معايير النزاهة والحرية من أهم المعايير التي يجب توافرها في النظام الانتخابي الذي يسعي لإجراء انتخابات نزيهة, وعانينا كثيرا في النظام السابق من غياب هذه المعايير وسيادة أخري بديلة مثل البلطجة والتزوير, وعدم حيادية أجهزة ومؤسسات الدولة, وتزييف متعمد لإرادة الناخبين والسيطرة شبه التامة علي العملية الانتخابية من جانب النظام الحاكم, وبعد أن نجحت ثورة 25 يناير التي قام بها الشعب المصري بجميع أطيافه في إسقاط النظام القديم علينا النظر في إصلاح النظام الانتخابي.
التقينا عددا من الخبراء والمحللين بحثا عن محاور لإصلاح النظام الانتخابي الذي يعتبر العمود الفقري لإصلاح الحياة السياسية في مصر, خاصة أن بعض الإصلاحات عايشناها في الاستفتاء الماضي علي بعض التعديلات الدستورية, لكن إصلاحات أخري تبقي ضرورية وحتمية لاستكمال النزاهة والحيدة بالانتخابات المقبلة.
النظام المختلط
قال الدكتور عمرو هاشم ربيع الخبير السياسي بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: لست مطمئنا للانتخابات في المرحلة القادمة مع وجود دوائر ضيقة, حيث يصبح كل شئ مباحا ومتاحا من بلطجة ورشاوي وتزييف, ورغم طمأنة الناس من استقرار الأوضاع إلا أن هناك مخاوف بلا شك علي العملية الديموقراطية, فهناك قوي الحزب الوطني والقوي المناوئة التي تتربص للعملية الديموقراطية, وقد يحدث تزوير غير مباشر للانتخابات عن طريق التيار الديني من خلال إرهاب الناخبين فكريا والتأثير علي إرادتهم كما حدث في الاستفتاء الأخير علي بعض تعديلات الدستور.
أضاف ربيع: لابد من نظام انتخابي يفعل الأحزاب السياسية ولا يحرم المستقلين من المشاركة, وهو نظام مختلط بين النظام الفردي ونظام القائمة غير المشروطة, حيث يتم توزيع المقاعد وفق نسب متفق عليها. ومن مزايا هذا النظام تمثيل الفئات غير الممثلة مثل المرأة والأقباط دون الحاجة إلي اتخاذ إجراءات استثنائية كنظام الكوتة, أيضا يجب أن يكون للمرشحين عدد من الوكلاء العامين في نطاق الدائرة الانتخابية, بحيث يختص كل منهم بالرقابة علي عشر لجان علي الأكثر وليس وكيلا واحدا كما كان الوضع, يجب إعطاء أو منح اختصاصات واضحة في النصوص القانونية لمندوبي مؤسسات المجتمع المدني المعتمدة قانونا والمختصة يعطيهم الحق في الإشراف علي عملية الانتخاب من بدء الترشيح وحتي انتهاء الفرز.
نوه ربيع بقوله: تطبيق التصويت الإلكتروني أمر صعب جدا لأن هناك نسبة كبيرة لديها أمية إلكترونية لا تعرف التعامل مع الكمبيوتر والنت, وإذا طبق ذلك فقد يستعان بأشخاص في اللجان يتعاملون مع النت لمساعدة الناخبين علي إبداء رأيهم, وقد يحدث تزوير في هذه الحالة لأن الناخب الأمي لا يعرف ماذا صوت إلكترونيا عن طريق الشخص المستعان به.
في غياب سلطة تنفيذية !
من جهة أخري قالت الدكتورة هدي زكريا أستاذة علم الاجتماع السياسي: لا يمكن الحديث عن إصلاح النظام الانتخابي دون النظر في مؤسسات الدولة, ولا أفهم ما يقوم به الإعلام من الانشغال بالدستور والانتخابات دون الاهتمام بتأسيس الدولة, فإذا كنا أسقطنا الأنظمة القديمة فعلينا بمنتهي السرعة أن نبني كل مؤسسات الدولة علي أرضية الإخلاص والنزاهة والمعايير الجيدة, ولا يمكن إجراء انتخابات نزيهة بدون حماية لها, وكيف يكون هذا في ظل ضعف مؤسسة الشرطة التي عليها مهمة الانضباط في الشارع والقضاء علي البلطجة؟. وإذا كانت الانتخابات من أجل سلطة تشريعية, فكيف تكون في ظل غياب سلطة تنفيذية وإدارة, فلابد من وضع معايير قوية لتأسيس الدولة, وإذا لم يحدث ذلك فإن من يملك الشارع سوف يسيطر علي الانتخابات وهو ما حدث في الاستفتاء علي الدستور.
أصوات المصريين بالخارج
ذكر د. سامر سليمان أستاذ الاقتصاد السياسي بالجامعة الأمريكية: التصويت الإلكتروني معمول به في كل الدول المتقدمة, ولكنه يصعب تطبيقه في مصر علي الأقل في الانتخابات البرلمانية القادمة, وذلك نظرا لكثرة الدوائر والمرشحين, وهناك ضرورة لتصويت المصريين بالخارج لأن أصواتهم سوف تعدل أشياء كثيرة فتصلح منها لأن معظمهم متعلمون ومثقفون ولديهم الوعي في الاختيار نظرا للمجتمعات المنفتحة التي يعيشون بها.
أشار د. سامر بقوله: يجب الحد من اللافتات الدينية والمهازل التي تحدث في الانتخابات عن طريق سن قانون يجرم تلك الأفعال, وأطالب بمراقبة دولية وليس إشرافا دوليا لأن ذلك سيساعد كثيرا علي نزاهة الانتخابات عن طريق مندوبين من الخارج للمراقبة بجانب المراقبة المحلية من قبل جمعيات حقوق الإنسان والحركات السياسية والمجتمع المدني لضمان عدم التزوير.
بالقائمة النسبية
من جانبه ذكر عصام شيحة عضو الهيئة العليا لحزب الوفد بقوله: في الوقت الراهن تدور مناقشات داخل الأروقة لتعديل النظام الانتخابي ليصبح بالقائمة النسبية لضمان تمثيل الفئات المهمشة والمرأة, بالإضافة لضمان وصول الشخصيات صاحبة الرأي والفكر إلي مجلس الشعب, خاصة أن النظام الفردي له سمات تتسبب في إفساد العملية الانتخابية لأنه يعتمد علي العصبية والقبلية وشراء الأصوات وأعمال البلطجة واعتماده علي الشخص المرشح وعلي الخدمة التي يستطيع تقديمها في حين يعتمد نظام القائمة النسبية علي البرامج الانتخابية والرؤي السياسية بعيدا عن المصالح الشخصية.
أوضح شيحة: النظام الانتخابي بالقائمة النسبية غير المشروطة هو المدخل الرئيسي لإصلاح العملية الانتخابية والتي تستلزم بالضرورة تعديل قانون مباشرة الأعمال السياسية رقم 73 لسنة 1956 لضمان تنقية الجداول الانتخابية وتحديثها إلكترونيا لضمان تمثيل المصريين جميعا, بالإضافة لإضافة مادة تسمح لأكثر من 7 ملايين مصري يقيمون خارج الوطن بالتصويت وهذا يستلزم أن يكون التصويت إلكترونيا وبالرقم القومي لضمان توسيع نسبة المشاركة ونزاهته.
الرقابة المحلية
أكد أيمن عقيل مدير مؤسسة ماعت للتنمية وحقوق الإنسان بقوله: إدارة الانتخابات تختلف من دولة إلي أخري طبقا للظروف السياسية والاقتصادية ومدي الوعي الثقافي لدي الشعب, ولكل نظام انتخابي بعض السلبيات مهما كانت إيجابياته كالإشراف الكامل للقضاء علي العملية الانتخابية, وهذا يكسب الانتخابات النزاهة. ولكن من سلبياته وجود بعض الإملاءات علي بعض اللجان القضائية.
ومن حيث الرقابة علي الانتخابات يجب أن تكون هناك قناتان شرعيتان للرقابة وهما الرقابة المحلية والدولية.
أضاف عقيل: الرقابة المحلية مقيدة في مصر لأنه يوجد نظام يسمي بالمتابعة علي اللجان الانتخابية وهو ما يعد قيدا علي الرقابة المحلية لأن معني كلمة رقابة هي أن يتم تواجد داخل اللجان للمراقبة علي أداء العملية الانتخابية من الصباح الباكر قبل بدء الانتخابات وحتي فرز الأصوات, وهذا النظام لم ينفذ بعد في مصر.