كلنا خائنون
عبر الهاتف جائني صوت مهزوز مرتبك,يتأكد مرة تلو الأخري من سرية ما سيبوح به,وبعد أن طمأنته تماما.بدأت اهتزازات صوته تخفت لأسمع بدلا منها نبرات الندم والحيرة وقال:
أنا رجل في الخامسة والأربعين من عمري عشت ملتزما منذ نعومة أظافري,تزوجت,وأنجبت ابنين(13 سنة و10 سنوات),أعمل بوظيفة مرموقة بإحدي الشركات الكبري,كان زواجي تقليديا فلم أمر بقصة حب عنيفة…ولا باردة,حتي قبل زواجي لم أكن مثل سائر الشباب الذين يتهافتون علي لفت انتباه الفتيات,بل كان تركيزي الدائم علي كيفية صنع مستقبل آمن للأسرة التي سأكونها,ومرت السنوات.
زوجتي امرأة عادية في كل شئ في جمالها في مشاعرها في اهتمامها بي,ولم يكن ذلك موضع ضيق مني بل كان الضيق دائما من جانبها,وكثيرا ما طلبت مني الاهتمام بها,ولكني لم أكن أشعر بالتقصير في حقها علي الإطلاق,ويبدو أنني كنت غافلا عن أداء دوري الصحيح تجاهها,وبدأت شكواها في التزايد يوما بعد يوم,والنبرة واحدة لا تتغير:أشعر أنني وحيدة,عملك يأخذك طوال الوقت,وكأني ضمن كماليات هذا المنزل,بل إن بعضها أهم مني عندك,فالتليفزيون ونشرة الأخبار وقدح القهوة كل صباح جميعها تحتل مكانة أعلي في نفسك.وكنت دائما أصمت إزاء تلك الاتهامات.
لم أكن أدري أن هذه العادات تغضبها فهي عاداتي منذ خمسة عشر عاما عمر زواجنا..فما الذي حدث؟وما السبب في هذا التغيير؟بدأت أنقب عن الذي اقتحم حياة زوجتي وحول رضاها سخطا فاكتشفت أن هذا التحول تزامن مع ظهور صديقة جديدة لها تتحدث معها عن حياتها الخاصة,ومغامرات زوجها وكيف أنهدون جوان عصرهوعندما أرتبط بها منحها كل اهتمامه.
كان من الطبيعي أن تتملك الغيرة زوجتي,وتأملت الموقف فقررت التدخل حرصا علي حياتي الزوجية-فمن الغيرة ماقتل-وطلبت من زوجتي تخفيف علاقتها بهذه الصديقة دون إبداء مخاوفي لها.رفضت بحزم قائلة:هذه هي الإنسانة الوحيدة التي عوضتني عن غيابك وتجاهلك وساعدتني علي قتل الوحدة قبل أن تفتك بي.
ما كان مني إلا أن حاولت التواجد لفترات أطول في المنزل,لأمنحها الرعاية التي ترغبها,مفتعلا عبارات الاهتمام والإطراء التي لا أجيدها,لكن تأثير صديقتها كان أقوي من تأثيري حتي أنها كانت تستضيفها في حضوري,ولم أجد مفرا من أن أتواجد في بعض جلساتهما قاطعا الطريق علي الصديقة في زرع الغيرة في نفس زوجتي.
ويا ليتني ما فعلت,فبدلا من أن أقطع الطريق عليها قطعت الطريق إليها قافزا فوق جبال الالتزام الجليدية التي عشتها في صبايا وكهولتي,ووجدتني مشدودا بكل حواسي تجاهها كما لو كنت مراهقا,وتكررت اللقاءات في حضور زوجتي,وفي كل مرة كنت ألقاها تستيقظ داخلي مشاعر لم أعرفها أبدا,لاحت مشاعري في عيني ونظراتي لها وتحول الإستياء إلي ارتياح والتربص إلي تودد,وشعرت بحاسة الرجل التي قلما تخطئ ميلا منها تجاهي,لاحظت زوجتي ما يجري كما لاحظت تواجدي أثناء زيارات صديقتها,ولفتت انتباهي في حدة وأصبحت تتهرب منها خشية أن تنتزعني من أسرتي,حتي صارت فرقة غير مبررة من جانب الصديقة.
مرت بضعة أسابيع كانت خلالها خيوط الإعجاب تجذبني إليها ودون أن أدري بحثت عن رقم هاتفها في الأجندة الخاصة بزوجتي,وأخذت المبادرة في محادثتها,وكما توقعت لاقيت قبولا منها,ولن أطيل عليك في تفاصيل غير محمودة,إنزلقت في علاقة عاطفية معها ومثل هذا النوع من العلاقات فاحت رائحتها بسرعة البرق,علمت زوجتي وواجهتني,لم أخف عنها شيئا,بل اعترفت لها نادما طالبا المغفرة,وبعد حوار طويل بيننا قالت لي:لوكنت في مكانك هل سيكون الغفران نصيبي؟هل ستسامحني؟ثم طلبت الطلاق.لفني الصمت ورفضت تطليقها حرصا علي مستقبل الأبناء,وحاولت تهدئة الأمور التي ظننت لحظة أنها هدأت.
لكن ما فعلت زوجتي انتقاما مني ومن صديقتها كان غير متوقع إذ اتصلت بزوجها وأبلغته بتفاصيل الخيانة,ولن أصف لك ياسيدتي المآسي التي مررنا بها جميعا,فكان ثمن الخيانة فادحا,وانتهي الأمر بفضيحة هائلة في محيط معارفنا,خاصة بعد أن قام زوج صديقتها بتطليقها وإرغامها علي التنازل عن كافة حقوقها,ولم يكن لديهما أبناء فرحلت الصديقة إلي غير عودة.
رويدا رويدا عادت الحياة شبه طبيعية بيني وبين زوجتي وحمدت الله علي انتهاء الأمر عند هذا الحد,وكنت منهمكا آنذاك في ترميم الشرخ الذي أصاب علاقتنا,فلن ألحظ التغيرات الجذرية التي طرأت عليها,أو بمعني أصح لم أرجعها لأي شئ سوي الهزة العنيفة التي أصابت كياننا الأسري,وراودتني الأمنيات بأن تنجح سنوات العشرة في محو آثار تلك الفترة,ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن,فلم تكن التغيرات لهذا السبب,هاجمتني الشكوك بضراوة,وبعد متابعة طويلة,اكتشفت أن زوجتي علي علاقة بزوج الصديقة القديمة.
لم أصدق ما توصلت إليه,كنت أود لو كان كابوسا أستيقظ منه لأجدنا مازلنا زوجين عفيفين,أظلمت الدنيا في عيني,نهش غول الحقيقة رجولتي,تلاطمتني مشاعر الحزن والأسي والانتقام التي لا يمكن أن يتحملها أي رجل,ثم تذكرت خطيئتي الأولي,وشعرت أن الله يجازيني علي فعلتي,كما شعرت أن زوجتي وزوج صديقتها يثأران لكرامتهما مني.
والنتيجة أصبحنا كلنا خائنون…كلنا خائنون…كلنا في بحر الخيانة غارقون.
فكرت مرارا أن أكتم الأمر في نفسي,لكن رجولتي أبت علي ذلك فواجهتها بالأمر كله,ولم تنكر كما لو كانت تنتظر هذه اللحظة لترد لي الصفعة,وانتهينا بالطلاق الذي دام لمدة ستة أشهر.تدخل بعدها المقربون لي ولها فرددتها إلي عصمتي مرة خري,خاصة بعد علمي بأنها أمضت في أحد المستشفيات النفسية شهرين كاملين تعاني انهيارا عصبيا حادا علي إثر الطلاق,وما سبقة من أحداث.
والآن مضت أربعة أشهر كاملة علي عودتنا إلي كيان أسري واحد اسميا فقط,لكن في جوهر هذا الكيان تمزق وبرود وندم.مرارة الماضي تلاحقني,وتدفعني للشك في الحاضر والمستقبل,فمن يضمن أنها لا تخون ثانية,من يضمن أنها لن تعود إليه؟دوامة الشك تعتصرني,فعندما عدت إليها ارتديت جلبابا أوسع من حجمي الحقيقي وتصورت أنني قادر علي العفو,أما حقيقة الأمر أنني عاجز عن العفو يدمرني إحساس بأني لست الوحيد في حياتها,وفي أعمق اللحظات الحميمة,تتمثل أمامي تفاصيل خيانتها.
أنا لا أستطيع الاستمرار,لكن أخشي علي مستقبل الصغار الذين عايشوا أجزاء من هذه الوقائع المرييرة,ولا أعلم إن كانوا فطنوا إلي أسبابها أم نجحنا في خداعهم بمبررات واهية؟كما أنني أخشي تأثير الصدمة عليها وأشعر بالذنب تجاهها لتحملي جزءا من المسئولية فيما جري,فماذا أفعل؟.
** لصاحب هذه المشكلة أقول:
يتصور المرء منا للحظة أنه كائن مثالي قادر علي الصفح والغفران بلا حدود والنسيان المطلق,إلا أننا لا ننسي إلي حد فقدان الذاكرة فكل ما نعيشه يترسب في أعماق نفوسنا حتي نكاد نشعر أننا فقدناه من ذاكرتنا,وبمجرد ظهور حافز خارجي نجده طافيا علي لسطح ماثلا أمامنا بكل تفاصيلة المؤلمة,هذا ما حدث لك بمجرد أن عادت الأمور لطبيعتها ومرت المحنة وعاد الروتين اليومي القديم تجسدت أمامك خيانتها التي عليك أن تتذكر دائما أنك كنت طرفا أصيلا فيها,وأنا في هذا لا أبرر خيانتها,ولا أدفعك للاستمرار معها تحت ضغط الإحساس بالذنب,لكن فقط أذكرك أن الله يعفو,وإن لم نغفر نحن لبعضنا البعض فكيف لنا أن نطلب من الله المغفرة.
فلكل منا لحظات ضعف ويأس وصراع تتفاعل معها عشرات العوامل التي تدفع الإنسان تجاه سلوك معين لا يتفق مع مبادئه وجوهر شخصيتة,فها أنت تعترف أنك خائن,رغم أنك عشت عمرك كله ملتزما بالفضيلة,وحتي الآن لم تخن زوجتك ثانية,وهذا هو الأصل في الحياة.الفضيلة والأخلاق,لأن الاستثناء هو الخيانة والسقوط,فلماذا نحكم علي زوجتك أنها ستظل خائنة أليس كلاكما سقط في ذات الحفرة؟!.
أعلم أنك كرجل شرقي يصعب الموقف عليك,لكن بقليل من التروي ستجد أن زوجتك-رغم أنها مخطئة-كانت مرغمة نفسيا فالمحللون النفسيون يأكدون أن الإنسان عندما يتعرض لضغط نفسي عنيف قد يرغمه ذلك علي إتيان أفعال لم يكن له أن يفعلها في غياب هذا الضغط.وأنت أكثر الناس علما بما عانته زوجتك,كما أنك ذكرت أنها أصيبت بانهيار عصبي حاد بعد الطلاق.لقد عاشت معك خمسة عشر عاما مخلصة,وعندما خانت ارتبط ذلك بوقوع حدث جلل من جانبك زلزل أرجاء نفسها وأفقدها توازنها,وتحضرني هنا بعض العبارات التي جاء بها الطبيب النفسي عادل صادق-رحمه الله-في كتابه-الغيرة والخيانةعندما قال:بعض الناس يصرخون ويقولون الخيانة أم الرذائل,الخائنة إنسانة سيئة في كل شئ,لا يمكن الوثوق بها,الخيانة لا تتجزأ,ولكن البعض الآخر ممن يتبنون الجانب الإنساني في فهم النفس البشرية وضعفها يري:أن الخيانة قد تكون انحرافا مجردا منفصلا عن بقية حوانب الشخصية,فلكل إنسان ضعفه,ومن الظلم أن ندين الإنسان طيلة حياته لوقوعه في الضعف مرة,ومن كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر أولاوالسقوط لا يعني أن الإنسان سيظل سيئا مدي الحياة.
هذا هو رأي الطب النفسي.ورأيي أنا أيضا,ونصيحتي لك التريث قبل الإقدام علي خطوة الطلاق,ولتفكر في ابنيك اللذين عانا الكثير جراء تهوركما,ومن حقهما أن يعيشا حياة هادئة مستقرة,وإن لم تستطع توفير القدر المعقول من الاستقرار لهما في ظل هذا الزيجة,فلا يمكن الاستمرار علي حسابهما,ولكن مضت أربعة أشهر علي العودة بلا انفجار يدفعني لترجيح عدم إمكانية الاستمرار,وأعتقد أن شعورك بهذا العناء ما هو إلا مرحلة وسيطة بين الخروج من الأزمة والعودة للاستقرار لن تستمر طويلا إذا قاومتها بطرد الشكوك والتقرب إلي الله أنت وأسرتك الصغيرة.