع برامج للتأهيل وتدريب عمال وموظفي الخدمات المعاونة وتحويلهم إلي عمالة حقيقية يمكن أن تلتحق بسوق العمل مقابل أجور أعلي وهو ما ينطبق علي الحرفيين أيضا.