شهدت أسعار البترول في البورصات العالمية خلال السنوات القليلة الماضية زيادة كبيرة لتصل إلي أعلي معدلاتها,وتشير بعض التقارير العالمية إلي أن البترول سوف ينضب تماما في الكثير من الدول خلال فترة تتراوح ما بين 10, 50سنة المقبلة.الأمر الذي دعا العديد من الدول الصناعية الكبري إلي البحث عن مصار وبدائل أخري لإنتاج وتوليد الطاقة كنوع من الأمن القومي اللازم لإدارة التكنولوجيا والصناعة في تلك الدول.
وبدأ الاتجاه إلي الموارد النباتية مثل السيليلوز والهيميسليوز والنشا,بالإضافة إلي الحبوب وبعض الحاصلات الزراعية الأخري كمصدر أساسي لإنتاج طاقة بيولوجية آمنة صحيا ورخيصة الثمن.
وفي تقرير نشر مؤخرا في صحيفة ”الفاينشيال تايمز” عبر صندوق النقد الدولي عن مخاوفة من تزايد اتجاه معظم الدول المتقدمة للحاصلات الزراعية مثل القمح والذرة إلي هذا النوع من الطاقة الحيوية.خاصة في ظل توفر جميع العناصر اللازمة للإنتاج سواء الموارد المالية الضخمة أو تكنولوجيا التصنيع المتطورة.حتي اتجهت بعض الدول مؤخرا مثل ألمانيا إلي اكتشاف نباتات جديدة شبيهة بنبات عباد الشمس لا تصلح كغذاء للإنسان,وهي مخصصة أصلا لتوليد الطاقة نظرا لرخص ثمنها,وتم تخصيص مساحات شاسعة لزراعتها,وفي أمريكا يقوم خبراء الطاقة حاليا بتخمير جزء من محصول الذرة لعمل كحول يستخدم كوقود حيوي لإدارة التوربينات ووسائل النقل المختلفة,وتقوم أوربا أيضا بإنتاج وقود الديزل من خلال عصر بذور بعض النباتات المخصصة لهذا الغرض,وفي البرازيل التي تعتبر أكبر الدول إنتاجا للإيثانول علي مستوي العالم يتم تحويل قصب السكر إلي إيثانول,وهو ما انعكس سلبا علي معدلات أسعار جميع السلع والمواد الغذائية التي بلغت مستويات قياسية في معظم الأسواق العالمية.
من جانبها أكدت ”صوني جستس” مديرة ورئيسة قسم بدائل في شركة ”أر.بي.سي” أن ارتفاع أسعار الحبوب والمحاصيل المشبعة بالزيوت مثل الفول السوداني وفول الصويا وزيت النخيل باتت المشكلة الأساسية التي تؤرق الدول النامية خاصة إن حكومات الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة تدعم منتجي الوقود الحيوي,وتحميهم ضد المتغيرات في الأسواق الخارجية.
قال مصطفي الضوي رئيس الشعبة العامة للمواد الغذائية التابعة لاتحاد الغرف التجارية إن معدلات الزيادة في أسعار القمح بلغت أكثر من 20%علي المستوي العالمي في العام الماضي,الذرة40%,السكر حوالي30%,وفول الصويا80% وهو ما انعكس سلبيا علي السلع الغذائية في الأسواق المحلية خاصة رغيف الخبز البلدي,ومن المتوقع أن تواصل أسعار الحبوب ارتفاعها علي المستوي العالمي في ظل زيادة الطلب عليها من الصين والهند,وظهور الوقود البيولوجي كأكبر مستهلك لها وستشهد أسعار الذرة هذا العام زيادة جديدة تتراوح ما بين 10%,20% بسبب اتجاه دول أجنبية مثل الولايات المتحدة -التي تعتبر أكبر مركز ومنتج للحبوب علي المستوي العالمي- لاعتماد مبلغ2مليار دولار للتوسع في إنتاج الإيثانول,وستحقق أيضا أسعار الزيوت بجميع أنواعها زيادة أخري بنسبة 25% نتيجة استخدام فول الصويا وعباد الشمس والجاتروفا في إنتاج وقود البيوديزل,إضافة إلي زيت الذرة المستخدم في إنتاج البيوإيثانول.الأمر الذي جعل بعض الدول ذات الكثافة السكانية مثل الصين تتراجع عن هذا الاتجاه لعدم حدوث خلل في الميزان الغذائي لديها..
والسؤال الآن هو:في ظل زيادة الطلب علي الإيثانول الحيوي عالميا هل يمكن أن تتجه مصر مستقبلا لاستغلال الحاصلات الزراعية في هذا المجال خاصة أن العائد المادي الناجم عنه أضعاف استخدامها في الغذاء؟وما تأثير ذلك علي الارتفاع المستمر في الأسعار؟وما البدائل الصحية الآمنة لتوفير الغذاء والطاقة في مصر؟.
الإيثانول الحيوي
أوضح الدكتور محمد السكري الأستاذ بمعهد بحوث البترول أن دول أمريكا الشمالية كانت من أوائل الدول الأجنبية التي أدخلت هذا النظام عام 2000حيث أقامت أربعمائة محطة لإنتاج الوقود الطبيعي,وبعدها بعام واحد بدأت أوربا تعتمد عليه في صناعتها بنسبة 1%,وتسعي حاليا لزيادة النسبة إلي 7% تقريبا خلال الثلاثة أعوام المقبلة,وتبعتها بعض الدول الآسيوية مثل باكستان وإندونيسيا والهند وتايلاند والصين,وتدريجيا زادت معدلات الطلب عليه وارتفع حجم الإنتاج العالمي من 20مليون طن عام 2000إلي أكثر من 40مليون طن حاليا وسيؤدي استمرار الدول الكبري في هذه الخطوات لإحداث مزيد من الارتفاع في أسعار القمح والدقيق عالميا.خاصة بعد أن قررت أوربا وأمريكا الآن توجيه 30% من إنتاجها من القمح لهذا الغرض,وفي أوربا سيتم زيادة المساحات المزروعة من الحبوب وبنجر السكر في السنوات المقبلة لنفس الهدف,أما الدول الآسيوية فيستمر اعتمادها بقوة علي البطاطا ونبات الكاساف.
الموارد الطبيعية لإنتاج الطاقة
أضاف الدكتور شريف بياض أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز بحوث الصحراء:أننا لا نعاني حاليا من أزمة في استهلاك الطاقة,وإن كنا نتوقعها مستقبلا فعلينا استغلال مصادرنا الطبيعية المتاحة لإنتاجها بصورة صحية وآمنة,وهي بدائل كثيرة وغير مكلفة مثل الزيوت الطبيعية المستخرجة من البذور النباتية وأهمها بذور عباد الشمس واللفت والذرة والدهون المستخلصة من الحيوانات والمواد الدهنية والزيوت الطبيعية المستخرجة من بذور نبات الجاتروفا,ويمكن زراعتها في الصحراء,وهو ما حدث مؤخرا في الأقصر,حيث تمت زراعة نباتات الجاتروفا والجوجوبا,وهي أنواع من المحاصيل الزراعية التي تتطلب أرضا خصبة لزراعتها,ويمكن أن يتم الري بمياه الصرف الصحي أو المياه الجوفية,كما أنها غير مستنزفة للمياه,ولا تتطلب زراعتها درجة حرارة معينة فهي تتحمل درجات الجفاف والحرارة المرتفعة وهذه الأنواع تستخدم لإنتاج وقود نباتي بيولوجي رخيص الثمن وغني بالمواد الخام اللازمة لاستخراج الطاقة,فتصل نسبة الزيوت غير المشبعة فيه إلي 80%,والزيوت المشبعة لأكثر من 20%,أما نسبة الزيوت الطبيعية فيها فتبلغ 40%,ويمكن أيضا استغلال المخلفات الناجمة عن المولاس لقصب السكر في استخراج الطاقة ثم تصديرها للدول الكبري وتوفير العملات الصعبة أو الاعتماد علي النشا الموجود في بعض المحاصيل الزراعية مثل البطاطا,فالفدان الواحد منها ينتج موادا نشوية تعادل 25فدان قمح,و10أفدنة ذرة,ويستخرج من الفدان 24طن مواد سكرية,بمعدل تحويل 50% ويعطي حوالي 11طن إيثانول قيمتها 64ألف جنيه.
واستطرد قائلا:المشكلة الأساسية التي تواجهنا حاليا تتمثل في ارتفاع التكلفة,ونقص التكنولوجيا اللازمة للإدارة والإنتاج المحلي,وبالتالي الاستعانة بالخبرات الدولية فتزيد التكلفة النهائية,لذلك مازال هذا المجال في مصر محدودا للغاية,ويحتاج لمزيد من الدعم المادي والفني.