كلما ازادت الدول ثراء,وارتفع مستوي معيشة الأفراد قلت ساعات العمل..هذا ما يرويه التاريخ …ففي أواخر القرن التاسع عشر حيث كانت الولايات المتحدة دولة نامية نسبيا.
كان دخل الفرد فيها يعادل دخل الفرد في الصين اليوم,وكان معدل ساعات العمل داخل المصانع 60 ساعة أسبوعيا,والعطلة يوما واحدا فقط! مما دعي العمال الأمريكيين إلي التظاهر في يوم عيد العمال الموافق 1 مايو عام 1886 للمطالبة بتقليل ساعات العمل إلي ثمان ساعات يوميا وتم ذلك بالفعل.
وبمرور الوقت ,ازدهر اقتصاد الولايات المتحدة,وفي الوقت نفسه انخفضت ساعات العمل تدريجيا,وازدادت أوقات الترفيه.وفي عام 1926 كان هنري فورد أول من اقترح أجازة يومين عطلة أسبوعية بعد أن توصل إلي أن عدم الضغط علي العامل يساهم في ارتفاع إنتاجيته..وبالفعل تم تطبيق هذا الاقتراح .وفي عام 1970 وصل متوسط ساعات العمل الأسبوعية في أمريكا إلي 40 ساعة.
وتبنت أوربا وأيا هذه السياسة لتخفيض ساعات العمل ففي عام 1991 ,انخفض متوسط ساعات العمل في اليابان 11% وفرنسا 10% وألمانيا وبريطانيا 6% وكوريا الجنوبية 5% ورغم أنه من المعروف عن الشعوب الآسيوية أنها من أكثر الشعوب التي تعشق العمل لساعات طويلة إلا أنها سارت علي نفس نهج الدول العربية ففي ظل الإقلاع من ساعات العمل إزدادت ساعات الترفيه.
وبمرور الوقت تغير الوضع في الولايات المتحدة.
إذ تشير أحدث الإحصائات إلي أن 31% من الأمريكيين الحاصلين علي شهادات جامعية يعملون أكثر من خمسين ساعة أسبوعيا مقارنة بنسبة 22% عام .1980
وفي تقرير لمركز النوم القومي اتضح أن 40% من الأمريكيين ينامون أقل من سبع ساعات في أيام الأسبوع التي يعملون فيها.
وقد أدي هذا الانغماس الوظيفي إلي تغيير العادات بالحياة اليومية مثل كيفية تناول الغذاء فغالبية الأمريكيين يتناولون وجباتهم علي عجل و34% منهم يتناولون وجبة الغذاء إما أثناء العمل أو القيادة أو السير!
وفي ظل عصر العولمة والضغوط الاقتصادية والاجتماعية أصبح إيقاع الحياة أسرع بكثير من العقود الماضية فمعظم الناس يضطرون إلي عمل أكثر من شئ في آن واحد مثل الإجابة علي البريد الألكتروني في نفس الوقت الذي قد يديرون فيه دفة الحوار مع زملاء العمل لإنجاز عمل ما.
وخلال الــ 25 سنة الماضية,ساهمت ثورة المعلومات في إنعاش الإنتاج بنسبة 70% ومن المفترض أن يكون التطور الصناعي وهيمنة وتكنولوجيا الاتصالات قد ساعدت الإنسان علي اختصاد الكثير من ساعت العمل لكن ذلك صحيحا,والسبب الرئيسي هو الإغراء المادي الكبير مقابل ساعات العمل الإضافية حيث تصل زيادة الراتب إلي 14% في حالة إتمام 55 ساعة عمل أسبوعية …والسبب الآخر هو البريق الذي تضفيه الكثير من المراكز الإدارية إذ يتعين علي صاحبها أن يملك زمام الخيوط الرئيسية والفرعية لكل تفاصيل العمل وذلك يستنفذ وقتا كبيرا.
جدير بالذكر أن الأوربيين بدأوا ينتهجون سياسات العمل الأمريكية حيث إذداد عدد الألمان الذين يعملون أكثر من 40 ساعة أسبوعيا من 4.7 مليون عامل إلي 5.3 مليون عامل
يعتقد توماس ديفنبورت أستاذ تكنولوجيا المعلومات والإدارة بجامعة بابسون ومؤلف كتاب التفكير من أجل المعيشة أن الكثير من المديرين يقدرون موظفيهم ليس فقط علي ما أنجزوه يعتمدون بشكل كبير في تقييمهم علي عدد الساعات التي يكثونها داخل مكاتبهم.
أما روب كروس وهو أستاذ مساعد متخصص في الاقتصاد بجامعة فيرجينيا فيعتقد أن كثيرا من المديرين يستنفذون ساعات العمل في العلاقات العامة لاتخاذ القرارات اللازمة.الأمر الذي يعطلهم عن ابتكار الأفكار الجديدة لتطوير العمل.وينصح أحد المستشارين بشركة ماكنسي إنه إن كان مركزك كبيرا بالمؤسسة التي تعمل بها,ولديك سلطة في أن تتحكم بصورة مرنة في ساعات العمل.إذا من الممكن تقنين الفترات التي تقضيها في الإجابة علي التليفون أو الرسائل وتكريس جزء أكبر للتفكير في هدوء..سيما وأن التواصصل المستمر يخلق نوعا من عدم التركيز ويهدر كثيرا من الوقت.
والواقع أن أسلوب الحياة الجديدة إنعكس علي العلاقات الأسرية خاصة وأن معظم الآباء والأمهات أصبحوا يكرسون وقتا أكبر لمستقبلهم المهني …وقد بلغ متوسط مجموع ساعات العمل للأب والأم 68 ساعة أسبوعيا بينما كان لا يتعدي 59 ساعة في عام .1979
أشار معهد السياسة الاقتصادية بالولايات المتحدة إلي إنه كلما تحسن المستوي التعليمي للزوجين كلما ازدادت ساعات عملها وتنبهت المدارس والمؤسسات التعليمية المختلفة إلي تنامي فترات الفراغ لدي الأطفال والمراهقين,لذا حاولت تكثيف البرامج الثقافية والأنشطة التي تساعد هؤلاء الطلاب علي تنمية مهاراتهم الفردية.
تقول أن سويدلر المتخصصة في علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا أن عصر التكنولوجيا ساهم في خلق مناخ عائلي متطور يستطيع فيه الأبناء الاعتماد علي أنفسهم منذ سن صغيرة والخروج من بوتقة الأسرة التقليدية إلي العالم الكبير من خلال العلاقات الاجتماعية البديلة التي تعوضهم جزئيا عن غياب الوالدين.
لقد تغير طابع الحياة فأصبحت أكثر تعقيدا نظرا لتعدد التحديات والاختيارات وتكم المشكلة في صعوبة التوصل إلي الحلول الوسطية فإذا اضطر أحد للعمل ساعات طويلة للوصول إلي حياة رغدة فإنه مقابل ذلك يدفع الثمن من راحته وسعادته مع عائلته وأعصابه.
عن مجلة بيزنس ويك
التعليق أكثر من مهمة في آن واحد.. صراع الحياة العصرية!