ليس الشرف فقط ما يدافع عنه الإنسان حينما يتعرض لمحاولات الاغتصاب .. وإنما كل ما هو داخل النفس والروح من براءة ونقاء وسلام وطفولة .. لا يمكن أن يكون معنى الاغتصاب هو فض غشاء البكارة .. إنما يذهب أبعد من ذلك إلى فض غشاء البراءة .. فض غشاء الثقة بين البشر فض لكل الأشياء التى تحملها الطفولة لعالم المستقبل .. فالأنثى تولد أنثى منذ اليوم الأول لولادتها وكل ما تتعرض له يسجله عقلها الواعى والباطن ويختزنه ليتعامل معه فى المستقبل .. من هذا المنطلق تابعنا حادث الزاوية الحمراء الذى تمت فيه محاولة اغتصاب طفلة عمرها ثلاث سنوات وسبع أشهر وللأسف يدخل الحادث أيضا فى منعطف طائفى لأن الطفلة مسلمة والرجل الذى ارتكب الواقعة مسيحى فى الثلاثينات من عمره ومتزوج ولديه ثلاثة بنات أعمارهن خمسة أشهر وعامان وأربعة أعوام .. يعمل نجار .. التقينا بوالد الطفلة أثناء اعتصامه أمام ماسبيرو.
أمام ماسبيرو كانت الأعداد لا تتعدى المائة فرد حولهم بعض من قوات الجيش .. شباب صغير يرفعون لافتات ينددون فيها بالذئب البشرى الذى ارتكب هذه الجريمة .. اقتربت منهم سألتهم عن والد الطفلة .. أشاروا لى على رجل طويل القامة ذو لحية طويلة يبدو عليه التدين .. كان منفعلا جدا .. إنه قلب الأب الذى يعتصره الألم على ابنته الطفلة البريئة بعدما حاول أحد الذئاب البشرية افتراسها .. وانتزع منها الأمان الطفولى الذى كانت تلهو به بين الأطفال قبل دقائق من الواقعة .. والد الطفلة واسمه أيمن عبد المنعم يقول : ” وقع الحادث حينما كان ابنى وعمره 8 أشهر مصابا بنزلة معوية شديدة ويرقد فى إحدى دور رعاية الأطفال المرضى ووالدته معه لترعاه .. الدار عبارة عن شقة فى عمارة مكونة من أربع طوابق طابقان عيادات وطابق دار رعاية تابعة لعيادة و طابق سكن .. بعد ثلاثة أيام تركنا فيها ابنتنا مع جدتها لنرعى ابننا المريض جاءت الجدة بالابنة لنراها وتركنا البنت تلهو مع الاطفال فى مدخل العمارة وبعد حين جاءت البنت إلى والدتها وملابسها غارقة بآثار ما فعله هذا الذئب .. سألتها والدتها فروت لها ما حدث .. انهارت زوجتى وفوجئنا به يعترف ويقول : ” وإيه يعنى أنا باعمل كده فى بنتى “.. ووالدته قالت لنا اطلعوا اقتلوه .. والمسيحيين فى المنطقة رفضوا الدفاع عنه وتبرأوا منه “
حماية للمغتصب
ويسترسل أيمن قائلا :” أنا حميته من كل أهل المنطقة إللى كانوا عايزين يفتكوا بيه، ورغم إنى اتصلت بالشرطة العسكرية والمدنية إلا أنه لم يأت أى منهما إلا بعد ساعة ونصف الساعة لو كان ده مسلم أنا كنت قتلته فى ساعتها لكن مسكت نفسى علشان ماحدش يفتكر إنى باعمل فتنة .. والسبب التانى إنى عايز أخد حقى بالقانون عايز يعدموه لازم يعدموه لأن إللى يعمل كده فى طفلة يبقى إيه قولوا لى يبقى إيه “.
قاطعته قائلة :” يبقى مش إنسان أصلا ” لمحت فى عينيه الدموع وشعرت لو أننى فى نفس مكانه ماذا كنت فاعلة؟ حاولت تهدئته دون جدوى حتى يكمل حديثه وسألته عن التقرير الطبى فقال :” التقرير وضعه أطباء مستشفى منشية البكرى الذى حولتنا إليه النيابة وجاء به أن التشخيص محاولات شديدة فاشلة للإيلاج بالطفلة .. مع التهاب شديد واحمرار شديد حول المهبل مع وجود عينات من السائل المنوى على جسد الطفلة مطابقة للعينات التى أخذت من المتهم المعترف .
أحنى الوالد رأسه وكاد يبكى ألما على ما أصاب ابنته واصفا لى ما حدث رغم بشاعته إلا أنه لم يكن أبشع من الاستجواب الذى استغرق 12 ساعة كان نصيب الطفلة منها ثلاث ساعات وتصف الساعة بالتفاصيل تم خلالها دخولها للعرض مرتين، حيث عرضوا عليها مجموعة من المشبوهين بينهم المتهم فتعرفت عليه فى المرتين بسهولة وكانت بمجرد أن تراه تدير وجهها صارخة باكية منهارة .. قال هذا الكلام وانهار الأب الجريح قائلا: المحاكمة يوم الثلاثاء القادم ولابد من الإعدام.
سألته :” ولماذا انت معتصم الان هنا قال من اجل الاعدام لانهم يقولون ان التهمة هتك عرض اقصى حد فيها سجن ربما يكون ثلاث سنوات لكننى لن اقبل سوى بالاعدام ” .. ورغم تعاطفى معه ومع كل من فى مثل وضعه ورغم سخطى على العقوبات التى لا ترتقى لبشاعة الجرم والتى كثيرا ما طالبنا بتغييرها لأن جريمة الاغتصاب أبشع من الأثر الجسدى أنها تترك آثارا سيئة على نفس الانثى إلا أننى وجدتنى أقول له وفرضنا أنه لم يعدم فماذا ستفعل ؟ رد مباغتا فى ثورة عنيفة بدافع الأبوة المجروحة ..وقال :” أقسم بالله إن لم يتم الإعدام هاولع فى أى حد يقابلنى” .
ثار الرجل ونعذره فى ثورته ونقدر له أنه عاقل لا يود الفتنة وننتظر من المجلس محاكمة سريعة منصفة .
تركنا والد الطفلة وذهبنا إلى الزاوية الحمراء نستطلع آراء أهالى المنطقة فقالت ر. ب. ا مسلمة :” هنا بعضهم خايف وبعضهم متربص ببعض وفى حالة عداء واضحة على الوشوش وممكن جدا الموضوع يقلب لطائفى بشكل عنيف.
أما ج د-ف مسيحية .. :” مستحيل أى إنسان يقبل إللى حصل سواء كان مسلم أو مسيحى لازم ياخد عقاب رادع علشان يكون عبرة لأى راجل يفكر يعمل ده بطفلة أو غير طفلة .
هانى .. مسلم : ” إحنا كلنا مسلمين ومسيحيين مش عايزين فتنة لكن لازم إللى غلط يتعاقب على أد الغلط إللى ارتكبه المشكلة أن المجلس خايف على الوحدة الوطنية وممكن حق البنت يضيع.
. أمام منزل الجانى قالت جارته س . ك . م :” مافيش حد هنا كلهم مشيوا وسابوا البيت وماحدش عارف راحوا فين لكن قالوا وهم ماشيين إنهم مش راجعين تانى “.
تركنا الجارة وصعدنا إلى عيادة الطبيب عصام جلال الذى حدثت الواقعة فى الطابق الأعلى لعيادته التقينا بالممرضات اللاتى يعملن عنده ورفضن ذكر أسمائهن قالت إحداهن : أيمن فتحى مترى الذى اعتدى على سلمى الطفلة ذات الثلاث سنوات كنا نراه دائما فى حالة غير طبيعية وشككنا أكثر من مرة أنه يتعاطى نوعا من المخدرات .. نظراته دائما كانت غريبة ومريبة وزادت فى هذا اليوم وكنت أنا أراعى سلمى وأتابعها بعينى – والحديث للمرضة – لانشغال والدتها وجدتها مع أخيها المريض .. انشغلت عنها لفترة حوالى ربع ساعة كنت أعد فيها بعض الأشياء ثم فوجئت بها هابطة من على السلم باكية فسألتها:” مالك يا سلمى ردت ماليش عايزة ماما .. دخلت قالت لوالدتها وبعدها مباشرة لقيتنا والدتها طلعت فوق وعلى صوتها .. وبعدها والدة أيمن فتحى قالت لو عمل حاجة هو عندكم اضربوه .”
تركنا العيادة وذهبنا إلى منزل سلمى لنلتقى بوالدتها وقالت :” أولا أحمد الله على سلامة بنتى وإنها ماصابهاش مكروه وسايبة ربنا ياخد حقى من كل إللى بيطلع شائعات إنها اغتصبت اغتصاب كامل أو أى كلام من الوع ده لأن ده مش حقيقى إللى حصل كان محاولات .. وأنا باطالب بتوقيع أقصى العقوبة على الجانى مش الإعدام زى والدها ما قال لأن الإعدام راحة .. وعايزة أكد أن لما ثرنا مافكرناش ده مسلم ولا مسيحى .. فكرنا فى ضنانا وبس ولو كان اللى عمل كده مسلم تفتكروا كنت هاقوله برافو عليك مستحيل طبعا .. وحصل أنه تم الترويج لشئعات كتيرة جدا اتظلم فيها الدكتور عصام صاح بالعيادة باتهامه أنه مدبر الواقعة لأنه عايز يشترى البيت بخمسة واربعين الف جنيه لكن الدكتور ماكانش موجود اصلا اثناء الواقعة .. وهل يعقل انى ممكن اسيب بنتى يجرى فيها كده علشان اى سبب مهما كان او انى اقبل انه يغتصب بنتى علشان خلاف على شراء بيت ؟ ! يا ريت الناس تحكم ضمايرها
وتضيف والدة سلمى .. الطفلة الضحية قائلة :” بنتى مش أول ولا آخر بنت يحصل لها كده وده السبب الأساسى اللى دفعنى للإبلاغ فورا وعدم الرضوخ لدواعى الستر زى ما بعض الناس بيفضلوا لأنى خفت أن ده يكون مصير أى بنت تانية وقد يكون أبشع من إللى اتعرضت له بنتى”.
ثم أخرجت والدة سلمى محضر جلسة الصلح العرفى الذى يقضى بدفع تعويض قدره خمسة وعشرين الف جنيه لهم توازيا مع محاكمة أيمن فتحى وأكدت أنها ووالد سلمى رفضوا التعويض تماما .”
توجهنا إلى القمص جرجس نصر راعى كنيسة مارجرجس بالزاوية الحمراء وسالناه عن موضوع التعويض وكيف يتم محضر عرفى فى حين تتم الان المحاكمة أمام القضاء العسكرى وقال :” كانت الامور على وشك الانفجار فى المنطقة لولا مساعدة الشيوخ ومساعدة الإخوان المسلمين أيضا هناك .. اذ فوجئنا باعداد هائلة من السلفيين وتهد\يدات عبر ميكروفونات تجوب الشوارع تهدد بحرق منازل المسيحيين ومحالهم وقتلهم وافراد منهم يتجولون فى الشوارع حاملين السيوف تضامنا مع الحادث ..كان علينا اخماد الفتنة فعقدنا جلسة عرفية وليس صلح عرفى دراء للفتنة وحقنا للدماء وانقاذا لمنطقة باكملها من الدمار .. واشار القمص جرجس إلى أن من كان يزكى الامر بشدة ويشعله هو الدكتور عصام جلال استغلال للموقف حتى يتمكن من شراء العقار الذى حدثت به الواقعة وهو ذات العقار الذى به عيادته بثمن بخس . وما يؤكد كلامى انه حينما رفض الاب والام التعويض المادى قال الدكتور عصام اثناء الجلسة العرفية ان التعويض يتم دفعه وضمه لاموال الجامع .!!!.
أما جريس جبرة المحامى واحد اركان الجلسة العرفية فقال :” تم الاتفاق فىالجلسة على ترك أمر المتهم ايمن فتحى مترى للقضاء العسكرى لمحاكمته طبقا لمواد الاتهام الخاص بالجريمة ايا ما كان حكمها حتى الاعدام ….. أيضا اتفق على ان يتم بيع العقار الذى تم فيه الحادث بسعر السوق الى اى شخص يرغب الشراء ويتم دفع التعويض عقب إتمام البيع .. وتعويض أهل الطفلة بمبلغ 25 الف جنيه لا غير على ان تتم تلك الامور فى موعد غايته اسبوع من تاريخ الجلسة اخمادا للفتنة اى فى موعد غايته 5 مايو الجارى .
الرأى القانونى
عن الرأى القانونى يقول رمسيس النجار المحامى : ” المادة 269 من قانون العقوبات فرقت بين سن المجنى عليها اذ شددت العقوبة على الجانى اذا كانت المجنى عليها دون السابعة لتصل 15 سنة سجن خاصة اذا كانت هناك عوامل مشددة للعقوبة منها القوة والخفية والسيطرة المادية والادبية اى قوة الرجل الجسمية عن الضحية واخذها فى مكان خفى او اذا كانت له ولاية مادية او ادبية عليها وفى هذه الحالة تتوافر تلك العوامل ..
وعن مطالبة بعض المنظمات الحقوقية بإعدام الجناة فى وقائع الاغتصاب وهتك العرض يقول رمسيس :” المطالبة هنا فى غير محلها لان مصر الان فى حالة فراغ تشريعى ..ونضطر للعمل بالقانون الحالى لحين اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وإتمام المطالبة لصدور تشريع جديد يؤسس لتلك المطالبات ويشدد العقوبات فى تلك الجرائم .
ردا على مقولة اننا فى حالة فراغ تشريعى يقول احمد قناوى المحامى وصاحب بوابة مصر للقانون والقضاء ان هذا التفسير غير صحيح ليس لدينا فراغ تشريعى اذ صدر المرسوم بقانون رقم 1 لسنة 2011 عن المجلس العسكرى الحاكم للبلاد وقرر فى مادته الاولى ان كل ما اقرته القوانين واللوائح من احكام قبل صدور الإعلان الدستورى يبقى صحيحا ونافذا ما لم يتم الغاؤها او تعديلها وفقا للقواعد والاجراءات المقررة فى الاعلان الدستورى وفى هذا الاطار اصدر رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة مجموعة من المراسيم بقانون منها المرسوم بقانون رقم 11 لسنة 2011 بتعديل بعض احكام قانون العقوبات والتى تضمنت تعديلا فى الفمادة 267 منه وجرى نصها على النحو التالى : ” من واقع انثى بغير رضاها يعاقب بالاعدام او السجن المؤبد . ويعاقب الفاعل بالإعدام اذا كان المجنى عليها لم يبلغ سنها ثمانية عشر سنة ميلادية كاملة “.
كلمة من واقع تنطبق فقط على حالة الاغتصاب الكامل أما ما فيما يتعلق بهتك العرض فجرى تعديل المادة 268 وتنص على :” كل من هتك عرض إنسان بالقوة او بالتهديد او شرع فى ذلك يعاقب بالسجن المشدد واذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية تكون العقوبة بالسجن المشدد مدة لا تقلا عن سبع سنوات ” وترك المشرع الاحد الاقصى مفتوحا ..وهذا يعنى ان عقوبة الجانى فى الحالة التى نحن بصددها لا تقل عن سبع سنوات وفقا لهذا التعديل الأخير .
ينبغى ان يكون النظر للامر على اعتبار انها جريمة بصرف النظر عن ديانة فاعلها .. وهذه جرائم تحدث فى المجتمع بين ابناء الديانة الواحدة .. بين مسلمين مسلمات وبين مسيحيين ومسيحييات . فالجريمة حتمية فى كل كجتمع ولا يوجد مجتمع بلا جرائم ولكن على المجتمع قبول القانون لاننا فى مرحلة تكرس لدولة القانون وتعلى قيمته بغض النظر عن الدين او الجنس أو العرق.
ويبقى السؤال هل هتك العرض والمواقعة يختلفان فى الاثر النفسى على الضحية ؟هذا سؤال لا تجيب عنه الا ضحايا تلك الجرائم االاتى قررن جميعهن سابقا أنه لا اختلاف فى الأثر النفسى بين المواقعة الكاملة والمحاولات الفاشلة ربما النتيجة الجسدية فقط هى التى تختلف لكن يبقى الأثر النفسى طالما حيت الأنثى فهل يستمع المشرع لصوت الضحايا .
سوف نتابع المحاكمة يوم الثلاثاء .. ونتابع اللقاءات مع اسرة الجانى إن عثرنا على أى منهم لمعرفة بقية التفاصيل .
= =
س.س
2 مايو 2011