بين حطام الهيكل وأكوام الرماد وأكاليل الشوك المنحوتة في جدران كنيسة العذراء مريم بشارع الوحدة -إمبابة, حيث أكلت النار جمال أيقونة السماء, وتركت بصماتها السوداء في كل ركن, ناطقة بصوت منفر يصرخ بالحقد والقسوة والكراهية..جلس القمص متياس إلياس راعي الكنيسة يجلل الحزن العظيم قسمات وجهه الملائكي وتغلف الدموع كلماته.. وفي هذه الأجواء كان لنا معه هذا الحوار.
* في رأيك كيف بدأت أحداث إمبابة؟
* * بدأت أولا في صول بأطفيح, حيث هدمت الكنيسة في 12 ساعة كاملة ولم يتم القبض علي أي من ارتكب هذه الجريمة وجميعهم معروفون بالاسم والصوت والصورة, وبعد صول استمر التحريض من بعض شيوخ السلفيين الذين أعلنوا في أكثر من مظاهرة ومؤتمر أن مصر دولة إسلامية, وعلي المسيحيين أن يشكروا ربنا أنهم يعيشون فيها وفي حمايتنا, وأذكر أن أحدهم قال إذا استقوي الأقباط بالخارج سوف نقضي عليهم قبل أن يحدث تدخل, وهدد شيخ آخر بعد أن أقسم بالله أنه سوف يقتحم الكنائس والأديرة ليخرج منها المسلمات المحتجزات, ولا أدري لماذا أخذ شيوخ السلفيين هذه المساحة الكبيرة من التواجد بعد ثورة 25 يناير في حل المشاكل, كما تم الاستنجاد بهم في صول وقنا, وإعطاءؤهم فرصة كبيرة في الظهور بكل وسائل الإعلام الرسمي والخاص. إن عدم محاسبة الذين هدموا كنيسة صول أدي إلي حرق كنيسة العذراء بإمبابة.
* وما هي حكاية عبير من وجهة نظرك؟
* * حجة مثل كل الحجج, فقد ادعي أحد الإخوة السلفيين أنه تزوجها, علي الرغم من أنها متزوجة من مسيحي, وأنها اتصلت به مساء السبت الأسود, وقال له انجدني أنا محبوسة في كنيسة مارمينا بالبصراوي, فأبلغ السلفيين وذهبوا في مجموعة إلي الكنيسة وطلبوا تفتيشها وسمح لهم الآباء الكهنة هناك بالتفتيش حتي يهدأوا ولكنهم لم يصدقوا أعينهم وقالوا أكيد هناك مخابئ أخري وحجرات سرية بالكنيسة لا نعرف كيفية الوصول إليها, وعندما علم المسيحيون بالأمر جاءوا وأقاموا حائطا بشريا حول الكنيسة.. وكانوا نحو مئات حيث تطور الأمر بسرعة وتحول إلي معركة تدخل فيها البلطجية ولكنهم فشلوا في اقتحام كنيسة مارمينا.
* ولكن كيف انتقل الأمر إلي كنيسة العذراء بالوحدة؟
* * حوالي الساعة الحادية عشرة ونصف مساء السبت الأسود سمع فراش الكنيسة طلقات رصاص في الشارع حول الكنيسة, ثم حدث طرق شديد علي الباب بـماسورة حديد- نحتفظ بها- وعندما لم يفتح الفراش أطلقوا الرصاص علي الباب, ودخلوا وقيدوا عم ملاك وقالوا له: هات السلاح إللي معاك, فرد عليهم: إذا كان معي سلاح لضربتكم به. ثم قاموا بسرقته وأخذ مبلغ 1800 جنيه والموبايل الخاص به, وتدخل أحد مسلمي المنطقة من جيران الكنيسة وأنقذه من بين أيديهم, ثم قاموا بذبح الشهيد صلاح عزيز والذي وجد أبونا زخارياس عريان الراعي معي بالكنيسة جثته متفحمة صباح اليوم الثاني.
* وكيف تم حرق الكنيسة؟
* * الأمر كان مرتبا, فكانت هناك كراتين مملوءة مولوتوف وجراكن بنزين ودخل الكنيسة ثلاثة سلفيين بلحاهم وجلابيبهم البيضاء المميزة ومعهم عدد كبير من البلطجية, فالسلفيون يقسمون أنفسهم لمجموعات, مجموعة تحرض الناس ومجموعة تقود البلطجية وتحركهم أنت احرق هنا وأنت الدور الثاني, وهناك مجموعة منهم بعد الحرق تساعد في الإطفاء وتصرخ قائلة المسلمون والأقباط إيد واحدة وعاش الهلال مع الصليب. وهناك فيديوهات بالموبايلات تصور كل هذا, وقدمناها للكثير من الفضائيات الحكومية والخاصة ولكنها رفضت إذاعتها.
* هل تري أن هناك علاقة بين ظهور كاميليا شحاتة واندلاع الأحداث؟
* * في رأيي لا توجد علاقة, بل هي ذريعة يستخدمها السلفيون, لكنهم كانوا سيرتكبون هذه الجرائم سواء ظهرت كاميليا أو لم تظهر.
* لماذا لم تنزل وقت حريق الكنيسة؟
* * كل الناس منعوني من النزول للكنيسة خوفا علي من السلفيين والبلطجية, ولم أستطع أن أنام من القلق وعندما جئت في الصباح وجدت الكنيسة احترقت بالكامل, وكأن النار كانت من ألسنة الكراهية والحقد ولهبها ما هو إلا منفذ يحفر الأرض ويحطم الحوائط, ويمحو الأيقونات ويفجر التكييفات والمراوح.. الكراهية دمرت كل شئ وظهر ذلك بوضوح علي جثمان الشهيد صلاح عزيز.
* متي بنيت كنيسة العذراء؟
* * الكنيسة بدأ إنشاؤها عام 1969 ولكنها اكتملت في الثمانينيات حيث بدأت خدمتي بها.
* هل شهدت منطقة كنيسة العذراء أي أحدث من قبل؟
* * لا.. لم تكن هناك أية بوادر للنزاعات الطائفية, وبالنسبة لنا فالإنجيل واضح وتعاليم المسيح هي المحبة والحكمة والمسالمة, ودائما أقول إن مصر هي أمنا والمسلمين هم الأخ الأكبر, أما الأقباط فهم الأخ الأصغر, والأخ الأصغر يبكي ويشكو الضيق والاضطهاد من أصغر طفل بالمدرسة يتعرض للتمييز الديني ويخرج من حصة الدين ويحفظ القرآن والأحاديث في دروس العربي.. كثيرون لا يرضون بهذا, ولا يكمن أن أنكر مشاركة المسلمين غير الراضين عما يحدث في إطفاء الكنيسة بمحبة حقيقية وبذل للذات وهذه هي روح المصريين الأصيلة التي أرجو أن تسود.
* كيف تري الحل لعبور هذه الأزمة؟
* * لابد أن تفيق الدولة متمثلة في الجيش والشرطة, ولابد أن يفيق الجميع قبل حرق مصر, وأنا كنت أعمل كباحث اقتصادي قبل سيامتي كاهنا وهناك في الاقتصاد ما يسمي بالخطة قصيرة الأجل, وفي هذه الحالة تتطلب محاسبة الناس دون توازن, أي لا يتم استخدام طريقة السادات ومبارك بعد كل حادث طائفي يتم القبض علي المجني عليه والجاني, والتهديد بحبس الضحية أو الصلح العرفي وإخراج الجميع, وهو ما حدث بعد جريمة إمبابة, حيث تم القبض علي مسيحيين من داخل بيوتهم, في حين أن شيوخ التحريض طلقاء رغم كل الفيديوهات التي لا حصر لها التي تدينهم, فما الذي تغير في مصر, إن أسلوب مبارك في الحكم مازال هو السائد, وإذا استمر الوضع هكذا سوف لا تنتهي الفتن, وسوف يستمر هدم وحرق الكنائس, والقانون لابد أن ينفذ علي المحرض والمنفذ علي السواء, كما أن القانون قد كفل حق الدفاع الشرعي عن النفس, وهو ما قام به بعض المسيحيين لحماية كنيستهم وأرواحهم.
أخيرا أريد أن أتساءل إذا كانت هناك ادعاءات حول كنيسة مارمينا بالبصراوي.. فما الذي أدخل كنيسة العذراء في الموضوع؟!