أصدر مجلس الوزراء تقريره عن أداء الحكومة فى الخمس سنوات الماضية من 2004 وحتى 2009 ، والذى يحتوى على معلومات موثقة حول ما أسماه التقرير بالإنجازات خلال الفترة المذكورة، وذلك فى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية وغيرها. ولعل أخطر فقرات التقرير تلك التى جاءت حول مستوى معيشة أفضل لجميع المواطنين من حيث الأجور، وأكد التقرير زيادة مرتبات العاملين فى الدولة بنسبة 100% للدرجات الدنيا، و75% للدرجات العليا، وذلك بهدف الموائمة بين الزيادة فى الدخل والزيادة فى الأسعار، كما تم إعداد قوانين جديدة تنظم الأجور فى المؤسسات الحكومية المختلفة، والمساواة بين أجور العاملين فى الدرجة ذاتها، وربط الأجور بالمسئوليات والواجبات، هذا إلى جانب زيادة أجور الأطباء وأعضاء هيئة التمريض اعتباراً من شهر يوليو 2008، حيث بلغ متوسط دخل الطبيب 1380 جنيها شهرياً مقابل 630 جنيها فى العام السابق، كما تم تطبيق كادر المعلم الذى أدى إلى زيادة أجورهم بنسبة تراوحت بين 100 % إلى 200 % على مرحلتين، وذلك اعتباراً من أول ديسمبر 2008.
يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً
وعلى صعيد آخر أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرها النوعى تحت عنوان “مصر …تداعيات سياسة الأجور على منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية”، وذلك فى إطار اهتمامات المنظمة بمنظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويهدف التقرير إلى بيان واقع الأجور فى مصر، ومدى الفجوة بين الأسعار والأجور من ناحية، والأجور والخدمات من ناحية أخرى، ومدى الاختلال فى منظومة الأجور بالمجتمع المصرى، وتداعيات ذلك على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وغياب مبدأ تذويب الفوارق بين الطبقات، فيزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً .
وكشف أيضا تقرير المنظمة عن جملة من الحقائق الأساسية، وهى أن منظومة الأجور فى مصر دون مستوى الحد الأدنى للأجور، وتفتقد للمعايير الدولية، فالحدّ الأدنى للأجور فى مصر هو أدنى بكثير من خطّ الفقر المدقع، والمقرر دولياً بدولارين فى اليوم للفرد. فوفقاً لدليل السياسة الاجتماعية الذى صدر عن الأمم المتحدة فى شهر يناير 2009 نجد أن الحد الأدنى للأجور فى الحكومة والقطاع الخاص والبالغ 142 جنيهاً، أقل من خط الفقر الأدنى فى مصر، والذى يبلغ 150 جنيهاً فى الشهر.
هذا إلى جانب أن منظومة الأجور فى مصر تعانى من اختلالات واضحة بين القطاع الحكومى ونظيره الخاص، بل وبين القطاعات الحكومية المختلفة، بل ولا ينال العامل حقه فى الأجر المناسب نظير ما يقدمه من عمل، الأمر الذى يمثل انتهاكاً لأحد حقوقه الاقتصادية ألا وهو “الحق فى العمل” المكفول بمقتضى الدستور والمواثيق والاتفاقيات الدولية المعنية بذلك .بالإضافة إلى أن تدنى معدلات الأجور وارتفاع تكلفة القطاعات الخدمية وانخفاض المخصصات المالية لهذه القطاعات من الموازنة العامة، تجعل هناك تفاوتات رهيبة ما بين الأفراد فى حصولهم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، إذ يستطيع ذوو المرتبات العالية أن ينالوا (رعاية صحية مناسبة، سكن مناسب، ملبس مناسب، تعليم مناسب)، ولكن من هم دون ذلك فإنهم يقعون خارج إطار المنظومة، وهذا بخلاف ما تؤكد عليه الأرقام والإحصائيات والتقارير الحكومية من تحسن وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
الدعم .. وعدم التوازن بين الأجور والأسعار
أما فيما يخص الدعم فيرى التقرير الصادر عن مجلس الوزراء أن الدعم يعتبر أحد المكونات الرئيسية لمنظومة الضمان الاجتماعى التى تقوم الدولة بتوفيرها للفئات محدودة الدخل، بهدف مساندة هذه الفئات فى مواجهة ارتفاع الاسعار، وتوفير كافة السلع والخدمات الأساسية بتكلفة منخفضة تتفق مع قدراتهم، لذلك تضاعفت قيمة الدعم خلال الخمس سنوات الأخيرة ليصل الى 97 مليار جنيه عام 2008/2009 ، وبلغ عدد المواطنين المستفيدين من البطاقات التموينية حوالى 63 مليون مواطن، كما تم دعم السلع التموينية والخبز بحوالى 24 مليار جنيه .
بينما أكد التقريرالصادرعن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أنه فى ضوء استفحال أزمة الأجور والمرتبات نتيجة التجاهل الحكومى للسياسات الاجتماعية التى يجب أن توازن بين الأجور والأسعار، بالإضافة لغياب المجلس القومى للأجور وامتناعه عن تحديد حد أدنى للأجور حتى الآن لذلك يجب أن يراعى أن لا يقل الحد الأدنى للأجور عن تكلفة الضروريات، كما يجب تحريك الحد الأدنى للأجور كل فترة زمنية قصيرة فى ضوء الارتفاع فى الأسعار، ويجب تفعيل دعم السلع والخدمات الضرورية للحياة المعيشية التى تقدم للطبقة الفقيرة، هذا إلى جانب ضرورة أن يعلن المجلس القومى للأجور عن الحد الأدنى للأجور، خاصة أنه لم يقم بذلك منذ إنشائه فى 2003.وأن يراعى المجلس الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التى تدهورت خلال السنوات الماضية، وأسعار بعض السلع الغذائية وغيرالغذائية التى ارتفع بعضها إلى أكثر من 200% ، وأن ينجح فى تأمين الحد الأدنى للمعيشة الكريمة للفقراء، وذلك من خلال ربط الأجر بالأسعار وزيادته الدورية بما يتماشى مع ارتفاع الأسعار فى مصر.
مصر .. بين توغل الفقر وسراب التنمية
هذا وقد أكد التقرير الصادر عن مجلس الوزراء على أن المعاشات تم رفعها، حيث الحد الأقصى للمبالغ المستحقة للأسر المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعى إلى 320 جنيها شهرياً، كما تم زيادة عدد الأسر إلى حوالى واحد ونصف مليون أسرة، وفى محاولة لتطوير نظام المعاشات تم صدور قانون 114 لسنة 2008 بزيادة المعاشات بنسبة 20 %، بحد أقصى مائة جنيه اعتباراً من مايو 2008 ، زيادة عدد المؤمن عليهم فى نظام التأمينات الاجتماعية إلى حوالى 21 مليون مواطن هذا العام بواقع 20 مليون مواطن عام 2004 .
بينما أصدرت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تقريرها النوعى تحت عنوان “مصر بين توغل الفقر وسراب التنمية”، ويهدف تقرير المنظمة المصرية إلى بيان ماهية الفقر ومؤشرات قياسه وأسبابه، ووضعية الفقر فى مصر، وتداعيات الفقر على منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وصولاً إلى خطة قومية لمكافحة الفقر، وكشف التقرير عن أن البنك الدولى صنف مصر بأنها من ذى الدخول المنخفضة ، حيث تحتل مصر المرتبة الخامسة على مستوى منطقة الشرق الأوسط والمركز 62 عالمياً، وفقاً لما ورد فى دليل السياسة الاجتماعية الصادر عن الأمم المتحدة 2009 ، ويكمن السبب الرئيسى فى انتشار الفقر إلى عدم المساواة الاقتصادية بين الأفراد، أى التفاوت فى توزيع الثروات والدخول. وبالنظر إلى مصر نجد أن نسبة الفقر قد تجاوزت كل حد، لدرجة أن النسبة الكبرى من الشعب المصرى يعيشون تحت خط الفقر، ويرجع ذلك إلى السياسات الاقتصادية المتبعة التى لا تعمل على مبدأ العدالة فى توزيع الثروات، مما أدى إلى زيادة تفشى ظاهرة الفقر، وارتفاع معدلات التضخم، يضاف إلى ذلك النتائج العكسية المترتبة على عمليات الخصخصة، بدءاً من مشكلة سعر الصرف والانخفاض المتوالى لقيمة الجنيه المصرى أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، مروراً باستمرار انخفاض معدل الإدخار المحلى، وزيادة العجز فى الموازنة العامة بصورة مطردة، وارتفاع الدين المحلى لأرقام فلكية تهدد الاقتصاد الوطنى، وانتهاء بالارتفاع المستمر فى أسعار معظم السلع خاصة السلع الأساسية، مثل المواد الغذائية والتموينية. فضلاً عن ذلك سوء الخدمات الصحية والتعليمية والسكانية المقدمة للمواطنين، كنتيجة أساسية لما يسمى بـ”الإصلاح الاقتصادى”.
==
س.س