لقد هيمنت الدول الفاشلة علي اهتمامات نظام الأمن العالمي, وأصبحت كابوسا ملهما لعقيدتنا الأمنية, إضافة إلي أصابة كبار مسئولينا ليلا بالأرق. وقد بدأ هذا الخوف في 11 سبتمبر 2011 عندما تمكن تنظيم ##القاعدة## من شن تلك الهجمات الإرهابية المدمرة انطلاقا من معسكراته في أفغانستان, التي تعد من أفقر دول العالم علي الإطلاق. وبسبب تلك الهجمات اقتنع صناع السياسة الخارجية في واشنطن بأن أمن أمريكا بات مهددا من قبل الدول الفاشلة أكثر مما تهدده الدول القوية المنافسة. وقد عبرت استراتيجية الأمن القومي التي تبناها بوش عام 2002 عن هذه القناعة.
كما استمر الخوف نفسه من خطر الدول الفاشلة في ظل إدارة أوباما الحالية, فوزير الدفاع الأمريكي يري أن من المرجح أن تنشأ الهجمات الإرهابية الأشد دموية, الأشد تهديدا لسلامة أمريكا وأمنها -مثل أن تسمم مدينة بكاملها أو تتحول إلي ركام وحطام- من الدول غير القادرة علي إدارة أمورها كما ينبغي, والسيطرة علي حدودها. وعليه فإن التصدي لخطر الدول الفاشلة الممزقة, يمثل أكبر تحد أمني نواجهه في عصرنا الحالي. وقبل شهر واحد فحسب صرحت وزيرة الخارجية الأميركية بأن التدخل العسكري في ليبيا كان مبررا, بهدف منع تحول ليبيا إلي صومال عملاق.
وفي كلتا الحالتين, فإن الرسالة واضحة ولا غموض في معناها: تعتبر الدول الفاشلة الحلقة الضعيفة في سلسلة الأمن الدولي. والحقيقة هي أنه ربما تستحق الدول الفاشلة اهتمام أمريكا بها لأسباب إنسانية وتنموية, غير أنه لا علاقة لهذه الدول بأمن أمريكا القومي. ذلك أن الخطر الذي تمثله هذه الدول يقتصر بالدرجة الأولي علي مواطنيها وحدهم. أما المزاعم السائدة التي تقول بخلاف هذا, فهي ليست مشتتة للجهد والاهتمام فحسب, إنما هي غير مجدية تماما لأنها تحوي علي معلومات مضللة لواضعي السياسات المهتمين بتحديد أولويات مواردهم الشحيحة أصلا.
وإذا نظرنا إلي العلاقة بين الدول الفاشلة والإرهاب العابر لحدود القوميات والدول, فسوف نجدها ضعيفة للغاية. ويتركز نشاط تنظيم ##القاعدة## في جنوبي آسيا وشمالي أفريقيا, وكذلك في منطقة الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. غير أنه لا وجود يذكر في معظم الدول الفاشلة الأخري, بما فيها تلك التي تقع في جنوب الصحراء الأفريقية. فكيف نفسر هذه الظاهرة يا تري؟ والإجابة -من وجهة النظر الإرهابية- أن محاولة البحث عن ملاذ آمن للإرهابيين, هي محاولة محكوم عليها بالفشل مسبقا. وقد توصل تنظيم ##القاعدة## إلي هذه الحقيقة في عقد تسعينيات القرن الماضي عندما سعي إلي أن يكون له وجود في الصومال. ولمن يزعم أن الدول الفاشلة توفر أفضل ملاذ لهذه الجماعات الإرهابية, فإن عليه أن يتذكر أن تنظيم النشاط الإرهابي يتطلب أن توفر الظروف الآمنة له, وأنه بحاجة إلي توفر بنية تحتية للاتصالات والمعاملات المالية. ولا توفر الدول الفاشلة هذه البنية بالطبع. ولذلك تلجأ الجماعات الإرهابية إلي الدول الأقوي نموا, والتي تسود فيها ممارسات الفساد في ذات الوقت. وعليه, فإن دولا مثل كينيا, توفر الخيار الأمثل للإرهابيين, خاصة وأن السيادة الوطنية التي تتمتع بها, توفر نوعا من حماية الإرهابيين من خطر التدخل الخارجي.
وإذا ما وجد الإرهابيون ملاذات آمنة لهم في دول مثل اليمن وباكستان, فإن ذلك لم يحدث بسبب ضعف هاتين الدولتين فحسب, وإنما لأن حكومتيهما لا تظهران عزما كافيا علي مكافحة الإرهابيين الذين تربطهم علاقات مصالح متبادلة مع حكومتي هاتين الدولتين. وعلينا ألا ننسي أن الإرهابيين أنفسهم يحتاجون إلي وجود وسطاء سلطة محليين, إضافة إلي ما يحتاجونه من دعم لا غني لهم عنه من المجتمع المحلي المحيط بهم. فعلي امتداد الخط الحدودي الفاصل بين باكستان وأفغانستان, يتوفر هذا الدعم المجتمعي اللازم لعناصر ##القاعدة## من قبل القبائل البشتونية المتعاطفة معهم من جهة, والتي تحتضن الضيف وتحث علي إكرامه حسب التقاليد الاجتماعية والثقافية السائدة. وتتوفر ذات المزايا والثقافة المحيطة لعناصر ##القاعدة## في شبه الجزيرة العربية, الذين جعلوا من اليمن ملاذا آمنا لهم.
وأخيرا: ماذا عن علاقة الدول الفاشلة وخطر أسلحة الدمار الشامل؟ ذلك أن الكثير من المحللين الأميركيين يبدون قلقا من أن تسعي الدول الفاشلة إلي الحصول علي الأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية, وأن تعجز الدول الحاصلة علي أي من هذه الأسلحة عن السيطرة عليها, أو أن تقرر مشاركة هذه الأسلحة مع العناصر الإرهابية المتطرفة. غير أنه لا مبرر البتة لهذه المخاوف, إذا علمنا أنه وباستثناء دولتين فحسب: كوريا الشمالية وباكستان, فإن الغالبية العظمي من الدول الفاشلة لا تمثل أدني خطر للأمن القومي الأمريكي, من ناحية علاقة هذه الدول بأسلحة الدمار الشامل.
زميل رئيسي ومدير لبرنامج المؤسسات ونظم الحكم الدولية بمجلس العلاقات الخارجية بنيويورك
واشنطن بوست