تكثير الأحاديث والأسئلة والاستفسارات عن كيفية اختيار شريك الحياة ويتناسي الكثيرون أن يسألوا أنفسهم بصدق: هل أصلح أن أكون شريك حياة ناجح ومخلص للآخر؟!.. كالعادة الكل يبحث عن حقوقه وقليلون يراجعون ما عليهم من واجبات.
علي قدر اقتناعنا بأهمية دورات المخطوبين علي قدر اعترافنا بأنها أشبه بالرتوش لصورة أصيلة تكونت في نفوس الشباب والشابات عبر سنوات عمرهم وحتي وصولهم إلي مرحلة الارتباط.. فهي تنقذ ما يمكن إنقاذه.
وصدق من قال إن إعداد أبنائنا ليكونوا أزواجا وزوجات يبدأ قبل ولادتهم بعشرين سنة علي الأقل أي منذ تنشئة آبائهم وأمهاتهم وهم أطفال صغار, أي تنشئة الجيل الذي يسبقهم والذي يلعب دور المعلم والإعلامي والمشرف الاجتماعي أو النفسي ورجل الدين الذي يسترشدون به.
لأنه لابد من بداية ونقطة للانطلاق فإن هذه الدورات قد تنجح في إعداد جيل يستطيع أن ينشئ نشئا سويا يستطيع أن يكون شريك حياة بما تعنيه الكلمة.. وأذكر أنني اقترحت علي المنظمين لعدة برامج من إعداد المقبلين علي الزواج بأن يتم تضمين مناهج المدارس وأيضا مدارس الأحد عبر المرحلة المختلفة مفاهيما وموضوعات عن الزواج حسب المرحلة العمرية وأن يسير كل ذلك بالتوازي مع تقديم المشورة الأسرية سواء للمخطوبين أو المتزوجين حديثا وأيضا الذين قطعوا شوطا في رحلة الزواج وقد يواجهون بعض المشاكل أو الأزمات نتيجة عدم فهم حاجة الآخر في هذه السن, لأن الزواج يحتاج إلي رعاية وري وتنقية طوال الحياة, خاصة أن الأمر يتعدي قصة السعادة الزوجية أو الأسرية ليؤثر في السلام الاجتماعي بل والإنتاج والقدرة علي العمل والإبداع والعطاء.
والواقع أن تقديم المشورة للأسرة عبر مراحلها المختلفة مهم جدا لإعداد الأبناء للزواج, لأن الأسرة التي يعيش فيها الأبناء تلعب أخطر دورا علي الإطلاق في رسم صورة ذهنية عن الزواج وعن النظرة عن الجنس الآخر وعن دور كل من الزوجين في الأسرة, فكثير من الشباب والشابات يخزنون صورا ذهنية سيئة عن الزواج من خلال ما عايشوه ورضعوه منذ نعومة أظافرهم عن علاقات ومفاهيم زوجية مشوشة, فالطفل الذي تربي بين أبوين لا يحترم أي منهما الآخر أو يتسلط فيه طرف علي آخر أو ينظر فيه الزوج لزوجته نظرة دونية أو تختل فيها مفاهيم خضوع الزوجية أو رئاسة الزوج, أو يغلب عليها حدة الخلافات والاضطرابات, تترسب داخله تجارب سيئة ومفاهيم مغلوطة تعوق مسيرته عند الارتباط لتحقيق زواج ناجح, ولا تستطيع مجرد عدة محاضرات قبل الزواج عن العلاج الجذري لما تركته الأسرة من بصمات سلبية.
لذا يعد بناء الشخصية السوية أهم مقومات الإعداد للزواج للجنسين, فالزواج الناجح يحتاج لمن يستطيع اتخاذ القرارات ومن يستطيع مواجهة الأزمات ومن لا يسيطر عليه المخاوف والشكوك والظنون, ومن يثق بنفسه ومن ثم بشريك حياته, ومن يستطيع أن يعطي ويبذل ويضحي ومن يعرف أنه شريك وطرف أساسي في نجاح زواجه أي يكون فاعلا وليس دائما رد الفعل.. يعرف أيضا أن يسامح ولا يختزن الإساءة وأن يضع نفسه مكان شريك حياته فيقدر ظروفه وينظر من زاوية رؤيته أحيانا ويجتهد في معرفة فن التنازل وأن يودي واجباته قبل أن يطالب بحقوقه ويدرك واقعية الحياة التي لا تسير علي وتيرة واحدة ولا تبتسم دوما وقد تكشر عن أنيابها كثيرا.. أن يدرك معني الترك والالتصاق والمقصود به الفطام عن والديه مع القيام بواجباته نحوهم والالتصاق بشريك حياته, ذلك الالتصاق الذي يحمل كل معاني المصير الواحد والسعادة أو الألم المشترك وأن يدرك تماما أن الحياة الزوجية جهاد مستمر تحتمل السقوط وتتطلب القيام وتحتاج إلي معونة إلهية مع التأهيل وطلب المشورة.
[email protected]