80% من سيدات القرية أرامل بسبب الثأر
الثأر في مجتمع الصعيد أمر واجب النفاذ لا يعوقه القانون ولا الأحكام التي يقضي عقوبتها المتهمون في تلك الجرائم لأن المجتمع الصعيدي ينظر إلي من لا يأخذ ثأره بيديه وكأنه متخاذل وربما جبان ولا يستحق أن يحمل اسم عائلته لذلك فإن الثأر لا يسقط بالتقادم,وهذا يرمي إلي أن مجتمع الصعيد ربما لا يعترف بسيادة القانون وهيبة الدولة في قضية الثأر بالتحديد حيث ينحي القانون جانبا وتصبح البندقية هي الفاصلة بين طرفي الخصومة.ورغم أن الدولة تدرك تماما ذلك الأمر إلا أنه لم يتم طرح رؤية أو برنامج يعالج تلك الإشكالية بالغة التعقيد.ولكن الذي يحدث هو مسكنات سريعة للمرض وهي المصالحات العرفية التي تعمل علي تقريب وجهات النظر بين طرفي الخصومة وتستخدم القوةكنية رمزية من الطرفين بقبول الصلح رغم أن ذلك الحل المتبع حاليا لا يتسق مع كيان الدولة المؤسسية,وهو أكثر تناسبا مع مجتمعات البادية التي تحكمها قوانين العرقيات والقبائل.
مذابح ثأرية!
الجرائم الثأرية وأحداث العنف المتلاحقة التي تشهدها محافظ قنا آخرها وقعت ليلة الخميس قبل الماضي في قرية الحجيرات شمال مدينة قنا بنحو 15 كم عندما فوجئ الأهالي في القرية وهم يقدمون العزاء في الذكري السنوية لأحد أفراد إحدي العائلات بوقوع تبادل لإطلاق النار بين عائلة عبد المطلب ردا علي نيران أصحاب المأتم من عائلة العمارنة ليتحول العزاء إلي7مآتم جديدة ويستعد الأهالي لتشييع سبع جثث بينهم سيدة مسنة مزقتهم النيران التي انطلقت من الأسلحة النارية فضلا عن 3 مصابين آخرين في المذبحة وما تبع تلك الأحداث عندما قامت عائلة عبد المطلب بالثأر لنفسها من المتهمين في الزراعات بقرية أبو دياب شرق المتاخمة للحجيرات مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 3 آخرين وتدخلت الشرطة لتلقي القبض علي المتهم الأول في مذبحة العزاء ومعه 4 من أعوانه وهو ما يستدعي السؤال عن أسباب ذلك العنف الذي يجتاح الصعيد؟
قرية عصية أمنيا
قرية الحجيرات واسمها ينسب إليحجير أول قاطنيها ,تضم 6نجوع ويعيش فيها نحو40 ألف نسمة من السكان الذين يعملون غالبيتهم بالزراعة وإن كانت القرية أصبحت طاردة للسكان بسبب قلة فرص العمل وهو ما جعل كثيرا من أهلها يغتربون عنها للعمل بمهن متواضعة في الإسكندرية أو في دول الخليج.
الخصومات الثأرية وتجارة المخدرات وتصديرها لعناصر متطرفة هي التي صنعت سمعة الحجيرات السيئة منذ عقود كما أن الطبيعة الجغرافية والتضاريس الوعرة التي تستعصي تمشيطا أمنيا جعل القرية حصنا يصعب اختراقه وهو ما سهل للكثير من المطلوبين أمنيا والمسجلين خطر أن يعيشوا طلقاء وهم يحملون السلاح.
وكأن عقابا جماعيا…
الحجيرات تحكم ذاتيا من أهلها ذوي النفوذ وهذا هو الواقع المرير فيها الذي يئن منه مواطنوها لذا فإن المسئولين التنفيذيين في قنا أسقطوا القرية من حساباتهم ولم يطأها أي من المحافظين منذ عقود ولم تدرج علي أجندة التنمية والتطوير وكأن عقابا جماعيا يمارس علي أهلها علي خلفية سمعتها السيئة والذي يتجول في القرية يدرك تماما ذلك ويرصده فمدخل القرية الذي تم بناؤه بالخرسانة وطلاؤه باللون الأخضر مؤخرا هو الشئ الوحيد الذي طاله التطوير فيها! هي أرض الخوف لأنه هو الشئ الوحيد الذي يمكن أن يؤمن لسكانها حياتهم لأن الذين يقتلون تدرك بنادقهم وجهتها جيدا فتصيب من تصيب من الأبرياء الذين ينجرف أهلهم في نفس المسلسل البغيض القتل أخذا بالثأر للأقارب وأبناء العمومة.ولا يعيش السكان في الحجيرات حياة طبيعية بالمرة,عيونهم أدمنت الترقب وآذانهم تعودت علي أصوات النيران حتي الشباب الباقي فيها والذي لم يهجرها يخشي أن يرتاد مركز الشباب لأن موقعه بعيد وهو قد يكلف أحدهم حياته وهو في طريقه إليه.
80% من السيدات مترملات !!
الأغرب في تلك القرية أن هناك بعض المناطق يتم حظر التجوال فيها من بعد صلاة العصر تحسبا لحروب الشوارع بين المتخاصمين بعد أن يشتري السكان أغراضهم مضاعفة وبالقرية مناطق أخري قد تخلو تقريبا من الرجال لتصبح مناطق للمترملات والجدات الثكالي والأيتام بعد أن وصلت نسبة المترملات بسبب جرائم الثأر إلي80% بين النساء,وتغرق القرية في الظلام الدامس بسبب عدم تجديد الأعمدة بالشوارع التي لم ترصف منذ ثمانينيات القرن الماضي ويصف الأهالي حياتهم بالصعبة وهم يفندون الخدمات الأساسية التي تخلو منها القرية والمدهش أنه لم يجرؤ طبيب حتي الآن أن يفتتح عيادة نساء وتوليد بالقرية! وهو ما يجعل الأهالي يلجأون لمستشفي قنا العام.
رقم قياسي في الثأر!
وإذا كانت المعارك الثأرية تنشب بين القري والعائلات ذات الأعراق المختلفة فإن الحجيرات تسجل ظاهرة جديدة في أن مجمل الجرائم الثأرية داخلية بين الأهالي بعضهم البعض باستثناء عدد قليل منها,ففي العام الماضي سجلت نسبة مرتفعة من تلك الجرائم بلغت 200 جريمة قتل وشروع فيه كان آخرها مذبحة الخميس قبل الماضي وسبقها جريمة أخري في10يناير الماضي عندما أطلق 4 أشخاص النار علي وكيل مدرسة القرية الإعدادية خلال وجوده بالمدرسة مع بداية أول يوم لامتحانات نصف العام فلقي مصرعه بينما أصيبت طالبة بالمدرسة نتيجة إطلاق الرصاص بصورة عشوائية.
أعراف الثأر تغيرت!
مذبحة الحجيرات الأخيرة والتي تعد الثانية من حيث عدد القتلي بعد مذبحة بيت علام والتي قتل فيها22شخصا في تسعينيات القرن الماضي تنذر بتبعيات أكثر سوءا علي المنطقة فربما تسود فكرة القتل الجماعي خاصة مع تغير أعراف الثأر القديمة وهي تنحية الأطفال والنساء عن التصفية الجسدية في تلك الخصومات ورغبة الأطراف في تصفية أكبر عدد من خصومهم رغبة في الانتقام الجامح ولتسييد أنفسهم علي الطرف الآخر,رأينا في المذبحة الأخيرة مسنة تقتل ومن قبلها أطفال في جرائم سابقة وهذا يجعلنا نصل إلي أنتخليص الثأر بحسب ما يطلق عليه في الصعيد,يسير في اتجاه خطير جدا مستقبلا,فالمخاوف من سيادة فكرة القتل الجماعي بدلا من الانتقاء الفردي طبقا للهوية العائلية أو القبلية مثلما كان يحدث قديما,شئ يؤرق كثيرا من المراقبين خاصة كما حدث بالفعل في مذبحة العزاء الأخيرة,في الوقت نفسه تبدو الحلول المعمول بها في مثل تلك الحوادث وهي فكرة تهجير أحد الأطراف المتخاصمة من المنطقة بعد بيع أملاكها أو هدمها والغرامات المالية لم تعد مجدية,ففضلا علي أنها حلول مجحفة للبعض تردع طرفا وتعطي جموحا وسطوة للآخر,فإنها ما عادت كافية لوقف ذلك العنف والدليل علي ذلك أن الجرائم الثأرية لم تتوقف!
ما الحل؟!
تغيير التركيبة المعيشية للسكان والتنمية الشاملة للمنطقة هي أول الحلول البديهية فالمجتمعات الفقيرة تسودها دوما أفكار عن السيادة والسطوة العرقية بعد أن افتقدت السطوة الاقتصادية بل والحياة الكريمة بحسب آراء باحثين في علم الاجتماع وهناك تجارب واقعية لمنطقة تقع في شمال قنا كانت تشتهر بالنشاط الإجرامي حتي تم إنشاء مجمع الألومنيوم الصناعي ليستوعب هؤلاء وتحولت المنطقة بعدها إلي مجتمع عمالي يعيش في هدوء.