شهدت الأشهر العديدة الماضية نقاشا مكثفا حول التوترات المتزايدة بين إسرائيل وحزب الله, جنبا إلي جنب مع حلفاء هذه الجماعة سورية وإيران. وإذا أتت الحرب بالفعل إلي الحدود الشمالية لإسرائيل فإنها ستحمل تشابها قليلا مع نزاع عام 2006 في لبنان. وبدلا من ذلك, من المرجح أن تكون حدثا تحوليا بل مصيريا للمنطقة, وبالتأكيد لـ حزب الله ولبنان وربما لسورية ومن المحتمل حتي لإيران. ومن الممكن أن تتعرض إسرائيل ومكانتها الإقليمية لتغييرات كبيرة أيضا.
وتقدم هذه الدراسة ليس تنبؤا للحرب, بل توقعات لما يمكن أن يكون عليه شكل تلك الحرب. فعلي الأرجح ستكون صراعا كبيرا حيث سيمتد القتال علي مساحات واسعة من لبنان وإسرائيل وربما سورية, ويشمل مشاركة قوات عسكرية كبيرة تقوم بعمليات معقدة وتؤدي إلي حدوث إصابات كبيرة (بين العسكريين والمدنيين), فضلا عن إلحاق أضرار كبيرة في البنية التحتية لجميع البلدان المعنية. ورغم أن الساحة السياسية الدبلوماسية ستكون مهمة إلا أن النجاح في أرض المعركة سيكون محوريا في تحديد النتائج.
ونظرا للمخاطر العالية, فإن القتال سيكون كثيفا ومن المحتمل أن يتصاعد ويتوسع نطاقه. كما أن إسرائيل وحزب الله سيشعران بضغوط شديدة لكسب مثل هذه الحرب, وهذه الحاجة ستدفع الاشتباكات إلي مستوي جديد مما سيجر سورية علي الأرجح للمشاركة فيها ويدفع إيران للتورط أيضا. وسيكون الصراع اختبارا قاسيا لصناع القرار والقوات المقاتلة علي كلا الجانبين, وسيشكل تحديا للعناصر الخارجية الرئيسية الفاعلة وخاصة الولايات المتحدة.
وبإمكان عدد من الظروف أن تشعل هذا الصراع. فقد يستنتج أحد الجانبين ببساطة, أن الوقت قد حان لاتخاذ إجراء ما لسبب أو لآخر. ويمكن أيضا أن تتطور الحرب بسبب حوادث مختلفة مثل اندلاع العنف علي طول الحدود اللبنانية أو في غزة أو في الضفة الغربية. ويمكن لأنشطة أخري أن تولد مواقف يمكن من خلالها أن تؤدي التوترات المتصاعدة وسوء تصور نوايا و/أو أفعال الطرف الآخر إلي نشوب صراع.
المقاتلون
إن التهديد الحالي لإسرائيل هو تقليدي في جوهره _ فقوات قذائف وصواريخ حزب الله وتلك المضادة للدبابات هي تقليدية إلي حد كبير في هيكلها وأغراضها, وهو الأمر بالنسبة للجيش السوري. وقد أعدت إسرائيل قواتها التقليدية لهذا التهديد, بما في ذلك إدخال تعزيزات في أنظمة الجو والأرض والبحرية والقيادة والسيطرة والاستخبارات وجاهزية القوات ودفاع القذائف/الصواريخ النشطة والدفاع المدني. وعلي الرغم من أنه لا ينبغي الاستهانة بتحدي اندلاع حرب مع حزب الله وحلفائه, إلا أن استعداد ##جيش الدفاع الإسرائيلي## اليوم هو أفضل بكثير مما كان عليه في عام .2006
وفي صراع من النوع المبين هنا, سوف تهدف إسرائيل إلي عمل تغيير جذري في المعادلة العسكرية مع عواقب وخيمة للموقف السياسي. ورغم أن هذا قد لا يرقي إلي درجة ##نصر نهائي## إلا أنه من المرجح أن يكون حاسما في الإدراك العملياتي العسكري. وستتركز الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية علي استخدام عمليات جوية أرضية بحرية مشتركة واسعة النطاق للقضاء علي وجه السرعة علي قوات القذائف والصواريخ التابعة لـ حزب الله وتدمير قواته البرية في جنوب لبنان وايقاع أضرار شديدة بأنظمة التحكم والقيادة التابعة له وتدمير البنية التحتية في جميع أنحاء لبنان.
وربما ستحاول إسرائيل منع الصراع من التصاعد إلي حرب شاملة مع سورية عن طريق استخدام التهديدات والتعبئة وعمليات نشر القوات والتمركز. ومع ذلك, ستكون في الوقت نفسه مستعدة لتلك الحالة الطارئة. ومن المرجح أن يتم استهداف أية قوات أو بنية تحتية سورية تدعم حزب الله, كما أن أية عناصر إيرانية تدعم هذه الجماعة ستكون عرضة للهجمات أيضا. وفي غضون ذلك, ستحاول إسرائيل ردع الهجمات الإيرانية المباشرة علي أراضيها من خلال إعطاء التحذيرات وإعداد أصول ضربة استراتيجية, بما في ذلك القوات الجوية والصاروخية والبحرية.
وتهدف استعدادات حزب الله لحرب مستقبلية إلي ردع إسرائيل وتغيير التوازن العسكري لصالح الجماعة وتعزيز أهدافها السياسية. وتمثل أنشطة الحزب الأخيرة تخطيطا خطيرا للحرب, كما أن التأثير التراكمي لهذه الأنشطة كان زيادة ثقة الجماعة بنفسها وربما تقليص الردع الإسرائيلي. لقد كان حزب الله ناجحا بصورة كبيرة في التعاطي مع حرب عام 2006 وهو يهدف إلي تكرار ذلك النجاح في أي صراع مستقبلي.
وإذا اندلعت حرب جديدة ستتركز الجهود العسكرية لـ حزب الله علي الاستراتيجيات التالية:
** هجوميا: شن هجمات ضخمة بالقذائف/الصواريخ علي أهداف عسكرية ومدنية بهدف إلحاق خسائر وأضرار كبيرة.
** دفاعيا: مقاومة العمليات الجوية والبرية والبحرية الإسرائيلية داخل لبنان باتخاذ إجراءات عدائية, مما يبطئ أي تقدم في حين يتم إلحاق خسائر وإصابات هائلة بقدر الإمكان, وفي الوقت نفسه الحفاظ علي قواته.
وسوف تهدف الجماعة إلي مواصلة العمليات طالما تري نفسها في موقف متميز, مما يسمح لها بإنزال أشد الأضرار السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية علي إسرائيل.
ومن جانبهما فإن سوريا وإيران ستوفران — كحد أدني — الاتصالات والقيادة والسيطرة والمعلومات الاستخباراتية ومساعدات إعادة التجهيز في محاولة لإبقاء حزب الله في القتال. وسوف تقاوم عناصر الدفاع الجوي السوري أي ##اختراقات## لمجالها الجوي وربما تشتبك مع الطائرات الإسرائيلية فوق لبنان, نظرا لصغر مساحة العمليات, ومقربة دمشق من منطقة القتال. ومن غير الواضح ما هو الدور المحتمل لإيران بالإضافة إلي دعمها الأساسي (تقديم المشورة والأسلحة والاستخبارات, علي سبيل المثال). لكن في ظل صراع واسع النطاق, قد تقرر طهران المشاركة بصورة أكثر مباشرة من خلال توفير قوات مشاة خفيفة أو قوات خاصة في لبنان, وربما قوات دفاع جوي وصاروخي داخل سورية. ومن المرجح أن تشعر كل من دمشق وطهران بضغوط لزيادة دوريهما كلما تصاعدت الحرب, ويعود ذلك جزئيا إلي علاقاتهما بـ حزب الله وتعهداتهما للمنظمة.
وإذا أصبحت سوريا ضالعة بشكل مباشر في صراع مع إسرائيل خلال الحرب في لبنان سوف تشمل أهدافها ما يلي:
** الحفاظ علي النظام وأصوله الرئيسية (الأمنية والعسكرية والاقتصادية)
** الحفاظ علي وضع حزب الله في لبنان وقدرته علي تهديد إسرائيل.
** إعادة ترسيخ الوجود العسكري السوري في لبنان.
** إلحاق الهزيمة بإسرائيل بما يكفي لخلق ظروف ملائمة لاستعادة مرتفعات الجولان.
وفي إيران يمكن أن يقرر النظام اتخاذ خطوة أو أكثر ضمن خطوات عديدة علي نطاق تصاعدي للمشاركة في الصراع:
** تقديم المزيد من الأسلحة لـ حزب الله وسوريا.
** تقديم مستشارين أو فنيين أو قوات مقاتلة خفيفة.
** تنفيذ هجمات غير متكافئة علي مصالح إسرائيلية (أعمال من نوع إرهابي, علي سبيل المثال).
** الضلوع في مشاغبة إقليمية (زيادة حدة التوتر في مضيق هرمز, علي سبيل المثال).
** شن هجمات صاروخية علي إسرائيل.
وعلي الساحة الفلسطينية, من المرجح أن يحد قادة حماس من مشاركة الحركة ويقصرونها علي اتخاذ إجراءات رمزية مصحوبة بخطابات داعمة. وفي الوقت نفسه, لا ينبغي أن يفاجأ أحد إذا شملت حرب جديدة في الشمال ##توغلا في غزة##. فقد تقرر حماس دخول الصراع بأسلوب خطير يتمثل بإطلاق كثيف للصواريخ واستخدام أسلحة بعيدة المدي. وبدلا من ذلك, قد تقرر إسرائيل إنهاء المهمة التي بدأتها في عملية ##الرصاص المصبوب## في الفترة 2008-.2009
التصعيد وعدم اليقين:
ستمثل الحرب المبينة هنا موقفا خطيرا حيث أن أنواعا مختلفة من الضغوط والديناميات ستدفع بهذه الحرب إلي التصاعد. كما أن مسار القتال والاستراتيجيات الهجومية للمقاتلين والأساليب الأيديولوجية وعمق استعداداتهم للحرب, وتوقعاتهم بأن يستخدم الطرف الآخر قوة هائلة والمزايا المتصورة للاستباق ستعزز جميعها قيام صراع أوسع نطاقا وأكثر خطورة. وهناك بعض العوامل التي ستساعد علي الحد من الأعمال العدائية مثل التدخل السياسي الخارجي أو التوقعات بوقوع خسائر هائلة أو هزيمة وشيكة. ومع ذلك, فمن باب التوازن, من المرجح أن تفوق الضغوط لتصعيد [العمليات القتالية] علي آليات السيطرة عليها, مما ينتج عنه تكثيف سريع للحرب. وسوف تنشأ فترة من الخطر المحدق في وقت مبكر عندما تبرز مزايا كسب خطوة علي الخصم بصورة أكثر وضوحا. كما سيكون صناع القرار من قبل جميع الأطراف تحت ضغط شديد للعمل بسرعة من أجل تحقيق أهدافهم وحماية أصولهم وسكانهم.
ومن المؤكد أن هناك العديد من الشكوك حول صراع من هذا النوع والنطاق, مثل قوة إرادة القادة الرئيسيين أو الطبيعة الحقيقية للعلاقة العسكرية بين حزب الله وسورية وإيران, وتأثيرات التدخل الخارجي قبل القتال, وظروف بداية الحرب والسرعة اللاحقة, والمواقف الشعبية تجاه القتال, والاستخدام المحتمل لأسلحة كيماوية أو بيولوجية ودور الصدفة. ويمكن أن تؤثر هذه الشكوك وغيرها علي مجريات الحرب, حيث ستطيل أو تقصر أو توسع أو تضيق من نطاقها, وتزيد أو تنقص من كثافتها.
النتائج
إذا توضع الشكوك جانبا, من المرجح أن تبقي الخطوط العريضة التي نوقشت سابقا علي ما هي عليه في حرب مستقبلية: وسوف يكون صراعا شديدا علي نطاق واسع بين إسرائيل ومجموعة تضم حزب الله وحلفائه, وتجري أعماله القتالية داخل وفوق إسرائيل ولبنان وسورية وسيستمر أسابيع. وفي النهاية من المرجح أن تسود الظروف التالية:
** سوف يحتل ##جيش الدفاع الإسرائيلي## بعض وربما أجزاء كبيرة من لبنان وربما كل غزة.
** أينما تسير مجريات ونتائج الحرب بصورة سيئة — من هزائم وإصابات مدنية هائلة ودمار شامل — ستكون هناك أزمات سياسية.
** سوف يظهر العديد من المتطلبات الملحة: التعامل مع المدنيين المرحلين وإعادة بناء وإمداد القوات العسكرية وإصلاح البنية التحتية المتضررة.
وسيتطلب الموقف قدرا كبيرا من الوقت واستثمارات سياسية واقتصادية جادة قبل حدوث استقرار.
وعلي المدي الطويل, يمكن أن يؤدي نوع الحرب المذكورة هنا إلي إعادة تشكيل البيئة السياسية والعسكرية للمنطقة. وستكون بالتأكيد أخطر حرب خاضتها إسرائيل منذ عام 1973, والتي سيكون لزاما علي ##جيش الدفاع الإسرائيلي## كسبها. ونظرا للتكاليف السياسية والعسكرية والاقتصادية المحتملة ستواجه إسرائيل عواقب وخيمة إذا فشلت في تحقيق أهدافها الأساسية بشكل يمكن إثباته.
وعلي النقيض من ذلك, إذا تصرفت إسرائيل بشكل حاسم, وتكون مستعدة لدفع التكاليف بالإصابات والأضرار مع الاستمتاع بنجاح عسكري, ففي ذلك الحين بإمكان الحرب الجديدة أن تضعف خصومها بشكل كبير بالطرق التالية:
** سينكسر حزب الله كعامل عسكري في لبنان ويضعف سياسيا.
** سيتم إضعاف النظام السوري بهزيمة عسكرية وخسارة أصول أمنية وعسكرية مهمة.
** سوف يتم حصر أنشطة إيران في المنطقة بهزيمة حلفائها. وإذا فشلت طهران في مساعدتهم أثناء الصراع فإنها ستخسر نفوذها أيضا.
** ستخسر حماس (علي افتراض أنها ستشارك مباشرة في الحرب) قوتها العسكرية في قطاع غزة وعلي الأقل بعض قوتها السياسية.
الدور الأمريكي
ينبغي علي واشنطن أن تتخذ خطواتها التحضيرية الخاصة بها لحرب محتملة من خلال تطوير خطط ملموسة للعمل, سواء في وقت مبكر من صراع من هذا القبيل وإذا وقعت أعمال عدائية. [وعلي أي حال], إذا اندلعت حرب, ينبغي علي الولايات المتحدة أن لا تتخذ بالضرورة خطوات فورية تجاه إنهائها بسرعة. فالعديد من الأهداف المهمة ستكون عرضة للخطر في مثل هذا السيناريو مثل تدمير القدرات العسكرية لـ حزب الله, والحد من قوته السياسية, وتحرير سورية من الفكرة بأنها يمكن أن تعمل في لبنان لتحقيق مصالحها الخاصة بدون تكلفة باهظة وإزالة الوكيل القوي حزب الله من ترسانة السياسة الخارجية لإيران. فالعمليات الناجحة لـ ##جيش الدفاع الإسرائيلي## هي وحدها التي يمكن أن تحقق هذه الأهداف. وبناء علي ذلك, ينبغي علي الولايات المتحدة أن تفكر في إعطاء ##جيش الدفاع الإسرائيلي## الوقت والمساحة السياسية التي يحتاجها لتنفيذ تلك الأهداف. ينبغي علي واشنطن أيضا أن تكون مستعدة بأن يصاحب ذلك مشاغبة إيرانية في الخليج العربي. يجب علي الولايات المتحدة أن تظهر أنها ستقوم باستخدام القوة إذا لزم الأمر, وستحبط أية محاولة تقوم بها طهران لاستغلال الوضع الناشئ عن حرب لبنان.
الخاتمة
ليس من المؤكد ما إذا كانت الأعمال العدائية ستندلع قريبا أو في أي وقت. فكلا الطرفين لديه أسبابه الجيدة لتجنبها. لكن إذا وقعت الحرب مرة أخري علي الحدود الشمالية لإسرائيل فإن مواجهة متجددة بين إسرائيل وحزب الله لن تشبه الحرب غير الحاسمة التي وقعت بينهما عام .2006
ومن المرجح أن تكون الحرب الجديدة علي نطاق أوسع علي المستوي الجغرافي وأكثر تدميرا مع قيام عمليات شديدة الكثافة منذ البداية. كما ستؤدي ديناميكيات القتال إلي حدوث تصعيد سريع مما سيؤدي ربما إلي جر سورية وحتي إيران. وحين تشتد الحرب سوءا لأي من الجانبين, من المحتمل أن تقع إصابات مدنية وعسكرية هائلة ويحدث تعطيل في النشاط الإقتصادي ودمار في البنية التحتية. ورغم أنه من المرجح أن تفوز إسرائيل في هذا السيناريو إلا أن النصر لأي من الطرفين سيحمل معه تكاليف باهظة. وقد تكون العواقب مصيرية بالنسبة للجانب الخاسر. وكلما يبدو أن رادع الحرب آخذ في الضعف, يستعد كل من حزب الله وإسرائيل لمواجهة خطيرة لن يكون بوسع أي منهما خسارتها
معهد واشنطن – نشرة المجهر السياسي