بمجرد أن أعلن الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي قراره بإلغاء الكتاب الجامعي بداية من العام الدراسي المقبل, تقبل البعض القرار بين مؤيد ومعارض, حيث يري البعض أن إلغاء الكتاب بشكل مفاجئ أمر صعب وإنه من الأفضل أن يتم إلغاء الكتاب الجامعي بشكل تدريجي بدلا من السياسات المفاجئة التي تحرم التعليم من الاستقرار, في حين رحب البعض الآخر بهذا القرار علي اعتبار أنه خطوة نحو إلغاء الحفظ والتقلين من التعليم خاصة التعليم الجامعي والاعتماد علي المهارات في البحث والكتابة, وهو ما حاولنا رصده عبر هذا التحقيق.
التطوير من أجل عملية البحث
في البداية قالت الدكتورة إلهام عبد الحميد الأستاذة بمعهد البحوث التربوية إن التعليم الجامعي في حاجة للتطوير, وهناك تركيز علي التطوير الشكلي دون الاهتمام بالتطوير الجذري, ومن أجل الوصول إلي تعليم جامعي متميز لابد من دراسة التجارب الأجنبية في التعليم الأساسي والجامعي, حيث إنه لا يمكن فصل التعليم الأساسي عن الجامعي, ولا يمكن تطوير هذا دون ذاك, وبالتالي لابد من التطوير الجذري مع مراعاة أن يكون كل شئ يسير بشكل متواز, من أجل الوصول إلي نتائج مقنعة وحقيقية علي أرض الواقع, أما طريقة التطوير الشكلي أو الجزئي فلن تقدم شيئا جديدا.
أوضحت الدكتورة إلهام أهمية أن يعتاد التلميذ منذ الصغر علي كيفية كتابة الأبحاث, وأن يتم تزويده بكيفية البحث عن المصادر وكيفية الاستعانة بها, وأن يتم ذلك بشكل مرحلي, حتي يصل إلي مرحلة الاحتراف وهو في المرحلة الجامعية, وحينها يظهر الطالب المتميز من الطالب غير المتميز, وحينها سيكون علي الدارس تجويد أدائه وتجويد ما يقوم به من دراسات وأبحاث, وسيكون في ذلك الوقت ليس بحاجة إلي الكتاب الجامعي, لأنه سيبحث بنفسه عن المصادر, ومع توفرها بالمكتبات, ومع منح الطالب حق الحصول علي المصادر المطلوبة سيكون الأمر سهلا, أما المبالغة في بعض المصادر فقد يسبب مزيدا من القلق لدي قطاع كبير من الطلاب وبالتالي تفشل التجربة.
ودعت الدكتورة إلهام إلي الاهتمام بالمكتبات في الجامعات المصرية لتسهيل عملية البحث, وأن تكون هناك فرصة مناسبة لكل طالب في الإطلاع علي الكتب والدراسات المختلفة, وأن يكون هناك تعاونا كاملا بين الطلاب والأساتذة حتي لا يحدث فصل بينهما, وأن لا يشعر الطالب بأنه يدرس في جزيرة منعزلة وتوجد فجوة بينه وبين أستاذه, كذلك علي أستاذ الجامعة أن يتفاعل مع طلابه ويكون قدوة لهم في تقديم المناهج بشكل مبسط, ومساعدة الطلاب من أجل النجاح التجربة.
في صالح أباطرة الدروس الخصوصية!
أما الدكتور علي ليلة الخبير التربوي فأكد علي ضرورة تطوير التعليم وفق استراتيجية ثابتة, وأن لا يتم اتخاذ قرارات بشكل مفاجئ, ودون توفير المناخ المناسب لنجاحها, خاصة أن إلغاء الكتاب الجامعي دون توفير الطريقة المناسبة للطلاب للحصول علي المناهج هي خطوة فاشلة, حيث سيجد الطالب نفسه وحيدا في طريق لم يعتاد عليه من قبل, وبالتالي ربما يعتمد الطلاب علي مصادر غير مهمة أو سطحية, أو ربما يعتمد الطلاب علي بعضهم البعض في الحصول علي المقررات اللازمة, أو ظهور بعض المكتبات التي ستوفر المادة الدراسية للطلاب بعد تكليف أحد الأشخاص بالبحث عن المقرر المناسب والمنهج المطلوب, وبالتالي سيكون ذلك في صالح أباطرة الدروس الخصوصية وتجميع الملزمات الخاصة بالطلاب.
دعا الدكتور ليلة إلي اتباع استراتيجية ثابتة تجعل من خطوة إلغاء الكتاب الجامعي مجرد بداية وليست نهاية, مع ضرورة الاستعانة بالطلاب في اتخاذ القرار, وعدم تطبيق قرارات عليهم بشكل مفاجئ وبدون الإعداد الكافي لذلك, فمن غير المقبول أن يتغير النظام التعليمي في مجتمع بشكل مفاجئ, وإنما هناك حاجة إلي تغيير المناخ بعد تهيئته أولا لهذا التغيير, حتي يحدث نوع من التوافق والاهتمام, والاستعداد لإنجاح التجربة إذا كانت في خدمة المجتمع, أو البحث عن تجويدها أو تجربتها علي نطاق محدود من الكليات أو حتي تطبيق التجربة علي بعض أقسام الكليات ثم يتم تقييم التجربة, لا أن يتم تعميمها علي عموم الطلاب دون الوصول إلي الطريقة المثلي لتطوير التعليم.
أشار إلي أن مشكلات التعليم في مصر تراكمية, وتسببت القرارات العشوائية التي تم اتخاذها عبر سنوات مضت إلي تجربة العديد من الأنظمة التعليمية علي الطلاب, ويدفع الطلاب ثمن هذه التجارب عبر تعليم مشوه لا يقدم المجتمع للأمام, بل علي العكس يعتبر التلاميذ فئران تجارب, ويقوم بتجربة أية فكرة تطرأ علي المسئول في الوقت الذي يكون فيه مكلفا بمعالجة النظام التعليمي, وربما تكون النوايا حسنة ولكن المشكلة أن المجتمع بحاجة إلي معرفة جذوره وتقديم النموذج الذي يتناسب معه من أجل انجاحها وتحقيق الهدف من استخدام هذه الطريقة, كذلك حتي يكون المجتمع مؤهلا للتطوير التدريجي وليس المتعجل, وبالتالي النتيجة ستكون أفضل بلا شك.
الكتاب الجامعي فكرة فاشلة!
واتفقت معه في الرأي الدكتور سهام كامل أستاذة المناهج بأن الكتاب الجامعي فكرة فاشلة اعتاد عليها الطلاب, وبالرغم من المحاولات التي تجبر الطالب علي شراء الكتاب, كانت تظهر العديد من الطرق التي تجعل الطالب يحصل علي المقرر دون شراء الكتاب, وبالرغم من محاولات إجبار الطلاب علي شراء الكتاب للاستفادة من بعض الدرجات التي تسعود عليها في حالة شراء الكتاب, إلا أن هذه التجربة لم تؤت بثمارها, لأن الكل بدأ يشعر أن الكتاب لم يعد مفيدا, ولم يشهد أية تطوير, وأن كل أستاذ جامعي يحتفظ بمنهج الكتاب لسنوات عديدة, ولا يرغب في تطوير الكتاب بما يتماشي مع روح العصر, وبالتالي هنا تحدث الفجوة بيت المنهج والواقع.
أوضحت الدكتورة سهام أهمية أن يتم تخصيص مبالغ مناسبة للمكتبات بالجامعات, وأن يتم إتاحة كل الكتب والمراجع للطلاب إذا كنا نهدف إلي الارتقاء بالنظام التعليمي, وفي حالة الرغبة في الاستعانة بمصر غير متوفر, علي الأستاذ الجامعي التنسيق مع إدارة الجامعة بشأن توفير هذه المراجع حتي تعم الفائدة علي المجتمع ككل, فهناك العديد من السلوكيات الخاطئة التي يمكن مواجهتها وبالتالي الوصول إلي نظام تعليمي أفضل من السائد.
واعتبرت الدكتورة سهام أن الكتاب الجامعي كان يشكل مصدرا مهما لزيادة دخل الأساتذة وبالتالي هناك حاجة لرفع مرتبات أساتذة الجامعات, حتي يكون هناك توزيعا عادلا للمرتبات والأجور في مصر, وتقليل الفجوة الموجودة حاليا, فربما يمكن رفع مرتبات أساتذة الجامعات عبر تخصيص كادر لأساتذة الجامعات يسمح بحياة كريمة لهم, فطالما لم يتم الاهتمام بأستاذ الجامعة من حيث التأثير والنشأة والأجر الخاص به فلن يتم تصحيح الصورة, وستظل كل محاولات تطوير التعليم محصورة في نطاق ضيق للغاية ولا يستفيد منه المجتمع ككل, وبالتالي يتم الحكم علي التجربة بالفشل, ثم يأتي من يحاول تجربة نموذج جديد وسرعان ما يفشل, ثم يأتي آخر ويحاول التعديل ويفشل, وهكذا يصبح التلاميذ في التعليم الأساسي, والطلاب في الجامعات مجرد فئران تجارب يتم تجربة كل الأنظمة التعليمية عليهم ومن ثم يدفع المجتمع ثمن عدم استقرار نظام التعليم به, ومن ثم سيترتب علي ذلك أجيال لم يتم تشكيلها بشكل جيد, وبالتالي سيكونون غير مؤهلين لتغيير المجتمع, وسيحدث هنا التراجع وعدم الثقة في أي نظام تعليمي جديد, وبدلا من تضافر الجميع لإنجاح هذه التجربة سيحدث الفشل الذريع وسيكتفي البعض بإنكار التغيير وعدم الاعتراف بصاحب الاقتراح الحقيقي, وبالتالي مع غياب الشفافية ينعدم النموذج التعليمي المطلوب.